- عبدالملك الحاج
قبل ان يصحي الفجر ويستيقض الغبش كانت اقدام المغبش على (السلسال) المتبقي من السيل في بطن الوادي تدق ايقاعات فنية فريدة، وكانها ايقاع فني للون غنائي جديد.
كان المغبش يتنفس اثناء سيره على طول امتداد الوادي عبق (القورع) ورائحة الطين في اعماقه ويشتم نسانس النسيم وذلك العرف الفواح من حماحم الحنون ويستنشق تلك الرائحة الزكية التي تتنسنس من شُجيرات (الشُقَيرة) المتناثرة على جانبي الوادي.
انه يسري قُبيل الفجر باتجاه (زيق والمدرجة) عبر الطريق السري للجمالة التي تصل الى كرش بعيدا عن اعين المترصدين وعسس الحدود.
مع شروق شمس ذلك اليوم كان المغبش قد وصل الى استراحة عبده جازم في كرش، فقد رحب به وقدم له الفطور مع كوب من الشاهي.
اثناء تناول المغبش (للقُراع) وصل احد الاطقم التابعة لاستخبارات ليلقي القبض عليه ويتم ايقافه في المركز لاجراء التحقيق الاولي معه وبعدها سيتم ترحيله الى مكان اخر.
عبده جازم يبعث احد صبيانه للبحث عن (كعويش) قائد المليشيات الشعبية بالحدود ويتم ابلاغه عن اعتقال المغبش.
يتدخل كعويش في الوقت المناسب ويقوم باطلاق صراح المغبش ويعيده الى استراحة عبده جازم كي ينتظره هناك حتى يفرغ من عمله، انه مكلف في مهمة رسمية مع اللجنة العسكرية على الحدود.
عاد كعويش في المساء واخذ المغبش الى احدى التباب المرتفعة التي تطل على الشريجة.
كعويش:
ايش رايك يا رفيق نسمر هنا.
المغبش:
منه رفيق انا المغبش مو بك تخبط.
كعويش:
انت رفيق النضال، لقد وصلتنا اخبار اعتقالك من قبل المرتزقة.
المغبش:
بيني وبينك حنبنا بانفسنا، ان جلسنا عندهم قفشونا وان اجينا جنابكم زقرتمونا، قده مكتوب علينا بالشتات مو نعمل.
كعويش:
الرفاق اشتبهوبك، هذي الايام مدبوش عندنا والتحركات مرصودة، انت يا رفيق مناضل من ينكرك.
المغبش:
يا صاحبي نحن لو نعمل ما عملنا شنجلس هم اذمك هم، زلجو اعمارنا ونحن نناضل وما معاناش من شبر بالوطن.
يضحك كعويش ثم يقول للمغبش:
لا يا رفيق الوطن يتسع للجميع، كيف منتش داري، عندنا صدرت قرارات عُليا بالحبس لكل من ينطق بكلمة خادم والان نحن مدموجين بالمجتمع.
المغبش:
الا سمعتوا لكن قلنا هو الا خبر روادي.
كعويش:
لا حقيقة انا قدامك ازايطه مزايطة، ضابط وقايد مليشيا وغيري كثير معانا بالجيش ضباط وعساكر، ومدرسة النجمة الحمراء وسطها بنينا وبني الاحجور البدو الرحل يتعلموا، ومعانا يدرسوا بكل الدول الاشتراكية ببلغاريا وكوبا وروسيا، ومعانا بيوت وحقوقنا مصانة ونشتغل بكل دوائر الحكومه.
المغبش:
ما عندنا مكاننا على مهرتنا الاوله ولا احد ينافسنا عليها، المرفع والدف والمزمار، والا شغالين عند القبايل باللقمة، ما معاناش من شريخ ولا حتى من قطوان.
كعويش:
المساواة والعدالة من اجل ان تتحقق تحتاج الى نضال وتضحية، يجب التخلص اولا من هذه القوى الاقطاعية والرجعية المتخلفة عملاء الامبريالية، لا يجب ان نبقى كما نحن مهمشين ولا نظل رثة البلورتاريا كما يصنفوننا، يجب ان نتحول الى قوى بلورتارية منتجة ولن يحدث هذا الا اذا تعلمنا والتحقنا عبر صفوف محو الامية ودرسنا اولادنا وبناتنا.. بالتعليم والسلوك الحضاري نستطيع ان نحقق الاندماج الكامل بالمجتمع.
المغبش:
افدوك انا وَ كعويش لا ترطنش والله ولا فهمت منك خبارة.
كعويش:
يجب ان تفهم وتعرف كل ما يدور حولك.
المغبش:
مو اللي نفهمه يا صحابي نحن اصحاب المناطق الحدودية طول حياتنا مجعجعين طالع ونازل.
كعويش:
كيف يا مغبش.
المغبش:
اصحاب مطلع يقولوا لنا شوعيين وملحدين، واصحاب منزل تقولوا لنا امبرياليين ومرتزقة ورجعيين، اين عاد نسير؟!!
مامعاناش حل الا جيبوتي او الحبشة من شان يربخوا مننا الجهتين والا نعمل لنا حكومة لوحدنا واستقلينا.
كعويش:
انتم اصلا اصحاب المناطق هذه بلا موقف، اما تبعيين والا مذبذبين.
المغبش:
لا مش كلهم يا صاحبي.
كعويش:
انا معك هناك الكثير من الذين تعلموا وكان لهم ادوار نضالية وتنويرية وكانوا دعاة للعدالة والمساواة، انهم قدموا من هذه المناطق محد يقدر ينكر هذا.
يعود المغبش الى الاستراحه ويذهب كويش الى الموقع العسكري، وفي اليوم الثاني يجلس عبده جازم مستمتعا بجلسة بالمقيل مع المغبش باسترحة المطعم في كرش، انه يشعر بان للقات طعم ومذاق مميز مع حديث المغبش الشيق فقد انساه موعد العجن الذي يقوم بتجهيزه عصرا ليخبزه مساءاً لزبائنه الوافدين، فيتدخل (الركضة) ذلك الفتى الصغير الذي يعمل في المطعم ليذكر عبده جازم بالموعد..
الركضة:
عم عبده ما شتعجنش.
عبده جازم:
مش وقته خلينا اطعم ورقي.
الركضة:
عم عبده اعجن بدالك.
عبده جازم:
اعجن.
الركضة:
يا عم عبده زاد الماء.
عبده جازم:
زيده طحين.
الركضة:
عم عبده زاد الطحين.
عبده جازم:
زيده ماء.
يتدخل المغبش قائلا:
قوم عاين الابن مو يعمل، شرجع يخلط ويملطط.
عبده جازم:
خلوه يتعلم.
اقترب المساء لينهض عبده جازم من مقيله ليخبز العجين ولم يجد امامه سوى اثنين دسوت كبار (مُرَوّب) بهما شوال دقيق ونصف تانكي ماء.
ضحك المغبش بصوت عالى ثم قال:
اهااااااا زاد الماء على الطحين، مكنتمونا زيط ميط” لما رجعه العجنة “مطيط.. هيا اعجن ثاني واا عبده.