- كتب: محمد ناجي أحمد
يشير المؤلف إلى أن القوى التقليدية والرجعية سحبت الجنسية عن رجل التنوير الأستاذ أحمد محمد نعمان.
ولكي تكون الصورة واضحة نستدرك على “محطاته” بخصوص سحب الجنسية عن الأستاذ النعمان عام 1968م، ونبين موقع الأستاذ النعمان من الصراع ورؤيته للجيش الذي صمد في حصار السبعين يوما.
موقف الأستاذ النعمان من أحداث أغسطس :
يرى الأستاذ أحمد محمد نعمان في كتابه “سيرة حياته الثقافية والسياسية” وهو حوار أجري معه عام 1969-مكتبة مدبولي-الطبعة الأولى-2003م- أن أحداث 23أغسطس 1968م كانت بسبب ارتباط بعض القوات المسلحة بالخارج , ويحددها بالصاعقة والمظلات والمدفعية والمشاة , وفي رأيه أن هذه الاسلحة حين وجدت تقاربا بين الجمهوريين وبين الملكيين , ورغبة في المصالحة , وجهت أسلحتها لضرب القصر الجمهوري , والتهديد بضرب صنعاء بالصواريخ والمدفعية والمظلات والصاعقة, ليدمروا صنعاء «فانذر هؤلاء بوقف هذه الهجمات فلم يقبلوا .أرسلت القيادة إلى القبائل , والقبائل هي القوة الضاربة في اليمن والتي لا تزال عند خطتها .ودخلت القبائل إلى صنعاء وأطبقت على هذه الأسلحة (الصاعقة والمظلات والمدفعية والمشاة ), على أربعة أسلحة ودمرت قواعدهم ومدارسهم واستولت عليها وسيطرت على الموقف .ونفو ا هؤلاء إلى الخارج» ص(128) . إن تعليل النعمان ضرب هذه القوات بأنها مرتبطة بالخارج , وأنها أرادت ضرب صنعاء يتفق مع مذكرات رجالات جمهورية 5 نوفمبر , بل ويسبقهم في مذكراته هذه كون الحوار تم معه عام 1969م !ولهذا فإن الموقف السياسي للاستاذ النعمان ينتصر للقبيلة السياسية وللدور السعودي في اليمن! وموقفه تجاه اليسار بكل تنوعاتهم موقف سلبي بل وعدائي!
إن تعليل النعمان لسبب ضرب هذه القوات يتفق مع ما ذكره رجالات 5نوفمبر , من عبد الملك الطيب و المسوري , والعيني والشيخين :عبد الله بن حسين الأحمر وسنان أبو لحوم , وغيرهم من رجالات 5نوفمبر الذين دونوا ذلك في مذكراتهم , ولعل ّ له الريادة في ذلك, وإن تأخر سماحه بطباعة ونشر مذكراته !
يربط الأستاذ النعمان بين تجريده من جنسيته اليمنية في عهد الرئيس عبد الرحمن الارياني وأحداث أغسطس التي يراها بسبب ارتباط بعض الاسلحة بالخارج , دون أن يحدد هذا الخارج! لكن الخارج الذي يقصده النعمان يفهم من بقية المذكرات التي دونت بعد ذلك وحددت الخارج بمصر والجنوب اليمني ( جمهورية اليمن الديمقراطية ) والاتحاد السوفيتي! يقول : «فلما نحي السلال , بقيت هناك أسلحة مرتبطة أيضا بالتعليم الخارجي وبالنفوذ الخارجي , حتى أن القيادة التي كانت وعلى رأسها الارياني كان مسيرا لا مخيرا , اتخذ القرارات ضدي , دون أن يكون راضيا عنها ولكنه لم يكن قادرا على منعها» ص(127) .
استخدام وصف ( الجهل ) كنعت للقوى اليسارية المعارضة للتقارب مع السعودية كان هو الوصف الذي يجمع بين مذكرات رجالات 5نوفمبر , ابتداء من النعمان مرورا بعبد الملك الطيب والشيخين والمسوري , الاّ أن الشيخين والمسوري يضيفان نعت (الغوغائيين) من اختلطت دماؤهم بالاحباش ففقدوا أصالة ونقاء العرق اليمني!
