- كتب: محمد ناجي أحمد
تناقضات الجبهة القومية من منظور المؤلف:
يستند المؤلف إلى مسودة تقارير كتبها (دميتري زغيرسكي)مراسل وكالة الأنباء “تاس” السوفيتية في عدن، أرسلها إلى المكتب الرئيسي في موسكو-أن الشيوعيين في عدن يعتقدون بأن الرئيس قحطان الشعبي ينوي بناء الاشتراكية على النمط المصري، وليس على النمط السوفيتي، في حين أن القوى اليمينية يعتبرونه يساريا متطرفا. ويعتقد الشيوعيون بأن قحطان الشعبي يتزعم الجناح اليميني في الجبهة القومية.
وفقا لتقارير (دميتري زغيرسكي ) فإن الجبهة القومية فيها جناح يميني يتزعمه قحطان الشعبي وجناح يساري متطرف، في حين يرى الشيوعيون أنفسهم (أي جماعة عبد الله باذيب) أنهم في الموقف المعتدل…
كان موقف اليسار المتطرف في الجبهة القومية بحسب هذه التقارير شديدة التهور خلال المؤتمر الرابع للجبهة القومية. وكان وزير الدفاع علي سالم البيض من مجموعة المتطرفين اليساريين “حيث طالبوا بالانتقال الفوري إلى الأساليب الثورية في كافة الاتجاهات، كما طالبوا بتنفيذ القرارات الحازمة ومصادرة أراضي “البرجوازية الزراعية” وتأميم كل شيء في البلاد… وكانت نتائج المؤتمر كما انعكست في الوثائق تشير إلى انتصار التيار الشيوعي، وما كان من الرئيس إلاَّ أن خضع لرأي الأغلبية”ص211.
الملفت للنظر أن حضرموت كانت تمثل أقصى اليسار فيما يتعلق بالمسألة الاجتماعية، في منظورهم لاجتثاث ما أسموه بالبرجوازية الزراعية.
يتناول المؤلف في كتابه هذا ومن خلال التقارير ما ذُكر عن عبد الفتاح إسماعيل عامي 1968-1969م، ففي المؤتمر العام الرابع للجبهة القومية كان عبد الفتاح إسماعيل وزير الثقافة والإرشاد وشئون الوحدة، وسنه آنذاك 25عاما. وهو ليس شيوعيا بل يساريا. وقد عرض عليه في السابق منصب رئيس الوزراء لكنه رفض.
وفقا لمراسل وكالة (تاس)فعبد الفتاح إسماعيل كان في تلك المرحلة” سياسي سيء وبدون خبرة إلاَّ انه يستمع وينفذ نصائح السكرتير العام لاتحاد الشعب الديمقراطي(عبد الله باذيب).”
بحسب تقارير مراسل (تاس) فإن ضعف الخبرة والحكمة السياسية لدى عبد الفتاح إسماعيل كثير ما تكشف عن نفسها. حتى عندما كان في السجن بسبب حركة مجموعة من الجيش في مارس 1968م فقد كان عبد الفتاح “يصرخ من خلف القضبان مخاطبا الجنود :”يا عمال العالم اتحدوا”، “لينين يُعلمنا، بأن الجيش…” وهو الآن يطالب بإصرار لإقالته من منصبه ليتفرغ للعمل الحزبي في الجبهة القومية”ص212.
إذا كان الشيوعيون يستطيعون التأثير على عبد الفتاح فإن تأثيرهم على علي سالم البيض كان صعبا حينها، ومع ذلك فتوصيف الشيوعيين لعلي سالم البيض بأنه رجل جيد، رغم مبالغاته اليسارية.
وينقل مراسل وكالة(تاس) زغيرسكي عن عبد الله باذيب قوله بأن الغالبية العظمى من الشباب في حضرموت من اليساريين بشكل عام والمتطرفين. ويقوم اتحاد الشعب الديمقراطي بتربيتهم مستنيرا بهدي اللينينية. وأشار أيضا: “سيكونون جميعا معنا”.
