- كتب: محمد ناجي أحمد
الكتاب سيكون جاهزا بي دي إف مع يناير 2021م.
توطئة:
“جدل الواقع وصدى الأمكنة – مقالات نقدية في السياسية والحكاية”؛ هو العنوان الذي اخترته لكتابي هذا، ليتضمن المقالات البحثية والقراءات النقدية التي نشرتها في الصحافة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، طيلة عام 2020، متناولاً فيها العديد من الكتب السياسية والتاريخية والسردية، والقضايا المتعلقة باليمن والمنطقة العربية، والتحديات المحيطة بها.
وهو استمرار في النهج ومواصلة الاهتمام المعرفي الذي سارت عليه كتبي التي طبعتها طيلة العقدين الماضيين، ابتداء من كتاب “نقد الفكر الأبوي” الذي صدر عام 2003، ونشرت مقالاته طيلة 1999-2002، ووصولاً إلى كتاب “مكاشفات ومقاربات” الذي طبع عام 2020.
ما قبل العقدين كانت كتاباتي طيلة عقد التسعينيات ذات اهتمامات سياسية يومية وقصص صحفية ونقد وخواطر أدبية.
هذا الكتاب “جدل الواقع وصدى الأمكنة”، كنت فيه أواصل جدلي المعرفي مع العديد من الكتب، مراجعة، مقارنة، وتحليلاً، وتصويباً، واشتباكاً… الخ. وفي كل ذلك كنت أستكمل حكايتي مع تاريخ الفكر السياسي في اليمن، سواء من خلال استعراضي للعديد من كتب التاريخ والمذكرات أو المواقف السياسية للأحزاب اليمنية، أو من خلال السرد اليمني، أي تاريخ الوطنية اليمنية كما يتجلى في المتخيل السردي، روائياً وقصصياً.
إن الثبات النسبي للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في اليمن، وطبيعة التحديات في المنطقة العربية، تجعل الاشتغالات المعرفية غير مفارقة لركود هذا الواقع، ومستمرة بتفكيك تحيزاته، وتسليط الضوء على طبيعة قواه ومسارها، وهو ما أراه اشتغالاً ذا سمة ثورية، القفز عليه ليس سوى هروب رجعي، ولو باختلاق قضايا غير مرتبطة بواقعنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وطنياً وعربياً.
تناول الروائي علي المقري في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ثبات المقولات الفكرية لدى أدونيس طيلة العقود الماضية، لكنه أحال علة هذا الثبات على المبدع والمفكر “أدونيس”، لكن الشاعر والكاتب أحمد السلامي، في رد ضمني لما تطرق إليه “المقري”، أحال هذا الثبات في المقولات والقضايا الفكرية لعواملها الاجتماعية والسياسية التي لم تتزحزح نحو الأمام.
بل نراها من وجهة نظري تتراجع عن مكتسبات اجتماعية وسياسية أنجزتها الحركة الوطنية، ومع تشظي الدولة القطرية إلى تكوينات ما قبل وطنية، يصبح القفز عليها إلى الأمام تكريساً لواقع التطييف الذي نعيشه، ولو باسم الحداثة وما بعدها!
فالرجعية ليست فقط أن تعمل على استدامة قوى الهيمنة فحسب، لكن الهروب من التحديات الفعلية، من خلال الاشتغال على قضايا قد تكون ترفية، حين نتجاهل هذا الواقع، ونبحث عن قضايا ثانوية، هي نتاج لهذا الواقع الاجتماعي والسياسي، فيتم تضخيمها من قِبَل بعض الكتاب، في تزييف لجوهر الصراع في اليمن.
في تناولي لكتاب “حركة القوميين العرب…”، توقفت متأنياً وناقداً لمقدار التحيزات التحليلية والمعلومات المغلوطة التي وقع فيها الباحث أثناء دراسته لحركة القوميين العرب، ودورها في الثورة اليمنية، وهي تحيزات وأغاليط تعكس قدراً من المواقف السلبية تجاه شخصيات تلك المرحلة، إما تضخيماً للمدح أو ازدراء وشيطنة لبعضها!
