- رستم عبدالله
قصة قصيرة
تقاطرن من كل حدبٍ وصوب نحو صالة العرس، التي كانت تصدح بأغاني أفراح صاخبة، لفرقة شعبية مشهورة على مستوى المدينة فقط، كلمات الأغاني عامية ركيكة مبتذلة سطحية لاترقى لأدنى مستويات الشعر الغنائي أو الفن لكنها، مرغوبة و مطلوبة لدى العامة،
عبايات سوداء جديدة و لامعة تختبي تحتها أجساد فاتنات بكامل أبهتها وزينتها تظهر أسفل تلك العبائات. أطراف ثياب ملونة جميلة وزاهية ولامعة لهن الأخضر والأصفر والأحمر والأزرق. عيون نجلاء واسعة غارقة في الكحل والإثمد وأنامل بيضاء وسمراء ناعمة بنقش حناءٍ أحمرَ فاتحَ وخضابٍ أسودَ حالك وطلاءِ أظافر متعددِ الالوان، يستمر سيل النسوة المتبرجات الجرار بالتدفق على صالة الافراح الشاسعة يقبلن راكبات للسيارات الفارهة والمتهالكة وحافلات الركاب وآخريات راجلات، الساعة الآن تشير للخامسة عصرا، ومازالت عزيمتهن واعدادهن لم تفتر و تنقص مذ قرابة الثلاث ساعات بل كلما تأخر الوقت يزداد عددهن.
على باب الصالة تنتصب امراتان حازمتان، بملامح جادة وصارمة على النقيض تماما من تلك النسوة المتانقات،تفتشان النسوة وحقائبهن وما يحملن جيدا ويمنعن دخول الأطفال.
أم حامل بزينة بسيطة وبيدها طفلين تتوسل إليهما أن يسمحان لها بالصعود مع طفليها تلتمس عطفهما تشرح ظرفها، دون جدوى تعود خائبة ومنكسرة مع طفليها، تقبل نساء كبيرات بالعمر أيضا بزينة لا تتناسب وأرذل عمرهن يحملن. نارجيلة التدخين والفحم وعدة التدخين لزوم الكيف وقضاء عرس ممتع يسمح لهن بالدخول.
منظر. الصالة من الداخل خانق، ضاقت الصالة ذرعا بالنسوة لا تجد شبرا تضع به قدميك، مهرجان نسوي بحت ضخم بمعنى الكلمة،تشرع النسوة اول ما يتخطين عتبة الصالة بسلخ العبايات من على اجسادهن اللدنة، وهن على السلالم وفي الممرات ووسط الصالة،كأننا أمام مسلخ كبير، لتظهر الاجساد البضة والرطبة تصهل تحت ملابس مثيرة ومغرية وقلة محتشمة لنساء. جميلات ودميمات ومتوسطات الجمال عازبات ومزوجات وأرامل ومطلقات وعوانس ومسنات، خليط متجانس شهي و عجيب، من كائن المرأة المبهر، رغم ازدحام المكان وامتلائه عن بكرة أبيه وبحاجة تلك الجموع الغفيرة الماسة لمساحات فارغة إلا إنهن لا يفرطن بحلبة الرقص المقدسة. ويعطينها الفراغ المناسب للتباري بالرقص، حيث لا يتوقف الرقص بتاتًا وكل ما تعبت لمة من الرقص يدفعن مزيدا من حطب الفاتنات لتستمر نار الإثارة والنشوة في الإستعار الصخب يعلوا المكان، رغم أن الأيام أيام شتاء قارس والجو بارد لكن اعدادهن المهولة حوّل الصالة لأتونٍ حارٍ ولاهب .. وبدأ العرق يتساطر من أجسادهن ويختلط بالماكيير ويرسم خطوطا سوداء وملونة تتدفق على النحور والصدور، فشلت اجهزة التبريد في كبح تنزيه، كانت المرأة الداخلة للصالة تدخل كليمونة طازجة وتخرج منها(عُشار) ( مصطلح شعبي يطلق ع الليمون عند نقعه بالخل )
كانت قاعة الأعراس غارقة في نشوة وفرحة طافحة تناست معها النسوة أوجاعها و آلامها. واتعابها جراء التدافع والإزدحام والقرفصاء والدخان الخانق المتصاعد من عدد من النارجيلات المنتصبة ولفائف التبغ لبعضهن
