- محمد الشرجبي
لم أعد مؤمنًا بما يكفي ياصديقي، لكنني مصر على أن أحتفظ بوصايا أمي المؤمنة التي تُلحق جميع الضرر الذي لحق بي وبها مؤخرًا بتركي للصلاة والإستهوان بقضاء الأيام التي أفطرتها عمدًا في رمضان المنصرم، لا يؤلمني هذا بالتحديد فالأيام تمضي أكنت مؤمنًا أو كافرًا، وإن أجد عملًا يحفظ لي ماء وجهي لا يشترط مني إيمانًا أو كفرًا، الحياة قاسية ومتقلبة المزاج ونحن ضعفاء بما فيه الهشاشة.
نعم ما يؤلمني أنني لم أعد أجد ما آواسي نفسي به_ ألم أصبح لا أعترف بإله أو دين! ألم أشتط غضبًا عندما نصحتني أمي بذكر الله في ساعات الضجر_ فإن قرأت لنفسي في ساعات الإحباط والخيبة والسقوط، “وإن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه ثم يرا”، هاجمتني أية أخرى أكثر صرامة، “أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب”، فأشعر بالحنق وعزة النفس، ألم تضعني الأخيرة أمام خيار صعب، ألم يصفعني العقاب، هل ما أنا عليه من تخبط وضياع وخيبات أمل يستحق الخزي والعذاب؟ أتساءل بحرقة فأستجيب للثانية وأترك الأولى خوفًا من الخزي والعذاب فإنني وأمي لم نعد نحتمل أكثر.
و لأترك بعدها مواساة نفسي كليًا ولأذهب إلى الجحيم فأمثالي لم تكتب لهم المواساة، الإنسان ضعيف و هرمونات شكه غلبت هرمونات يقينه فإن وصل للإيمان غلبه إيمانه ليعميه وإن وصل بإيمانه لكفٍر أو إلى لا قرار تحمل نتيجه ذلك بعذاب لا متناه، وبالنسبة لي فقد خسرت بوعيي أثمن ما كنت أتواسى به، خسرت المواساة ياصديقي.
مهزلة، الإنسان مغلوب على أمره، غلبته الأقدار والأديان والأوطان، فقدت القشاشة التي يتمسك بها الضعفاء، فلا قشاشة ولا نجاة، خذها مني ياصديقي لا تفكر أبدًا، فإن لم تكن مقتنعًا بدين أو بآخر فلا تلحد، لا تصبح لا أدريًا أو عدميًا، أنصحك كن مؤمنًا ولو حتى بالإسم وذلك قبل أن تصبح وحيدًا تتخبط مظلومًا دون أن تجد مواسيًا أو كلمات عزاء.
على الأقل بينما كنت أتخبط دون قشاشة أو عزاء أو مواساة وجد المؤمنون ما يواسون به أنفسهم ولو وهمًا، الإنسان ضعيف ياسيدي يقهره أحد التافهين فيموت حنقًا بينما هناك من تغلبه الحياة فيقول “حسبي الله ونعم الوكيل” فيطيب خاطره، نحن لدينا ماذا ياعزيزي؟ المنطق، الفلسفة، علم النفس، إنه مشوار طويل ومضني.
بينما هم يستطيعون بجدارة فعل كل شيء بقول واحد، “استغفر الله العظيم”، بقي الألم يقضمنا في الحين ذاته بالندم وتكبيت الضمير، وبينما هم استطاعوا أن يروضوا كل شيء لصالحهم، بينما كنا فنموت ألف موتة ولا نجد كلمة عزاء فطوبى لنا.
كن مؤمنًا وكفى، لا أقصد أن تكون فيلسوفًا في الإيمان كالسيد قطب أو كابن تيمية أو باز أو كالخميني مثلًا، بل فقط كن مؤمنًا بإيمان جدتي ومعزتها وبصلاتها دون وضوء، فذلك أريح.