- محمود ياسين
صوتي كأنه أنا الوحيد الشارد في أزقة لا اعرفها وفي ليل لايربطني به غير حنين مبهم لعينين واسعتين وعشاء وهمسة : لا عليك ، سيكون كل شيئ كما تحب
أذكرك والليالي ،
لا أدري ، اليمن والا انتي
كأنني مقامر ملقى على باب حانة وقد نسي طريق البيت ولم يعد لديه غير نغمة تبحث عن صوت : اذكرك والليالي .
أنا المتأنق بالعدم والخسارات ، الذاهل تحت يافطات وأضواء خافتة في بلدات العالم ، الذهاني وهو يضيع مراهنا في أعمق خلجات روحه على تنبه امرأة تبحث عنه في الأرجاء ، أو وطن يمد يده وينتشله من التيه .
أنا الماكث على كل مقاعد انتظار مطارات العالم ، اليمني بلا ختم على جواز السفر ولا خريطة للجهات .
متكوم على كرسي طويل في محطة قطار بلندن ، متسائل عن رقم غرفته بفندق في الرياض ، موارب يتحاشى الشرطة الفرنسية في مونت كارلو، طالب سرق مارم عشائه في ليل القاهرة ، مريض يبحث عن متبرع مجاني ينقذه من فشله الكلوي في موباي، ساهم أمام تحديقات الإف بي آي يفكر في الطريقة الأمثل لخوض الأطلنطي رجوعا لبلد يحتضر أمام المحققين في جرائم الإرهاب .
أنا اليمني منزوعا من حبيبته ومن الطين ومن الكبرياء المتبقية للرجال الشرفاء .
أنا اليمني تحت القصف وفي الزنزانة وأمام صندوق الإعانة وتحت راية وكالة الغوث .
أنا اليمني متماوجا بالأحمر والأبيض والأسود يبحث عن طيف طيب القلب وعن قوس قزح يتماهى به ويخلع كل هذا العناء .
أنا اليمني أذنين طويلتين من فرط مذلات الكفيل ويدين شاردتين في حواجز التفتيش وياقة بالية نسيتها الأمم المتحدة
أنا الشريد والطريد والإرهابي وعاثر الحظ والمتخلف في أوروبا والفقير جنوب النفط ، أنا اليمني المرهق حد الذهان والهذيان ، يود فقط لو يدري هذا العالم كم أنه قد تعب وبوده لو ينام .
أنا اليمني حشرجة في حلق نبيين ، يرفع أحدهما يديه نحو السماء : اللهم اشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي ، ويكور المصلوب قبضته نحو السماء صارخا: الهي لماذا تخليت عني ؟
أنا اليمني زمن القذارة الدولية وصفقات الدم والتسليح والنسيان ، اطوي جريدتي المسائية وقد تصدرها مانشيت : اليمن يغرق في موجة عنف جديدة ، وأتكوم على مقعد مهترئ في محطة نسيتها القطارات .
أنا اليمني متشبثا بناموسه في حقبة عهر العالم .
في مكان ما ، لا خريطة ولا تذكرة سفر ، لا فيزا كارد ولا رقم في القائمة
مثل رجل كان له عنوان ومثل امرأة مات في أحشائها حلم .