- هدى جعفر
في أكتوبر 2009 رأيت مسرح المركز الثقافي في صنعاء ممتلئًا عن آخره لأول مرة في حياتي.
كان وقتها عرض المسرحية البديعة “معك نازل” المقتبس عن مسرحية ألمانية، وقام وقتئذٍ المخرج والكاتب عَمْر جمال بـ”يمننة” المسرحية التي عُرضت لاحقًا في برلين أيضًا ووقف الجمهور الألماني يُصفق لها لعشرة دقائق كامل.
إن أشهر مشاهد تلك المسرحية هم النساء العجائز اللاتي لا يتوقفن عن السخرية من بعضهن، ومن الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلد، لم يكن يخفي على أحد أن تلك النساء لسن إلا أعضاء فرقة “خليج عدن” متنكرون في الحجاب العدني التقليد: الشيدر والمقرمة (الطرحة) الجارجيت.
وكان أحد أكثر الممثلين موهبة وظرافة، وأقربهم لقلوب المشاهدين هو الممثل رائد طه الذي توفي أمس أثر أزمة قلبية، رائد طه، مثل كثير من النجوم الشباب، أعادوا الدماء في عروق الدراما اليمنية، وزحزحوا حجرة التكرار، والثقافة، والجمود في الأداء.
فرقة “خليج عدن” هي أبرز وأشهر وأنجح فرقة يمنية شبابية مسرحية منذ وحدة اليمنيْن، وفي مقابلة أجريتها مع عمر جمال، مؤسس الفرقة، هالني الصراع والعقبات التي كان على الفرقة خوضها من أجل تحقيق حلمهم في التمثيل، وقد بلغ بهم الأمر أن يقوموا بكنس إحدى الحدائق الشهيرة في منطقة “الشيخ عثمان” من أجل أن يسمع لهم مالك الحديقة بمنحهم مساحة فارغة يقومون فيها بتأدية إحدى المسرحيات.
رائد طه قام بتمثيل في مسلسل “فرصة أخيرة” وعدد من المسرحيات وأكثر من ألف “سكتش” كوميدي، وهو من يؤدي دور البطلة الخيالية العجوزة نادية شجن (أي نادية فضول) التي خطفت محبة اليمنيين والعدانية (سُكّان عدن) بشكل خاص.
مات رائد طه، وهو يمثل مسلسل يتم تصويرها في المهرة (أقصى شرق اليمن) وقد قال في منشور لها أنه مضطر إلى العمل رغم تدهور صحته مالم فإنّه سيموت من الجوع.
رائد طه، مواطن يمني كما اعتدنا على المواطن اليمني الحقيقي أن يكون، مُخلصًا، ودؤوبًا، وصابرًا، ومتجردًا من أي انتماءات قبيلة، وعسكرية، وسياسية، في بلدٍ يحكمه ألف مسدس.
لقد رحل رائد طه، وليس بيدِنا شيء في تحسين ظروف المعيشة ولا شروط العمل الفني في اليمن.
إنّ أقل شيء يُمكن لنا أن نقدمه هو تذكير أنفسنا بأنّ على هذه الأرض عاش نجوم حقيقيون، تحدوا الزمان والمكان، وقدموا كل شيء حتى يبتسم وجه اليمن العابس ولو للحظات.