- عبدالكريم الرازحي
كانت ( سحابة ) بقرة مجنونة. لاتقر، ولاتستقر ،ولايمكن السيطرة عليها،
ولم تكن تسمحُ لاي ثور ان يدنو منهاليلقحها ،ولالأي شخص كان ان يمسك بها، ويحجزها، ويقيدحركتها، بمافي ذلك فازعة نفسها .
كانت تشطحُ وتنطحُ وتثورُ وتحطّم كل حاجز امامها، وكل من يقف في طريقها، وتغادر اصطبلها،وتظل تهيمُ لأيامٍ في الجبال ،والشعاب، والوديان، حتى اذا عادت الى اصطبلها، تعود لتهرب من جديد .
ولخوفها على بقرتها ( سحابة )راحت فازعة تستنجد بأولياء القرية السبعة ،وتتمسّحُ باضرحتهم ،وتنذر النذور لهم ،وتتوسل اليهم ان يتدخّلوا لشفاء بقرتها من جنونها .
لكنهم جميعهم بمافيهم كبيرهم احمد بن علوان لم يستطيعوا بما اشتهر عنهم من كرامات ان يحققوا امنيتها ويشفوا بقرتها رغم كل النذور التي نذرتها لهم .
وبعد ان فقدت الثقة بأولياء القرية السبعة وبكراماتهم ذهبت تتخبّطُ هنا وهناك بحثا عن حل وراحت تسأل اهل العلم بالبهائم والدواب عن سر جنون بقرتها سحابة!!
قال لها بعضهم بأن ثمة عمل سحري عُمِل لبقرتها كي لاتُخصب، وانها تحت تأثير السحر صارت تنفرُ من الثيران .
وقال البعض الآخر بانها عيون الحاسدين اصابتها .وثمة من قال بان جِنِّياٌ دخلها، وبأن هذا الجني هو الذي يجعلها تنطح كل من يقترب منها.
وكان ان ذهبت فازعة تستعين بالسادة والاطباء الروحانيين، وبغيرهم من السحرة والمشعوذين العابرين للقرى لفك وابطال السحر عن بقرتها واخراج الجني من راسها.
وراح هؤلاء يعالجون بقرتها بالعزائم، والتمائم ،والتعاويذ . وهي تدفع لهم وترضخ لمطالبهم لكن كل تلك العزائم والتعاويذ والتمائم التي علقتها فازعةفوق رقبة بقرتها لم تشف بقرتها من جنونها، ولم تفلح في اخراج الجني من راسها .
كانت (سحابة )بقرة حمراء ،جميلة، و سمينة ، ملفتة للانتباه كما لو انها بقرة من ابقار السماء. وكان كل من يراها ينظر اليها نظرات مفعمة بالطمع، ويتمنى لو انها بقرته حتى ان فازعةكانت في كثير من المرات ،ومن شدة تألمها على بقرتها ،تفقد صبرها وتقول متهمة اهل القرية وهي تجهش باكية :
- “كلهم حاسدين ومُمَارِعِين مرعوها و عملوا لها سحر و جنَّنُوا بها ربي ينتقم منهم ويجَنّن بهم “
كانت امنيتها ان ترى بقرتها العذراء وقد عقلت وهدأت واخصبت وغدت أُمّاً مرضعةً لكن انّى لها ذلك ،وكيف لأمنيتها تلك ان تتحقق طالما وبقرتها المجنونة تنفرُ من العجول والثيران ولا تسمح لاي ثور اوعجل أن يقترب منها ويقيم علاقة معها!!
وحين نصحها بعضهم ان تذهب ببقرتها الى ثور احمد جابر ردت قائلة بان الشخص المصاب بالجنون يأخذه اهله الى ولي او الى سيد ليشفيه من جنونه وليس الى ثور :
- المجنون يشلموه لاعند ولي يداووه والالاعند سيد مش لاعند ثور
كان لديها يقين بان بقرتها بحاجة قبل كل شيئ الى ولي او الى سيد يشفيها من جنونها ويخرج الجني من راسها ويعيد اليها عقلها حتى تنقاد وتستسلم لثور التلقيح اما وهي مجنونة فيستحيل ان تسمح لاي ثور يقترب منها ناهيك عن السماح له بتلقيحها .