وعن سحب الجنسية عن النعمان يتحدث اللواء عبد الله الراعي في كتابه والذي كان حوار أعده صادق ناشر بعنوان(عبد الله الراعي يحكي قصة ثورة وثوار…) الطبعة الأولى-2009.
سحب الجنسية عن النعمان :
يصف اللواء عبد الله الراعي العلاقة بين الضباط والنعمان بأنهم لم يكونوا يطمئنون له بسبب مواقفه من «حركة الثلايا الانقلابية مع الامام أحمد والبدر, نجد مواقفه متناقضة» «كان النعمان زئبقيا في المواقف , صحيح أنه رائد التنوير والفكر والحداثة بداية من حجة , لكن موقفه المؤلم كان ذلك الذي صدر عنه في حصار السبعين يوما , عندما أعلن تصريحه الشهير الذي بسببه سحبت منه الجنسية وقال فيه: « إن الملكيين على أبواب صنعاء وأن المدافعين على سورصنعاء هم الشيوعيون» وأن الجمهورية ستسقط لا محالة , وأن القاضي عبد الرحمن الارياني لن يتمكن من صلاة عيد الفطر في الجبانة خارج صنعاء القديمة , أي في منطقة مسيك» ص(91) –قصة ثورة وثوار-عبد الله الراعي-الطبعة الأولى-2009.
تأثيرات الفكر اليساري
بحسب ما يورده المؤلف في “محطاته” هذه فإن تأثره بالفكر اليساري بدا في نهاية الخمسينيات في عدن أثناء المرحلة المتوسطة، وقراءاته لكتب منها “الأم” لـ”غوركي و “معذبو الأرض” لـ”فانون”، والبحر الشيخ” لـ”همنجواي”، و “البؤساء” لـ”فيكتور هيجو”، و “أحاديث الشباب” لـ”سلامة موسى”.
ومع تشكيل “اتحاد الشبيبة الديمقراطية اليمنية” بدأ نهج وأسلوب العمل السياسي بمنحاه اليساري بحسب ما يراه المؤلف.
تعلم صاحب “المحطات” من كتاب “اصل العائلة والدولة والملكية الخاصة” لـ”فريدريك إنجلز” الذي استعاره من صديقه “أحمد الشرعبي، المتأثر بالفكر الماركسي والذي رأس صحيفة “البلاد” في ما بعد وغير اتجاهه إلى القوى التقليدية”.
باعتقادي أن التجربة السياسية للشاعر والكاتب والصحفي والسياسي “احمد الشرعبي” ستكون مهمة وثرية لو قراناها من منظورصاحبها، كي تكتمل أو تتضح الصورة التي ربما تكون ممزوجة بذاتية شهادات الآخرين عنه. فقد كتب الشيخ يحيى منصور أبو اصبع في مذكراته تحت عنوان “دمعة حزن ووفاء على ضريح الرفيق الشيخ أحمد علي عبد الباقي الشهاري” في الحلقة الثامنة والتاسعة عن أحمد الشرعبي:
“أحمد بن أحمد الشرعبي، صاحب صنيد الشرقي من أوائل المنتسبين للحزب الديمقراطي الثوري اليمني بحكم أن والده الحاج أحمد الشرعبي ارتبط بعلاقات سياسية مع حركة القوميين العرب، وكان معجب أشد الإعجاب بجمال عبدالناصر ومن المدافعين عن الثورة والجمهورية وعلى الخصوص أثناء تمرد العدين ومذيخرة باسم الملكية، بعد أن بذلت محاولات لجره إلى الملكية ورغم العلاقة التي كانت تربطه بالشيخ محمد مصلح عبد الرب وتجاور قريتيهما إلا أنه ظل متمسكاً بالثورة والنظام الجمهوري حتى وفاته، وكان عالماً وفقيهاً ومحل ثقة عند الناس.
