- مصطفى ناجي
لا تتركوا أحدا ينال مِن لغتكم العربية. لا تستصغروا أنفسكم ولا تبخسوا ذواتكم. اللغة ذات والتهجم عليها هو تهجم على ذواتكم.
العربية لغة مِن آلاف اللغات ليست أفضلها وليست أدنى منها مكانة. بل أنها لغة أقدم وأثرى وأدق. لغة بالغة مستقلة بذاتها حملت ما ينتجه بها متحدثوها مِن أصول عربية وغير عربية بكل ثقة وتمكن لعشرات القرون. وتمكنت هذه اللغة بفضل أهلها وبفضل اكتمالها وجذورها وابعادها الاجتماعية والجغرافية والدينية مِن مقاومة الاجتياحات اللغوية عبر مغتصبي الاوطان.
لا تحفلوا بمن يشن عليها هجوما لمجرد الهجوم.
هناك دعوات للتحديث والمواكبة والاصلاح. هذه لا تصدر عن العوام. هذا شأن لغوي معرفي وفلسفي اعقد مِن ان يتصدى له مراقهو المعرفة والمستلبون في ذواتهم.
“اللغة العربية عاجزة عن مواكبة نتاج المعرفة الحديث! “
بهذه المقولة الجامدة يريدون طمر لغة امة بل لغة امم.
يقول دي سوسير (ابو علم اللسانيات الحديث) : اللغة/النظام اللغوي واقع اجتماعي.
وهو بهذا يعيد اللغة الى المجتمع
العاقل الذي يحترم رأسه سيقول ان المجتمعات العربية تعيش واقعا متراجعا عن انتاج المعرفة ينعكس في اللغة. هذه فيها نقاش. واحترامه للعقل سيدفعه الى تقديم نقد موضوعي وطرح حلول. وجدت في صفحة الدكتور حبيب سروري فكرة عملية والعلاج بيد المجتمع لا الفرد. بيد المؤسسة وهذه تتطلب ارادة سياسية وجهود عالمة لا طيش ايديولوجي ولا اعتساف للواقع.
ان نعيب على اللغة عدم امتلاكها لكلمة نظير لشيء ابتكر في القرن الحادي والعشرين خارج البلاد العربية وفِي مجال حديث جدا والاسم مبهم غير وظيفي ومجرد اصطلاحي فإننا نستخف بعقول الناس.
ليست العربية عاجزة لان نظامها الصوتي او البنائي عاجز. ولكن لان متحدثوها لا ينتجون ولهذا فالمفردات لا تتولد.
المفردات لا تتولد مِن تلقاء ذاتها. على الاقل في مرحلة نضوج اللغة. بالطبع لا احد يعرف كيف ولدت المفردات. وهذه قضية فلسفية معقدة لا يوجد حسم فيها. هناك اراء واراء مضادة.
يجب ان تستندوا الى وقائع تاريخية لمعرفة حدود العربية. انظروا مثلا الى علم التشريح. وهو مجال تقني واللغة العربية تقدم كل مفردات التشريح اللازمة لما وقع على عين الانسان. وقياس اللغة العربية باللغة اللاتينية نجد تضارعاً موضوعيا فلا العربية افوق ولا اللاتينية ادنى. بل ان اللغات الاوروبية الحديثة ما تزال تستخدم حرفيا مفردات لغة ميتة هي اللغة اللاتينية. اسالوا الاطباء وسيقولون لكم حقيقة تعلم مفردات لاتينية الى جانب لغة تعلم الطب مثلا.
يقول المثل اليمني: كما قد ولِد سيمناه. عندما يأتي المولود سنهبه اسما. وعندما تتوطن المعرفة والانتاج التقني في بلاد العرب سنكتشف عندها مقدرة او عجز العربية.
هناك مآثر معرفية هامة للغة العربية في علوم اللغة عينها. اخذت هذه المآثر وقتا حتى نضجت ادوات انتاج المعرفة وتم اعتماد المقارنة بين اللغات وتلاقحت المعارف بين الفلسفة وعلوم اللغة. بعض النظريات الفلسفية اللغوية الراهنة لهذا جذور بدائية او متقدمة في اقوال علماء اللغة العرب. وهناك مقولات جمالية وتحليلية عربية ما تزال في العربية سباقة. للنظر الى تقنيات التناص بين المحدثين العرب والمختصين الاوروبيين.
في كل عام نسمع ذات الاسطوانة التي تقلل مِن شأن اللغة العربية وتطلب منا كأفراد إما تحديث اللغة بضربة سحرية وهذا غير موضوعي او هجران اللغة العربية والتحول الى اللغة الانجليزية وهذا قول مِن السخف بمكان.
حتى متحدثو اللغة الانجليزية لا يستطيعون الجزم بمستقبل اللغة الانجليزية امام تقلب الامبراطوريات وتبدل القوة.
لولا انهيار امبراطورية روما لما تطورت هذه اللغات الاوروبية ولما نشأت هذه القوميات. اعمار اللغات الاوروبية صغير نسبياً.
وهي كما لغات الدنيا خليط مِن لغات. والعربية تهضم ما يؤتى اليها مِن مفردات وتصهرها في قوالبها الخاصة دون رفض. فكل جديد يصير بين الناس مألوفًا صار منهم.
بل ان العربية ليس فيها حارس للمعبد يرفض هذه المفردة ويقبل تلك. المسألة مفتوحة للتفاعل والتلاقح والتلقي وقدرة التوصيل واستعمال ادوات الاتصال الحديثة.
لماذا كل هذا الجنون والتجني؟
يجن جنون مِن يدعون الخوف على اللغة فيدافعون عينها بالاساطير. ويقابلهم المستغربون (بما تحمل هذه الكلمة مِن دلالات) بحملات غير موضوعية وكلام طائش وتجني وتعسف وهدم لضمائر الناس وذواتهم.
درست الى جانب العربية لغتين. واعرف مِن عيوب هاتين اللغتين الكثير وقد عايشتهما سنوات طويلة تزيد على العشرين. وخلصت الى ان لكل لغة عبقريتها وشخصيتها. ولكل لغة اسلوبها في البناء والتعبير. والعربية جميلة لا يكتشف جمالها الا بالقراءة والاطلاع حب الاكتشاف دون احكام مسبقة ولا سوء نية بل بالتزود بأدوات المعرفة والحس النقدي والمقارنة ان امكن.