لكن فازعة التي فقدت املها بالاولياء والسادة وراحت تشكك في كراماتهم وفي قدرتهم على شفاء بقرتها فقدت كذلك الامل في قدرة الثيران على تلقيحهاوكانت لاتني تردد:
-موقدّرها الاثوار تقرب من سحابة
قال لها احمد جابر بأن ثوره قادر على تلقيح بقرتها
قالت فازعة :
- اني داري ببقريتي يااحمد جابر سحابة براسها جني موقدره ثورك يقرب منها
قال لها احمد جابر: - ثوري يقدر يخرّج لها الجن والعفاريت
قالت فازعة : والله مايقدر
قال :ولو قدر
قالت له فازعة: لوثورك قدر اطلب اللي بنفسك ويومها ابلغ احمد جابر فازعة بأنه سيزورها بعد صلاة العشاء وسيأتي مصطحبا ثوره.
قالت فازعة وقد توجّست خوفا : - لمو بالليل مش بالنهار يااحمد جابر ؟
قال لها احمد جابر بأنه لوزارها في النهار يخشى على ثوره من ان تصيبه عين !!
وفي تلك الليلة اقبل احمد جابر مصطحبا ثوره وكانت فازعة بانتظاره وعند وصوله فتحت له الباب، وفتحت لثوره باب الاصطبل. ولمارأت (سحابة) ثور احمد جابر يدخل عليها ثارت ثائرتها، وجُنّ جنونها، وراحت تخور خواراً عالياً ،وتستنهض كل قواها ، وتحاول بكل السُّبُل صدّ الثور، ومنعه من الاقتراب منها.لكن الثور الذي كان جنونهُ في خصيتيه. بدا اكثر جنوناً منها وسرعان ماانقض عليها ،وحشرها في زاوية االاصطبل ،وراح يلجها بعنف مواز للعنف الذي ابدته اثناء المقاومة.
وحين رات فازعة بقرتها المجنونة وقد هدأت وسكنت واستسلمت وسلمت امرها لثور احمد جابر شعرت كمالوان صخرة عظيمة انزاحت من على ظهرها، ومعها انزاح همها ولشدة شعورها بجميل مافعله معها احمد جابر راحت تشكره وتقول له وقد ملأ الفرح قلبها: - ذلحين قل لي موانديلك يااحمد جابر؟ وموهو اللي بنفسك ؟
قال لها احمد جابر : - نفسي اتزوجك يافازعة.
قالت فازعة وقد تفاجأت برده واحمرّت خدودها من الخجل : - موذا الخبر حقك يااحمد جابر !!
قال لها احمد جابر : - انت قلتِ اطلب اللي في نفسي يافازعة وانا نفسي اتزوجك
قالت فازعة:منّك صدق يااحمد جابر !!
قال احمدجابر : مني صدق يافازعة
وقالت فازعة بينها وبين نفسها: - احمد جابر ملعون ،وبخيل ،وبه طمع، يقول نفسه بي، وهو نفسه بالبُقْرِي حقي
يحسبني هبلا مانيش داري !
قالت له فازعة وقد قرات مابنفسه : - لكن لي شرط يااحمد جابر..ومثلما قبلت شرطك تقبل شرطي
قال احمد جابر : انا قابل بس قولي لي موهو شرطك ؟
قالت فازعة : تتزوجني على دين الدرويش عبد الحق. حقك لك، وحقي لي، انت ببيتك، ومعك ثورك ،واني ببيتي، ومعي بُقرِيتي. لااني اورثك بعد موتك، ولاانت تورثني بعد موتي.