وعند بداية حملات الاعتقالات والمطاردات التي دشنها نظام علي عبدالله صالح في أول عهده كان أحمد الشرعبي واحداً من عشرات الرفاق الذي تعرضوا للاعتقال في سجن الأمن السياسي في إب، ولا شك أن القمع والتعذيب والترهيب الذي تعرض له الأستاذ أحمد بن أحمد الشرعبي والتهديد بالتصفية قد أجبره على الالتزام والتعهد بعدم ممارسة السياسة والإقلاع عن العمل الحزبي والخروج من الحزب الديمقراطي ، وفي ضوء ذلك خرج من السجن وخرج من الحزب ومن العلاقة بالحزبيين، ولا يلام في تصرفه هذا لو ظل على الحياد، والمعروف عن أحمد الشرعبي الذي أصبح فيما بعد شخصية سياسية وصحفية مشهورة على مستوى الوطن اليمني كله، وقد ظلت العلاقات الشخصية قائمة معه ولا سيما بعد الوحدة اليمنية، حيث برز كمؤسس لحزب التجمع الوحدوي اليمني في محافظة إب، وهو الحزب الذي أسسه وتزعمه المناضل الكبير والمفكر الوحدوي الأصيل الأستاذ عمر الجاوي أحد أشهر السياسيين اليمنيين خلال النصف الثاني من القرن العشرين. إلا أنه سرعان ما انقلبت العلاقات بين أحمد الشرعبي وبين حزب التجمع الوحدوي واضطربت وتفاقمت الخلافات إلى ذروتها بإصدار عمر الجاوي قراراً من حزب التجمع بفصل أحمد الشرعبي من الحزب وتجريده من المسؤوليات واتهامه بالتعاون مع حزب المؤتمر الشعبي العام، وقد قاد هذا التطور إلى ذهاب أحمد الشرعبي بعلاقاته بالمؤتمر وبعلي عبدالله صالح أن تولى المشاركة بقيادة الحملة الإعلامية والدعائية المركزة ضد الحزب الاشتراكي اليمني قبل الحرب وأثناء حرب 1994م ولا زلت أذكر مقالاته الصحفية تحت عنوان (في المعترك) وتنشر في كل وسائل إعلام المؤتمر والسلطة المقروءة والمسموعة والمرئية، وانتهى به المطاف إلى الاختلاف مع المؤتمر وزعيمه، وفي اعتقادي أنه لولا القمع ومصادرة كل حقوق الإنسان والتعذيب والتهديد بالموت لظل أحمد الشرعبي في مسيرته النضالية التي بدأها بقناعة ذاتية ولأصبح من كبار الشخصيات التقدمية ثقافة وفكراً وتنظيراً وسياسة…”.
ومن كتاب “اصل العائلة…”الذي استعاره من الشاعر والكاتب والسياسي أحمد الشرعبي يقول صاحب “المحطات” “سلطان أحمد زيد” “بدأت أدرك مصطلحات معرفية، مثل : تقسيم العمل ومفهوم الصراع الطبقي، وتطور المراحل التاريخية، ونشأة الدولة، وتنظيمات المجتمع، وأصل الإنسان، والقبائل والعشائر والأفخاذ” وساعد “الميثاق الوطني للاتحاد الشعبي الديمقراطي” الذي صاغه المفكر الكبير عبد الله باذيب، ببعده الوطني، وبنفسه الديمقراطي “في تطور روافدي الفكرية التقدمية الجديدة المعبرة عن آفاق التغيير، كونه كان ينطلق ويتأسس على رؤى مقبولة، ويطرح فكرة عامة تحت شعار “من اجل يمن حر ديمقراطي موحد”. وعندما نعود إلى قراءة هذا البرنامج اليوم، يكاد يكون صالحا للمرحلة الراهنة”.
