- محمد الشرجبي
لم تكن هذه المرة الأولى التي أُقدِم بجدية، سبقتها مرات عدة وستليها بكل تأكيد مرات عدة، لكن هذه المرة ظننتها القاضية، بعد تفكير مضنٍ وحظ تعس وكرب وضيق وهم وقرف، لم تكن الحياة سهلة كما كنت أظنها عندما كنت صغيرًا، لم تكن هكذا بالمرة، لكنني هذه المرة عزمت الأمر ونويت الإنتحار بالمَرة، سأنتحر لأنهي الألم ولأضع حداً للإكتئاب الذي أعيشه منذ قرون، أحب الطيران وبما إنني أحبه اخترت أن أرمِ بنفسي من على أعلى قمة جبلية هنا، سأطير أولًا من ثم سألتطم بالأرض التي وهبت لي الحياة في أول مرة وسأموت هانئاً إذ حققت أمنيًة عصية هذه المرة، ركضت على عجل بينما وساوس الحياة تنقض وتفترس تلابيب صدري، هرعت أكثر أسابقها حتى وصلت، صعدت للقمة بعجالة خوفًا من أرد على أعقابي خائبًا متقهقرًا، عندما وصلت نظرت إلى الأسفل؛ فقررت أن اشتم عبير الحياة للمرة الآخيرة، كانت لحظات شجية حينها، فبدأ شريط الذكريات يعدو أمامي كأطروحة باحث، المدرسة، الجامعة، العمل، خطيبتي، علبة السجائر المنتهية، الجوارب المتسخة، الحذاء المرقع، طبق البيتزا، موسم الحصاد، إذاعة مونت كارلوا، والأوتار المقطعة، والمقطوعة التي لم أنهها بعد، أشياء كثيرة تتزاحم، فجأة اتصل بي سالم يذكرني بموعدِ المساء، وذكرني بطبق الجاتوه والشوكولاتة الساخنة الذي وعدني البارحة بهما، أنهيت الإتصال لأودع الحياة ولأقفز، فجأة تذكرت أن جواربي متسخة وأن عليّ غسلهما قبل المساء فانطلقت.