- محمد ناجي أحمد
في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين كان المزاج العام للناس الانتما للأحزاب اليسارية القومية والاشتراكية، بما هي تعبير عن مزاج شعبي ورسمي، وسرعان ما التحق العديد من المشايخ في تلك الأحزاب لا كانحياز اجتماعي وإنما لأن هذه الأحزاب بما لها من تواجد في الجيش كانت الوسيلة للاستيلاء على السلطة.
ومع تراجع هذه الأحزاب وقمعها دفع الكادحون ومثقفوهم ضريبة انتمائهم الاجتماعي الذي جسدوه حركيا بانخراطهم في أحزاب اليسار، فكانت المعتقلات ووجبات التعذيب والاخفاء والاغتيال من نصيب أولئك الكادحين والمثقفين الذين جسدوا ذلك الانتماء الاجتماعي وعيا وموقفا، فيما قوى المشيخ التي انتمت لليسار ولم تنتقل من موقعها كملاك للأراضي وإنما انخرطت في العمل السياسي لتوسيع النفوذ على الرعية لا الانحياز لهم-تفاوضت بكل سلاسة مع السلطة لترتيب وضعها الوظيفي من خلال حصولها على وظائف عليا.
يحضرني ما ذكره الشيخ يحيى منصور ابو اصبع في مذكراته التي ينشرها على حلقات سواء عن ذكرياته بخصوص عبد الوارث أو عبدالسلام الدميني أو الشهاري أو علي عبد الله السلال، ومن ذلك لقاء الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر به في موسكو وقوله له بأنه من أبنائهم وعليه أن يعود إلى مواقع المشيخ سياسيا. وكلام الشيخ عبد الله ليحيى منصور أبو اصبع كان في وقت قد بدأ فيه بالعودة والتفاوض مع النظام على درجة وزير مفوض في الصين ثم السودان ثم الجزائر.
ذات المشهد يتكرر مع انتفاضة 11فبراي 2011. ففي حين يعاني غالبية الناس طيلة هذه السنوات التي جرّفت معيشتهم وحقهم في التعليم والتطبيب وفرص العمل واستمرار الموت وانتشار الأمراض المميتة ونزيف الدماء وتمزق الوطن-نجد الشباب الذين ينتمون اجتماعيا لقوى المشيخ حصدوا الوظائفي العليا وعاشوا في استرخاء ورخاء معيشي وتعليمي وتوفرت فرص العمل لأقربائهم أكان انتماؤهم لأحزاب اليسار أو اليمين فالمعيار هو الانتماء الاجتماعي.
تمثل العصبويات العائلية التي تنتمي اجتماعيا لشبه الإقطاع في اليمن سمة جوهرية،لهذا فهم ينحازون لبعضهم بعضا بمنطق العائلة المقدسة وتغيب روح الفرد الناقد لذاته والمتمرد والمفكك لعصبويته…