- كتب: محمد الصلوي
أسمر البشرة لأنه ينتمي “للمهمشين”، رغم ذلك يشع من وجهه ضوء قنديل، فلقب ب”القنديل”، ليزاد ضوءه الذي كان ينور اجمل ليالي العمر، ارتبط اسمه وصورته لدى الجميع في أحد عزل الصلو، بأجمل أيامهم وأيام فرحهم-ليلة زفافهم- تلك اليالي التي يتذكرها كل أهل القرية وكان القنديل جزء من تفاصيلها، فلا يذكر الفرح إلا وكان حاضر.
أينما كان هناك فرح بالقرية، كان القنديل أول الحاضرين ب”طاسته” والمرافع، يحيي العرس من أول إشراقة للشمس ويستقبل الضيوف وينشر البهجة ويبرع الحاضرين يستمر بإحياء اليوم حتى منتصف الليل، حينما تصبح العروس في بيت زوجها، ودخلت على ايقاعات طاسته، يغادر حينها.
يعرفه الجميع بأسم القنديل، ومنذ عشرات السنوات منذ جاء ليعيش هنا، لا أحد يعرف اسمه أو من أين جاء، يعرفونه بالقنديل، ويسكن بينهم على أطراف قريتهم منذ سنوات، وأصبح بعدها صاحب الطاسة الوحيدة التي تحيي الاعراس في الأعياد خصوصا،وكان هذا موسم يكون أسم القنديل يتردد في كل القرية أما بقية السنة فلا أحد يتذكر القنديل المسحوق الذي يناضل من أجل لقمة العيش، بقية السنة يترك هو واطفاله يواجهون الفقر والعوز، دون أن يلتفت اليهم احد إلا ما ندر.
كانت السنون تمر على القنديل ثقيلة جدا، عدا أيام الأعياد الذي تمنحه النشوة والقليل من المال، والكثير من الحضور، فمثلا أثناء ذهاب أهل العريس لاخذ العروسه من بيت أهلها، يقود القنديل الموكب ويتقدمه بطاسته التي يبترع على ايقاعتها من في الموكب، الذي من شدة حماسه وتلذذه بالايقاعات والاهازيج والبرع، يصرخ الموكب بصوت واحد”واااقنديل شد الضربة” ليدخل الموكب بعدها في حالة نشوة بفعل ايقاعاته الساحرة.
ظل القنديل كما هو رغم التقدم بالسن،كان قصيرا،يرتدي دائما “الديسمال والمشقر” والمعوز لفوق الركبة تماما،يبتسم طوال ما الطاسة بين يديه،ويبترع عاليا مع كل ايقاع يضربه،كان يشعرك بالفرح دائما، جاءت أجيال جديدة والقنديل لم يتغير،ظل محتفظ بتلك الصورة التي رسمها،رغم كبر سنه الذي تجاوز العقد السادس وصحته المتهورة،لكن روحه ظلت ترفرف وتوزع النشوة والفرح.
في ليلة من ليالي الحرب في الصلو،دون سابق إنذار،دون أن يبلغ أحد العرسان الذين يستعدوا ليكون عرسهم بالعيد،بأن فرحتهم ستنقص كثيرا، لأن القنديل داهمه الموت فجأة على فراش النوم.
صحت القرية وما جاورها على خبر مخزن جدا،فمن سيبهجهم،من سيضيف الفرح على ايامهم،مات وهم في أشد الحاجة إليه،أنها الحرب،وكانت لايقاعاته أهمية،ولروحه المدهشة حاجة ماسة، لكنه مات.
مات دون أن تتوقف ابتسامته وتخفت روحه ووهجه، عاش قنديل يمنح المنطقة الضوء،ومات كما تنطفى الشمعة.