- عبدالرحمن بجاش
عند الساعة 12,33 مساء يوم 18 نوفمبر الماضي ، كتبت رسالة قصيرة إلى فكري عبدالواحد الأغبري : لو تكرمت تليفون طارق ، أرسله إلي ، فلم أنتبه إلا أمس ليلا عندما لمحت اسم ماهر العبسي ، فتحت رسالته ، صدمتني : طارق عبدالرقيب الهويدي أنتقل إلى رحمة ألله ، تعرض لذبحة صدرية ،عملوا له دعامات ، توفي بعدها …بكل الصدق أحسست لحظتها بأن صدري سينفجر، حزنا ، غضبا ، قهرا ، كل مشاعر الظلم أستولت علي ، إحساسا إضافيا أستولى على روحي مفاده أن الإنسان في هذه البلاد خلق مظلوما ،وعاش ويعيش مظلوما ، يتساوى في ذلك الفقير والغني ، ولا يتساوى فيه الظالم والمظلوم …ولا الفاسد والنزيه ، ولا القدوة والعلة ، ولا القادر والمتنطع …ولا السارق والبريئ ..
خلل ما يتحكم في معادلة هي عوجاء بالأساس ،أسست لها الدولة العميقة تلك التي رأت في ثورة سبتمبر 62 مكسب مادي ، وللوحدة على أنها ” فيد” ، وللمستقبل على أنه مجرد هدرة !!!!..
أشهد لله وأمام كل الكائنات أن هذا الرجل طارق عبد الرقيب الهويدي رئيس وحدة تدبير الموارد مدير عام موازنة الوحدات الاقتصادية السابق ، وضعوا تحت السابق مليون خط ، أشهد بأنه كان كفؤا ،قديرا ، نزيها ،عاملا حتى الثمالة ، لايفتح عينيه سوى على العمل ولايغلقهما إلا على الأرقام ، وهذا من وحي تجربة استمرت شهورا ،بذلت فيها جهدا خرافيا معلوما للحصول على ميزانية لمؤسسة الثورة كان لابد منها لنعيدها الى فوق الطاولة من جديد!!! قلت ياطارق اما أن تكون ميزانية تعيد الق مؤسسة الثورة ، أو اخبرني بعدم قدرتك ،وساذهب الى بيتي ، قالها : سأخلق لك ميزانية من العدم …
ثمة جهاز لاحظته مثبتا في بطن ماسة كبيرة عليها ملفات في تلك الغرفة من قطاع الوحدات ، ظننت لحظتها أنها لغم ثبت في ذلك المكان ، قال زميل له : هذه ساعة طارق !! قلت : كيف ؟ ، قال : عندما يبدأ طارق العمل فينسى نفسه واولاده ، نأتي صباحا ، فيظن أن الدوام لم ينتهي ، يكون الوقت صبيحة اليوم التالي ، فعملنا على تثبيت الساعة ليتنبه للوقت …تلك ملفات ميزانيات الوحدات ، لابد أن يكون قد رآها ويراجعها ، ويقر ميزانية كل وحدة اقتصادية على حدة ….
مازلت أتذكر حكاية الميزانية ، أعدها طارق وبالطبع زملاءه الأكفاء لم يقصروا ، واعتمدت للمؤسسة ميزانية قدرها مليار وخمسمائة مليون …أتذكر أن عبد الوهاب المخلافي رحمه الله كان متجها إلى مجلس النواب وأنا أتواصل معه تارة ومع الحذيفي ليتم إقرارها وهذا ماحصل …
أقرت ،هنأني الوزير ليلا : أكبر ميزانية في حياة المؤسسة ، بذلتم جهدا كبيرا ، اليوم الثالث ابعدوني !!! ..
بعدها جرى إزاحة فكري عبد الواحد الاغبري الكفؤ والمقتدر، وقطاع وحدات كل من فيه كان رائعا من عند رئيسه إلى ذلك الشاب الرائع صاحب البوفية …
تألمت عندما لمحت : السابق ” أمام صفة طارق رحمه الله …عرفت الحكاية كلها ،هومسلسل الظلم الذي يجرف من لاقبيلة لهم !!!
أنا نسيت الرقم الذي أرسله فكري حتى أمس ، كتبت لفكري كلمتين : أنا حزين ، رد وأنا موجوع ….وحدهم حمران العيون الذين لا إحساس لهم …
لم أتألم على نفسي فقد كنت أعرف أنهم يريدوني لمرحلة ، تألمت على عبد الوهاب المخلافي الذي أتصل بي قبل وفاته بإسبوع وقال لي على كل شيء ، وطلب المسامحة ، ورقم تليفونه لازال مثبتا في جهازي …سامحته ،لكنني قلت له : لن اسامحك على ما ارتكبته في حق عبد الوهاب المخلافي ، فقد تحملت الأذية مرتين وخذلت مرتين ….مات رحمه الله وأولاده في بيت الايجار، ليفوز حمران العيون بكل شيء ، ويخسر أدواتهم الذين لعبوا اللعبة بدون ضمانات …
مات طارق الهويدي بعد أن كوفئ برميه في البيت ..
فقط أتمنى معرفة أين ذهبت الساعة الأثيرة ..
سلام الله عليك وعلى فكري الميت الحي وزملاءك الرائعين ..
ولا عزاء لحمران العيون ..
لله الأمر من قبل ومن بعد .