والعصمة بيدي
وقبل احمد جابر شرطها لكنه من شدة حنقه اراد ان يدخل عليها في تلك اللحظة وهما في الاسطبل .
قالت فازعة معترضة :كيف هذا الخبر حقك يااحمد جابر !!نتزوج من غير قاضي!! ومن غير شهود!! وتدخل علي بالصبل!! موني بقري!!
قال لها احمد جابر :القاضي هو الله و الشهود موجودين واشار الى ثوره والى بقرتها
قالت فازعة : موشقولوا علينا الناس !!
قال لها -وهو يشير الى مايفعله ثوره ببقرتها – : - مودخلنا بالناس انت طلبت مني اتزوجك على دين الدرويش عبد الحق هذا هو دين عبد الحق !! في اليوم التالي شاع الخبر بان ثور احمد جابر لقح بقرة فازعة، وعقّلها، واخرج الجني من راسها، وعالجها من جنونها، وفعل ماعجز الاولياء والسادة عن فعله .وراح الكل يتحدث عن المعجزة التي اجترحها ثور احمد جابر لكن الخبر الذي نزل كالصاعقة على رؤوسهم، واثار عاصفة من الاستنكار. هو خبر زواج فازعة من احمد جابر وراح الكل يستغرب ويستنكر زواجهما بتلك الطريقة .وقالوا بان زواجهما باطل واقرب مايكون الى الزنا منه الى الزواج. وكان اللوم كله ينصبُّ على فازعة ،وراحوا يتساءلون :اي امراة هذه فازعه؟ كيف تتزوج من دون قاض يعقد بها!! ومن دون شهود!! وكيف تسمح لاحمد جابر ان يدخل عليها في اصطبل البقر !! وحين سالوا القاضي شاهر عن مدى صحة زواجهما من الناحية الشرعية قال بانه زواج صحيح لكنه استنكر دخول احمد جابر عليها في الاصطبل و علق قائلا :
- “فازعة مش هي بقره واحمد جابر مش هو ثور حتى يدخل عليها في صبل البقر”
لكن فازعة اعترفت امام نساء القرية بانها حين رات ثوراحمد جابر يلج بقرتها وراتها هادئة مستسلمة عاقلة ومرتاحة زال همها وانزاح كأنه جبل من فوقها ولشدة فرحها شعرت بخفة في جسدها وبمشاعر حب وامتنان نحو احمد جابر وبشهوة عارمة تجتاحها وكان ان فقدت صبرها، وسلمت له امرها ،وتركته يفعل بها مايفعله ثوره ببقرتها.
وحين سالنها عن شعورها حين جامعها احمد جابر في اصطبل البقر !
قالت فازعة وهي تضحك:
- كانت بُقْرِيتي تحت ثور احمد جابر تِعَاين لاعندي.. واني تحت احمد جابر اعاين لاعندها وكان يتخايل لي اني والبقري حقي داخل قصر من قصور الجنة :
لكنها بعد مرور ثلاث سنوات على زواجها منه طلقته
وقالت بأن السبب الذي جعلها تطلقه هو انه لايشبه ثوره
كان لديها أمل بعد ان تزوجت ست مرات بأن احمد جابر سوف يلقحها بنفس الطريقة التي لقح بها ثوره بقرتها
لكنها وقد خاب املها فيه طلقته وتفرغت للنُبُوّة، وللتواصل مع السماء، وبدأ الوحي يتنزّل عليها ،والملائكة تنزل اليها تنقل الوحي وهي معتكفة في سقيفتها.
وكان ان احتدم الخلاف بينها وبين الفقيه سعيد
هو في سقيفته، وهي في سقيفتها، والقرية منقسمة بين السقيفتين .
وكانت تقول بأن الوحي الذي يتنزّل عليها
ينزلُ طرياً وطازجا وساخناً مثلما ينزل الخبز من فوق الطاوة .