- كتب: محسن القرشي
قد يُطلب منك في بعض الأحيان أن تقتل كل من أمامك لتنجو، وقد يُطلب منك سرقة مصرف وعليك أن تتدبر كيفية الهروب من الشرطة، وقد تُطلب منك معلومات شخصية حساسة للانتقال إلى مرحلة أعلى..
هكذا أصبح واقع الألعاب الالكترونية التي يتنقل بينها الأطفال ذهابًا وإيابًا بشكل يومي من غير أن يكلفهم عناء ضغطة زر، الألعاب التي يُحذّر مراقبون من خطر إبقائها بأيدي الأطفال لساعات طويلة لما تسببه من مشاكل نفسية وتقمص دور البطل في اللعبة بل ونقل الأحداث التي تحدث في اللعبة إلى أرض الواقع، غير آبهين بالمخاطر المترتبة على مثل هكذا أحداث.
مقابر إلكترونية
إبحار الأطفال في عالم مفتوح كالأنترنت من غير تقييد للمحتوى العنيف، ورؤيتها ومعايشتها بشكل يومي أو شبه يومي قد يعمل على تبلد الطفل حول الجرائم وقد تعمل على افتتاح “مقبرة الكترونية” – خاصة – لمواراة لاعبي هذه الألعاب ولكن هذه المرة على الأرض الحقيقية وليست الافتراضية؛ فالموتى على هواتفهم يتكاثرون يومًا بعد يوم لما تسببه المشاهد العنيفة التي يتأثرون بها ويعايشونها، بدءًا بلعبة الحوت الأزرق التي بدأ انتشارها عام 2013 في روسيا وذاع صيتها في عام 2016 حيث دفع الكثير من الأطفال والكبار على حد سواء حياتهم ثمنًا لهذا التحدي، مرورًا بلعبة ببجي أو ساحة المعركة الواحدة التي يُقدِم الأطفال على قتل أنفسهم لأسباب كثيرة كان آخرهم طفل مصري في 11 من عمره حيث وجد مشنوقًا في غرفته بعد نهي أسرته له لترك اللعبة، وكذلك لعبة مريم السعودية المنشأ التي انتشرت عام 2017 حيث تطلب اللعبة من اللاعب الإدلاء بمعلومات شخصية حساسة – تعد انتهاكًا لخصوصية الطفل والأسرة – لأجل الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أعلى ، والقائمة تطول ولا تنتهي .
تحدثت الطبيبة جيني راديسكي من الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال عن أن الأطفال والمراهقين المفرطين في استخدام الألعاب الالكترونية يقعون تدريجيًا في قبضة الاضطرابات السلوكية والعضوية والنفسية وأشارت إلى أن مصطلح (التوحد الالكتروني) بات شائعًا للإشارة إليهم، إذ يتحولون بسبب ساعات اللعب الطويلة إلى شخصيات انطوائية تميل إلى الاكتئاب والعزلة وتعاني الأرق ” وتكون متوحدة بالكامل مع الواقع الافتراضي خاصة في ظل غياب أو ضعف العلاقات والرقابة الأسرية”.
دراسات وتصنيف
رغم ذلك وقّع أكثر من مئتي باحث أكاديمي خطابًا مفتوحًا نشر عبر بي بي سي ينتقدون فيه دراسة حديثة تضمنت نتائجها وجود علاقة بين ألعاب الفيديو والعنف والسلوك العدواني، وكانت جمعية علم النفس الأمريكية قد نشرت الدراسة التي اعتمدت على المئات من الدراسات السابقة في نفس دائرة البحث والتي نشرت على مدار الفترة من 2005 إلى 2013، لكن الجمعية خلصت إلى أنه لا يوجد ” عامل خطورة فردي” يمكن الاعتماد عليه في إثبات أن ألعاب الفيديو العنيفة هي المسئولة عن العدوانية.
منظمة الصحة العالمية من جهتها أصدرت بيانًا أواخر العام 2017 أشارت فيه إلى أنها بصدد إضافة مرض جديد لقائمة الأمراض النفسية التي تتضمنها لائحتها السنوية، وأطلقت عليه مرض (اضطراب الألعاب) وهو الناتج عن الإفراط في ممارسة ألعاب الفيديو، وقال البيان إنه بعد 10 سنوات من مراقبة ألعاب الفيديو قررت المنظمة تصنيف بعض اللاعبين المفرطين في ممارسة الألعاب الذين يعتبرونها أولوية على باقي مصالح الحياة الأخرى بأنهم يعانون “حالة صحية عقلية” ، كما أظهرت دراسات أن حوالي 68% من ألعاب الفيديو تحتوي على شكل من أشكال العنف.
ولا يزال يرتفع في بعض الأحيان، حيث تظهر الأدلة أن ذلك الأمر قد يصبح مؤذيًا للأطفال الصغار وقد يلعب ذلك دورًا هامًا في التأثير على وجهات النظر التي يمرون فيها بتجاربهم اليومية، وإذا تعرض الأطفال غالبًا لمشاهد العنف فقد يطورون نظرة تريهم أن العالم أكثر خطرًاً مما هو في واقع الحال.
ألعاب الحروب
عنف وإجرام يلوح في الأفق قد يعمل على تصاعد وتيرة العنف الحاصلة في البلدان العربية بشكل عام واليمن بشكل خاص حيث يمثل تقليد الأطفال للشخصيات الالكترونية في ألعاب الحروب والعنف يمثل بيئة خصبة لرفد جبهات القتال والدخول ضمن العصابات الإجرامية لما يمثله ذلك من بيئة خصبة لعكس المحتوى الذي تأثر به وشاهده هذا الطفل على الواقع ، لكن حلولاً بسيطة قد تعمل على الحد من هذه الظاهرة التي تقتل الأطفال بطريقة ترفيهية ؛ تقييد المحتوى العنيف والألعاب التي تحتوي على مشاهد وأعمال عنيفة وكذلك الاتصال المباشر بين الأب وأبنائه في المنزل والاحتواء الأسري؛ قد يقنن كثيرًا من خطر الغوص في المجهول الذي يحيط بالأطفال وبراءة أيامهم التي قد تتحول – لا سمح الله – إلى رعب يهدد المجتمعات ويسمعها بكاء الأمهات الثكالى .
- ” تم إنتاج هذه المادة من قبل شبكة إعلاميون من أجل طفولة آمنة التي يديرها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي وبتمويل من اليونيسف (منظمة الطفولة)”.