- كتب: المقالح عبدالكريم
4- مراجعات
” يستعرض الفن أمام الناس جميعاً
ما يحرص الفنان على إخفائه عن أقرب الناس إليه.”
- جين روستاند –
1- عقوبة الرسم:
تخبرنا الفنانة آمنة النصيري في شهادتها ..
أن تعلقها الدائم بالرسم كان أمراً غير مقبول
(إذ أنني على الرغم من أدائي الجيد في الدراسة
كنت أفشل في الحفاظ على كتبي وكراساتي نظيفة من الشخبطة والرسوم
التي كنت أملأ بها الصفحات والحواشي .. فتصبح قراءة الكتب عسيرة).
2- الضمير الخاص بالفنان:
حسب رؤية الفنانة آمنة النصيري فإنه (يستحيل إلى إرادة شديدة الفردية ..
ومن هنا يشدد (هيدجر) على حرية الفنان التي يرى أنها يجب أن تتجاوز كل أشكال السلطة وجميع القوانين .. لأن الفنان كي يخلق إبداعاً لابد أن تكون حريته غير مشروطة).
3- منعطفات:
في حوار الكاتب مع الفنانة والذي لم ينشره بعد ..
تخبرنا أنها لا تدري كيف حدثت – وتحدث – الانتقالات في تجربتها ..
إذ إن (كل نقلة «لا أسميها مرحلة لأنها نسبياً سريعة لم تأخذ أبعاداً زمنية متعددة» كانت وليدة اشتغالات كثيرة ومشاريع -أيضاً- مختلفة ..
لكنها ليست معقلنة إلى الحد الذي يسمح لي بالإلمام بمداها وطبيعتها تماماً).
4- ثنائية إيجابية:
اشتغالها على النص النقدي يضطرها دوماً إلى متابعة الدراسة والبحث ..
سعياً منها للظفر بكل معلومة من شأنها أن تخدم رؤيتها النقدية ..
وهو من ناحية أخرى – حسبما أشارت في الحوار السابق ذكره – يخدم نصها الفني .. حيث (يفيد التشكيل من الانفتاح على آفاق معرفية واسعة ..
وبخاصة في منطقة الفنون والجماليات).
5- المستوى الأقرب:
وهو المتعلق بدراسة الفنانة الأكاديمية داخل الوطن والذي مرَّ بطورين هامين ..
تعلق الأول بتوجهها العلمي ..
فبعد عام دراسي ناجح في قسم اللغة العربية بكلية الآداب في جامعة صنعاء ..
رأت الفنانة آمنة النصيري القيام بمراجعة شاملة لاختيارها ذاك ..
وهو ما تمخض عنه نتيجة – بخصوص اختيارها – مؤادها أنها وجدته اختياراً
(بعيد إلى حد كبير عن موضوع اهتمامي التشكيلي ..
ولأن الجامعة تفتقر إلى كلية فنون .. التحقت بقسم الفلسفة)
هذا التحول المبني عن اقتناع ورضا ذاتي جعلها تتفوق في دراستها ..
لكنها (وبعد أن قطعت شوطاً كبيراً .. قررت فجأة أيضاً التوقف ..
لكن هذه المرة للسفر إلى الخارج ودراسة الفنون)
وخلال سنواتها الجامعية تلك ..
عاشت الفنانة الطور الهام – الثاني – والذي تخللته أعوام لم تكن بالأمر السهل
على فتاة (ذات وعي عال وثقافة معقولة وإمكانات إبداعية ..
إلا أنها تفتقد إلى خبرة بالحياة العملية .. بكيفية التعامل مع الناس) ..
إلا أن ذلك تأرجح بين مكونات الفنانة الذاتية والوضع الذي تعيشه ..
أكسبها كثيراً من الاكتشافات .. خاصة على صعيد مكانة المرأة في المجتمع ..
والتي – حسب شهادتها هي – وإن جعلتها المعايشة الواقعية تدرك تماماً
أنه لا وجود لأية حروب فعلية ضد المرأة
(إلا أن كل مظاهر حياة المجتمع الذكوري ترفض حضور المرأة في أوساطها ..
بدءاً بالشارع الذي ينتهك كرامتها بكل نماذج التحرش والانتهاك ..
مروراً بأجواء الجامعة التي تعمق العزلة بين الجنسين ..
وانتهاء بأماكن العمل التي تواجه فيها النساء كل مظاهر التفرقة).
6- المستوى الأبعد:
سفرها إلى الخارج للدراسة ..
أضاف لها كثير الكثير على الصعيد الذاتي والمعرفي والفني ..
حيث تضافرت مجموعة عوامل وظروف خاصة وعامة
لعبت دورها الحيوي في ذلك ..