وفي مقالتي “5 وجهات وسياسي واحد”، استعرضت بالتحليل والنقد كتاب “5 رسائل سياسية…”. وفي هذه الرسائل التي استخدمها المؤلف “محمد محمد المقالح”، أسلوب ذاتي لاستعراض ومناقشة القضايا والصراع السياسي في اليمن خلال العقود الثلاثة الأخيرة، متخذاً من رسائله إلى حسين بدر الدين الحوثي، وجار الله عمر، وفيصل بن شملان، والرئيس علي عبدالله صالح، وأمانة الحزب الاشتراكي، مدخلاً لتقديم تصوراته السياسية، سواء في رؤيته لطبيعة الأزمة السياسية وأطرافها، أو في توصيفه وتحليله لبنية السلطة المكونة من رؤوس الثعابين.
ومع كتاب “توحيد اليمن القديم…” للدكتور محمد عبدالقادر بافقيه، قدمت تصوراً واقعياً لتكوين اليمن تاريخياً، وأنه لم يكن خارج مسار نشوء معظم الدول “لقد نشأت معظم الدول السياسية بواسطة ثورة أو غزو أو احتلال أو اغتصاب أو (مثل حالة الولايات المتحدة) إبادة. الدول الناجحة هي التي تمكنت من مسح هذا التاريخ الدامي من عقول مواطنيها”.
في “رسائل مطيع دماج” قرأت قيم الثورة والانتماء في سيرورتها التي هي جزء من سيرورة التاريخ السياسي لليمن منذ أربعينيات القرن العشرين، وإلى وفاة مطيع دماج بداية عقد السبعينيات من القرن العشرين.
وطفت بمذكرات أحمد منصور أبو أصبع “تعايشي مع الحركة الوطنية”، في رحلته مع ذاكرته طيلة 1955-1963، علماً أن لدى المؤلف جزءاً من ذكرياته لم تطبع حتى الآن، مازالت حبيسة أدراج أبنائه، وقد بذلت جهداً للحصول على نسخة منها كي أضمها في قراءاتي النقدية المنشورة في كتابي هذا، فتم التسويف، ومازلت بالانتظار!
ومع كتاب “حقيقة الثورة وأسرارها” للعقيد “عبدالقادر الخطري”، سلطت الضوء على ما هو حقيقي منها وما هو متخيل أو متوهم أو مغلوط.
في هذا الكتاب “جدل الواقع وصدى الأمكنة” كان طوافي مع حسن العمري وموقفه من العدوان السعودي على الوديعة عام 1969، ومع حرب 1972 بين شطري الوطن.
ووقفات نقدية وبحثية مع كتاب “حركة 13 يونيو التصحيحية”، ومع البيان سيئ الصيت الذي كتب عقب اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي وأخيه عبدالله الحمدي. وعن حركة 15 أكتوبر 1978، والناصرية وإعادة فهمها من خلال التوقف عند تعريفها، عن التأسيس ومزاعم التجديد، وعن الاختراق الأمني لبنيتهم التنظيمية… الخ.
ومقالات بحثية تتعلق بالعلاقة بين التنظيم الناصري في اليمن والرئيس إبراهيم الحمدي، والمؤتمرات العامة للتنظيم الناصري، وصولاً إلى حركة الانشقاق التي قام بها عبده محمد الجندي في 1982/1983، والتي سماها “حركة الإنقاذ”، ثم بعد الوحدة اليمنية عام 1990، ومع عدم الوصول إلى توحيد الناصريين في المؤتمر التوحيدي الذي عقد في عدن عام 1990، انتهى الأمر بثلاثة تنظيمات تحت لافتة الناصرية، هي “التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري”، وأمينه العام عبدالغني ثابت، و”الحزب الديمقراطي الناصري”، وأمينه العام عبده محمد الجندي، و”تنظيم التصحيح الناصري”، بقيادة مجاهد القهالي. إضافة إلى أحزاب ناصرية أخرى ليس لها من قوام الحزبية سوى الشخص المؤسس لها، مثل “الطلائع الوحدوية” الذي أعلن عنه عبدالحميد سلطان، والحزب الناصري الإسلامي أعلن عنه قائد عبدالله نعمان المفلحي، وحزب آخر أعلن عنه نائف علي أمير، وقد عادت جميعها إلى التنظيم الوحدوي الناصري، باستثناء عبدالحميد سلطان فقد انضم لحزب التصحيح الذي يقوده مجاهد القهالي.