يستغرب المرء هناك نساء فقيرات حضرن العرس بكامل زينتهن بملابس فاخرة ولاعجب فقانون الإستعارة للملابس والمجوهرات عُرفٌ جرت عليه العادة في هكذا مناسبات وعن طيبة خاطر بشرط المحافظة وإعادة العارية بوقتها المحدد، بالرغم من جو الفرح البهيج المتجلي والسائد إلا إنك تلمح في صالة الأعراس ملامح حزن وقهر وغبن تشوب وجوه الفتيات العانسات، تتوجع لحالهن يوجعك قلبك، وهن يتطلعن بعيون متحسرة ساهمة وحالمة لمنصة العروسة
لم تكن مناسبة الحضور للعرس في الصالة فقط هي من أجل الفرح فقط
كانت أشبه تماما بالأسواق الأسبوعية التي تقام في بعض مدن اليمن حيث يحج إليها المشترون، و الباعة والمزارعون وأصحاب الماشية وأصحاب الحرف لبيع بضائعهم، كانت الصالة كذلك حيث تجلب الأمهات ايضا بناتهن في كامل زينتهن وتبرجهن وقد فرضْنَ عليهن نظاما صارما مدروسا بعناية ودقة يجمع بين الأدب الجم وتوقير الكببيرات والإحترام مع إبراز أنوثتهن بشكل مدروس بين الإثارة والإحتشام، ويلزمن حسب جدول بذاكرة الأمهات بالمرور وإلقاء التحية والسلام على كل الأمهات اللاتي لديهن أولاد بسن الزواج،
وغالبا ما كانت تتم. اتفاقيات مشاريع خطبة وزواج تحت التجربة والفحص لاتكن قطعية، ولكن غالبها كللت بالنجاح على مر حفلات الأعراس السابقة، كذلك نجحت حفلات الأعراس هذه في إعادة كثير من المياه لمجاريها بين الازواج المتخاصمين، ورد نساء حانقات لأزواجهن، وإصلاح خصومة جيران متخاصمين.
على أن المرحلة الأكثر صعوبة في صالات الافراح هذه كانت كيف تسوق وتروج للمرأة المطلقة والتي حضرت لإعادة التدوير لتحضى بفرصة أخرى ناجحة والعانس التي حضرت العرس أيضا لأجل أن تلحق قطار العمر السريع الذي يتسرب من بين سنوات عمرها
في هذه الحالة لاتعدم الأمهات حيلة يلجئن لمصدرين تسويقين وخطين هجوميين هامين خط الهجوم الأول:-
الخطابات ذات الخبرة والباع الطويل في هذا المضمار
خط الهجوم الرديف:- صديقات الفتاة العانس ليعضدن ويؤزرن
الخطابة التي تحفظ عن ظهر قلب كل الأمهات اللاتي حضرن للتبضع والتسوق زوجات لاولادهن
كان وحش العنوسة الذي يقعر بأعماق كثير من الفتيات شرسا مخيفا رسم كثير من تجاعيده على الوجوه و يبدوا واضحا وجليا على كثير من الشابات. وكان هما ثقيلا يجثم على صدور الامهات، وينهشهن بوحشية، نسبة ضئيلة جدا جدا أفلحن وازهرت السعادة في قلوبهن التي كادت تشيخ، ربما كان عامل السن والحرج الشديد والتلهف والشوق العارم الذي يعربد في نفوسهن و بلغ الحلقوم الممزوج بعزة نفس وخجل، حيث كانت البنت العانس عندما تتقدم لتحية إحدى الامهات التى حددت كهدف تتمنى الارض تنشق وتبلعها. يتقدمن، بقوى خائرة، واليأس رفيقهن، وقد تطايرت وتبخرت الكلمات الدروس التي حشيت بها عقولهن من الأمهات والاخوات والصديقات تذوب أحلامهن وتسيح مع العرق الذي يغرق الصالة
لتبقى أحلامهن. حبيسة ومؤجلة و ليستمرن يترصدين عُرس قادم وحفلة أخرى تبدد مخاوفهن وينفضن غبار الخوف على أمل إقتناص قلب حماة المستقبل.