ومن توضيحات عبد الله باذيب عن الجنود في الشطر الجنوبي أنهم أكثر استقلالية، فليس لديهم رمزا وقائدا مثل جمال عبد الناصر، فهم يذكرنه بالأطفال لسهولة تربيتهم.
في اليمن الجنوبي عامي 1968-1969 لا وجود لزعماء لديهم الولاء المطلق في الجيش. فقائد القوات المسلحة العميد عشال لا يمثل نموذجا جيدا في أعين الجنود، والإحساس بالولاء للرئيس قحطان لازال ضعيفا، وهيبة وزير الدفاع علي سالم الب يض أكثر هيبة منهم.ص213.
طالب ممثلو الجناح اليساري في الجبهة القومية في 14مايو 1968من الرئيس قحطان الشعبي طرد كل من له علاقة بأحداث 20مارس 1968 من جميع أجهزة الدولة، وكان من عداد المطالبين الذين اجتمعوا في مدينة جعار : علي ناصر محمد، محمد صالح اليافعي(مطيع) عوض الحامد، وعبد العزيز عبد الولي وغيرهم.ص214.
يذكر المؤلف في كتابه هذا أنه في مايو 1968 بدأت تظهر منشورات من مجموعات تنظيمية مختلفة، ومن ذلك النشرة الصادرة عن المجموعة السرية “لمنظمة الوطنيين الحقيقيين” والتي دعت إلى إنهاء عربدة الشيوعيين في السلطة والبلاد، والإعلان عن إضراب عام. أما نشرة “اتحاد الطلاب” فقد دعت الطلبة إلى مقاطعة الدراسة في 9مايو 1968، احتجاجا على اعتقال ستة طلاب. وقاموا بتوزيع منشور بعنوان “العنف الثوري” مشحون بالجمل المتطرفة، مثل ” سنجعل من جماجم البرجوازيين منافل للسجائر، ومن عظامهم سمادا”.
ومن لقاء الوفد السوفيتي بينهم المؤلف كمترجم مع الوفد- مع عبد الفتاح إسماعيل الأمين العام للجبهة القومية، كان ذلك بعد إقالة قحطان الشعبي، ومقتل فيصل عبد اللطيف الشعبي- أكد عبد الفتاح على أهمية زيارة الوفد السوفيتي، وموضحا لهم بأنهم في الجبهة القومية قاموا بحركة تصحيحية، تحررنا من القيادة البرجوازية، التي عرقلت مسيرة التطور في البلاد، وأنهم في قيادة الجبهة القومية مع وحدة كافة القوى المؤمنة بالثورة، وأنهم قاموا بتطهير الجيش من العناصر البرجوازية. وعن نيتهم كقيادة لتنظيف صفوف الجبهة القومية أيضا.
وتحدث عن الأساس الطبقي للجبهة القومية بأنه الطبقة العاملة والفلاحين والفقراء والجنود والبرجوازية الصغيرة التي وجدت مصلحتها في الثورة الوطنية، وعن البناء الاشتراكي، والوحدة اليمنية على أسس ديمقراطية، وعن وضرورة التعرف على تجارب الصين الشعبية والاتحاد السوفيتي في البناء الحزبي.
أما عن لقاء الوفد السوفيتي مع الرئيس سالم ربيع علي(سالمين) في عام 1969 فالمؤلف يصف سالمين بأنه يظهر أكبر سنا من عبد الفتاح إسماعيل، نحيفا، ممدود القامة، متحفظا بعض الشيء. أي أن سالمين تعامل مع وفد الاتحاد السوفيتي بتحفظ واستقلالية، وقد كان انطباع الوفد عن سالمين أنه فظ ويريد الاتحاد السوفيتي أن يساعدوا بلده في معالجة التحديات الداخلية والمخاطر الخارجية.