يؤرخ المؤلف في “محطاته” لـ”وحدة الحركة الطلابية” و “رابطة الطلاب اليمنيين “التي تأسست في يوليو 1956 في مصر. في هذا الوقت الذي كان فيه المؤلف يعيش في محطته بعدن تلميذا في “المعهد الإسلامي”.
يبدأ المؤلف مسيرته في العمل الطلابي والنقابي عام 1966 كأمين عام لاتحاد الشبيبة، ثم السفر والدراسة في موسكو في ذات العام، وانتخابه رئيسا لفرع “رابطة الطلبة اليمنيين فرع موسكو” عام 1967، والقيام “بمظاهرة ضخمة، جمعنا الطلبة العرب، وسرنا بمسيرات إلى السفارة المصرية بموسكو، نهتف بعودة عبد الناصر، الذي قد قدم استقالته إثر هذه الهزيمة، وضد الامبريالية والصهيونية” ثم الاعتصام في موسكو أمام سفارة الجمهورية العربية اليمنية تنديدا بانقلاب 5نوفمبر 1967 وكشفا لأهدافه القريبة والبعيدة ببيان. ثم الإشادة بعشية استقلال 30نوفمبر 1967.
في المهرجان الثامن للشببة والطلاب بموسكو عام 1968 شارك أيوب طارش فيه كعضو في الشبيبة “أتذكر الفنان أيوب الذي أصبح جوهرة المهرجان، يغني في الساحات، كنا نرقص ونفرح ونحلم بيمن جديد.”
جاء عبد الفتاح إسماعيل إلى موسكو، حينها كان يتقلد أمين عام “الجبهة القومية” “تحدث فتاح في محاضرة أمام الطلبة اليمنيين، “عن ظروف الاستقلال واتجاهات العمل الوطني لبناء اليمن الجديد، كما تحدث عن “صيغ ومبادئ الحوار .كان الطلبة يقدمون الاستفسارات والأسئلة الهادفة. المحاضرة كانت ناجحة. فتاح رجل ديمقراطي موضوعي في حواراته وردوده المقنعة”.
وفي العام نفسه زارهم في موسكو “علي سالم البيض” وزير الدفاع حينها، والقى فيهم محاضرة “ظهر متحاملا على اليسار والماركسيين، ونفى أي دور للماركسيين في اليمن”.
وعندما عاد “عمر الجاوي إلى موسكو “بعد مشاركته الفاعلة في فك حصار السبعين يوما عن صنعاء، نظمنا له محاضرة، كنا نعلم توجهاته ونزعته الراديكالية، فيما نعتبره بناء على منطق هذا التنصيف زعيما وطنيا لا يضاهى، ونجما من نجوم المقاومة الشعبية، وأحد صناعها ومؤرخي وقائعها” أثار الطلاب موضوع الوحدة اليمنية وأنه يشترط لتحقيقها أن يكون النظام في الشمال ديمقراطيا ومقبولا لدى الشعب “حتى تتمكن القوى الوطنية من النهوض ومن الحوار المتكافئ مع الجنوب للوصول إلى تحقيق الهدف العام المتمثل بالوحدة الوطنية. إذ يفاجئنا الجاوي بالتعبير عن رؤيته للحدة بالقول :”نحن نريد وحدة إن شاء الله تحت راية الإمام، وحدة فورية”.
استمر جدل الوحدة الفورية أو بشروط بين عمر الجاوي والرفاق في سبعينيات القرن العشرين، وقد نشرت “مجلة الحكمة” الصادرة عن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين مقالات ومحاضرات عن ذلك الجدل، ومنها ما كتبه عمر الجاوي ورد إسماعيل الشيباني ومحاضرة “ابو بكر باذيب” إلاَّ أن تصور عمر الجاوي للوحدة اليمنية الفورية قد تغير وأصبح يربط ذلك بوحدة القوى الشعبية ومؤسساتها كمقدمة للوحدة اليمنية. وكان يفترض بصاحب “المحطات” أن يشير إلى هذا التغيير في أطروحات “عمر الجاوي” عن الوحدة اليمنية.