عن الحزب الاشتراكي ومساره، هل مازال الحزب حياً أم أنه ولد ميتاً؟ هل هو تعبير عن قوة شعبية ممكنة في الحاضر، وفعل في المستقبل، أم تناقضات في الماضي وحنينية تسقط الحاضر في هوة الماضي المتخيل، والمعاد نمذجته وفق رغباتنا؟ عن “وفاة سلطان أحمد عمر “فارس”، وعجز الحزب ومكايدة صالح”، والمرأة والدين والاغتراب في فكر ماركس، وعن أزمة التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمين في اليمن) البنيوية والتنظيمية، والقفز عن المراجعات بإدانة الماضي دون التوقف عند دورهم داخل ذلك الماضي، القفز من “حاكمية” سيد قطب إلى علمانية “أردوغان”، واعتبار كل من “الحاكمية” و”العلمانية” توأمان متكاملان، أي من خلال جمع تلفيقي للتنافر، وتخييطه بمخرز المنفعة والانتهازية الحركية لجماعة الإخوان المسلمين، التي تنطلق من مبدأ المهادنة والمهاودة وصولاً إلى التمكين!
هذا التجميع بين المتنافرات نجده سائداً كمنهج في الطريق! فإذا كان محمد مهدي عاكف المرشد العام الاسبق لحركة الإخوان المسلمين، قال : “طز في مصر”، فإن محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، وأثناء اعتصامهم في “رابعة”، تحدث عن الشرعية باعتبارها ليست نصاً، وإنما شرعية وإرادة الشعب.
فكر الجماعة ومواقفها لا يختزل بشخص، ولا يتجمد في مرحلة، وإنما بسيرورة الحركة. لكن الإشكال هو أن الإخوان المسلمين يعتبرون مقولة محمد مهدي عاكف صائبة في وقتها، وما قاله محمد بديع صحيح في ظرفه وموقفه!
وهم في اليمن يرون الزنداني وعبدالله أحمد علي والحزمي على صواب في ما يطرحون، ويرون توكل كرمان وشوقي القاضي وألفت الدبعي في الموقف النافع.
الإشكال بنيوي يكمن في تعاملهم مع الأحداث والرؤى والمواقف من منطلق ما ينفع الجماعة، لا من مواقف مبدئية ومراجعات فكرية واستشراف لمستقبل ينهض بالوطن والشعب.
الإشكال يكمن في أن الجماعة تُختزل بالمرشد وما يراه، والشعب يختزل بالجماعة!
هذا في ما يتعلق بسيولة المواقف السياسية وتحولاتها، أما ما يتعلق برؤيتهم الاقتصادية فهم رأسماليون ولو من بوابة “المرابحة”، واحتكاريون ولو من بوابة “المضاربة”، وفي أرباحهم التجارية يزول الخط الفاصل بين السرقة والقيمة الفعلية للسلعة، وفي رؤيتهم الاجتماعية فالتفاوت بين الطبقات الاجتماعية خلق من الله، وإطفاء ما يترتب على هذا التفاوت الاجتماعي والاقتصادي من حسد وضغينة، يكون بالشفقة والإحسان!
كل خطوة نحو المراجعات الجذرية ما لم تكن سياسية واجتماعية واقتصادية، فإنها في محصلتها لن تكون سوى انتهازية سياسية في طريق التمكين، ومن ذلك حديث بعضهم عن “علمانية الدولة وتَدَين الأمة”.