بدءاً من محمولها الثقيل الذي يلازمها أينما كانت ..
وهو ما أشارت إليه الفنانة نفسها في شهادتها والمتمثل بعدد
(من الوصايا والمحاذير .. وقلق دائم تراكم من سنوات التربية الصارمة).
ما جعلها تدرس وتبحث فوق طاقتها وبمنتهى الجدية التامة حتى كاد ذلك الأمر يودي بحياتها .. خاصة وقد (كانت فوبيا الفشل وضياع المستقبل التي ورثتها عن أمي دافعاً قوياً للتفوق لديّ). يضاف لهذا كله ما تولد لديها من إحساس طاغ بالعجز
وهي تتأمل بقية الطلاب أمثالها القادمين من أنحاء شتى حول العالم
وبالأخص منهم الطلاب الأوروبيين
والذين (كانوا يلمون بمعارف متعددة .. وهو ما أصابني بالإحباط ..
وعمّق شعوري بالنقص الذي رحت أقاومه بالدراسة الجادة ..
ونجحت في أدائي بصورة رائعة .. إلا أن شيئاً ما في الداخل لم يتغير ..
ظللت أعاني من عدم رضا عن ذاتي ينغص عليّ حياتي..
ولم أتخلص من عجز لم أفهم مصدره وخوف من القادم ..
تعمق لديّ شعور بفقدان الأمان .. تراكم هو أيضاً ربما منذ الطفولة)
7- المعيار الأساس:
في كتابه «ضرورة الفن» وتحديداً في فصله الأول: وظيفة الفن ..
يضع أرنست فيشر بين أيدينا المعادلة التالية:
( لكي يصبح الإنسان فناناً ينبغي له بالضرورة أن يتحكم بالتجربة
وأن يحولها إلى ذكرى ويحول الذكرى إلى تعبير ..
ويحول المادة إلى شكل ..
فليست الأفعال كل شيء بالنسبة للفنان ..
إذ ينبغي له أيضاً أن يعرف حرفته وأن يحبها ..
وأن يفهم كل قواعدها وتقنياتها وأشكالها ..
وشروطها التي بفضلها يمكنه أن يروض الطبيعة الشرسة ويخضعها لقوانين الفن)
8- احتراقات ذاتية:
( المفروض في الماضي أن لا يعود إلى الشعور
إلا بنسبة ما يمكن أن يساعد على فهم الحاضر والتنبؤ بالمستقبل )
وعليه ومن حيث المبدأ (المفروض في الواقع الخام ماضياً أو حاضراً
أن يكون كشافاً للعمل) إلا أن تطبيق ذلك ليس سهلاً حسب الروائية غادة السمان ..
إذ تحول دونه أشياء كثيرة أبرزها (الضعف البشري أمام لحظات وأحاسيس)،
فعدم كبحها والسيطرة عليها فيه تشويش على قدرة استيعاب الحاضر
أو استشفاف المستقبل ..
لذا وللحيلولة دون ذلك كما تخبرنا هي في اتخاذها وجهة محددة ..
حيث (أن غادة الفنانة تبذل جهداً خارقاً (بالنسبة إليها) للحيلولة دون تتفيه التجارب وسقوطها في الميلودرامية
والحرص على إنضاجها (مهما سبب ذلك من آلام شخصية ..
لتصعيد فهم لواقع الخام إلى ماس عطاء).
” الفيلسوف من يضيف جديداً للفلسفة الإنسانية ..
أما الأديب المتفلسف هو الذي يعبر تعبيراً فنياً
عما يأخذه من هذه الفلسفة ..
وهو يفيد الفلسفة بذلك .. لأنه يحولها إلى تجربة حية تعيش في النفس البشرية ..
بعد أن كانت معادلة عقلية يختص بها الفلاسفة وأتباعهم،
ماذا أضاف شكسبير أو جوته أو أبسن أو شو إلى الفلسفة الإنسانية؟!
لا شيء،
الأدب لا يخلق الفلسفات لكنه يعالجها ..
وإذا وجد أدب وفي الوقت نفسه أضاف جديداً للفكر ..
فذلك لأن مؤلفه فيلسوف وأديب معاً مثل سارتر”.
- نجيب محفوظ –
إحالات
1- شهادة: مقامات اللون .. مقالات ورؤى في الفن البصري
د. آمنة النصيري – الطبعة الأولى 2004م وزارة الثقافة والسياحة / اليمن – صنعاء.
2- ضرورة الفن: إرنست فيشر – ترجمة: د. ميشال سليمان . دار الحقيقة / بيروت.
3- غادة السمان بلا أجنحة: د. غالي شكري
الطبعة الثانية: ديسمبر 1985م / دار الطليعة للطباعة والنشر – بيروت.