توقفت في هذا الكتاب عند اليمين الشعبوي في الولايات المتحدة، من خلال شذراتي النقدية عن كتاب “من نحن…” لصامويل هنتنجتون، قارئاً لجذر الصراع الثقافي باعتبارها تعبيراً عن أزمة هوية في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي يأتي تصورهم للعدو والحرب عاملاً جوهرياً في تلمس كينونة الـ”نحن” الأمريكية.
عن التطبيع مع الكيان الصهيوني وعن تركيا ورغباتها في اليمن ونفيرها في ليبيا، عن إيران والولايات المتحدة وحرب التجاور والإقصاء…
في هذا الكتاب كان لي وقفة عند مفهوم “الهوية الإيمانية”، بما هي مسنودة وقائمة على فكرة “الولاية”، وعلاقتها الإحلالية بـ”الوطنية اليمنية”، الوطنية اليمنية كأصل في تكوين اليمن الجمهوري، وتعبير عن الإرادة العامة، بما هي روح عامة في التاريخ المعاصر لليمن، وتناولات لأوهام الطائفية بأقنعتها المتعددة، الخ.
وكان لي مع السرد قراءات نقدية، في سياق علاقة هذا السرد بالوطنية اليمنية وواقعها الاجتماعي والسياسي والتاريخي، حين تحكى روائياً أو قصصياً، سواء مع رواية “أرض المؤامرات السعيدة” لوجدي الأهدل، أو رواية “جوهرة التعكر” لـ”همدن دماج”، أو من خلال مجموعات قصصية يتجلى فيها الموقف الاجتماعي بمفارقاته الرؤيوية كما هو الحال مع مجموعة “أحذية ورمال” لـ”مروان الشريف”، أو رياح الرغبات في “قصاصات قصيرة جداً” للقاص محمد الشميري.
وفي آخر الكتاب “ومضات” و”بوح ووجع” من سيرة ذاتية لم تكتب بعد، ارتأيت إلحاقها وطبعها في هذا الكتاب.
طيلة العقد الأخير كانت كتبي تصدر شاملة اهتماماتها الموسوعية المختلفة، وتطبع في كتاب بحسب السنة التي أُنتجت فيها، لا بحسب وحدة موضوعاتها البحثية، وكان يفترض أن أعمل على ضم الكتابات المتعلقة بالمذكرات السياسية، لتكون في طبعة ثانية مزيدة ومنقحة لكتابي الذي صدر عام 2012، بعنوان “المذكرات السياسية في اليمن”، وأن أضم ما كتبته في العقد الأخير بما يتعلق بالهويات الطاردة والمتخيلة، لتضاف في طبعة ثانية مزيدة ومنقحة لكتابي “الهويات الطاردة”، الصادر عام 2010، وكذلك بما يتعلق بالقراءات النقدية للسرد اليمني بأن تضم جميعها في كتاب مستقل، وأن تكون كتاباتي عن الأحزاب والشخصيات السياسية في كتاب مستقل، وأن تكون مقالاتي البحثية في التاريخ السياسي اليمني طيلة 5قرون هي زمن نشأة هذا العقل وتطوره، أن تكون في كتاب مستقل، وأن تكون الكتابات المتعلقة بالتطبيع والكيان الصهيوني ضمن طبعة ثانية مزيدة ومنقحة لكتابي “العروبة… تحديات الوجود والحدود”، وأن تطبع التأملات والومضات في كتاب مستقل، والدراسات النقدية للسرد والشعر في كتاب، ومقالاتي التي نشرتها عن أحداث 11 فبراير، وطبعت في آخر كتاب المذكرات السياسية في اليمن، يفترض أن أطبعها في كتاب مستقل، مضيفاً لها كل ما كتبته طيلة السنوات العشر الأخيرة عن تلك الأحداث، الخ. لكن كل ذلك يحتاج إلى المال، ولأن القدرة المالية وأزمات المعيشة تحاصرنا، فقد اخترت طريق توثيق ما أكتبه من مقالات بحثية طيلة كل عام، وأطبعها في كتاب، على أمل أن تتسهل القدرات المالية مستقبلاً، أو أجد من يقوم بطباعة كتبي وفقاً لموضوعاتها، بعد أن طبعتها وفقاً لتزامنها.