- ضياف البراق
يباغتني هذا السؤال المُبتذَل في مجالس كثيرة: أأنت اشتراكي؟ بل ويتكرر كل يوم بِصِيَغ مختلفة وربما مريضة ومقرفة أيضًا.
وهو، غالبًا، وعلى الأرجح، سؤال ساخر يقذفني به الصغير والكبير، الميت والحي، الطالع من هنا والنازل من هناك. غير أنني لا أبالي عادةً بالشامتين.
ويكون ردي عليهم مختلفًا في كل مرة، لأنّ الإزعاج ينهكني كثيرًا. إنّ الأسئلة السخيفة تُفسِد عليَّ روعةَ مزاجي.
“من يُصنّفك يقتلك” هكذا يقول الشاعر اللبناني العميق أُنسي الحاج. وحتى ذلك الشخص الذي يصعب تصنيفه، فإنه لا يسلم من ظنون العابثين وهجماتهم.
وفي المجتمع المُغلَق والرجعي، يُعامَل الفكر المُختلِف بطريقة لا إنسانية، ويُنظَر إلى صاحبه بارتياب شديد. فكل ما هو فريد أو يتعارض مع المألوف، يُهان على الدوام، يُقمع من تحت ومن فوق، حتى يُنفى إلى بعيد، أو يخضع لشروط القامعين ويصبح تابعًا لهم. القديم يرفض الجديد، بشكل أو بآخر، بخنجر أو برصاصة. نعم، الشجرة المثمرة، وبخاصة عندنا، تُرمى بالحجارة أو تُجتَث دفعة واحدة. وذو الشخصية المتميزة يُحارب بكثرة. الحُرّ لا يسلم من أذى فاقدي الحرية. وزمان قال أفلاطون: “الفيلسوف سيظل دائمًا وأبدًا موضع الضحك من أغلب الناس”. وهذا مثال بسيط وحقيقي على أن العقل الحر مرفوض ومنبوذ دائمًا من جانب المعاقين ذهنيًا ونفسيًا. أغلب الناس يرفضون الحقيقة ويزعجهم الجمال. كثير من الناس يكرهون النقد ويحبّون المديح.
ولكن السؤال يظل يكرر نفسه أينما اتجهتُ أو ذهبتُ أو جلستُ: هل أنت اشتراكي؟ وأجيب عنه بصدق: نعم، فينزعج السائل، وأجيب بعكس الصدق: لا، فينزعج السائل أكثر. هكذا بالضبط يُعامَل الاشتراكي من أغلب الناس، كما لو أنه ديناميت يهدد وجودهم!
ما زالوا ينظرون إلى الفرد الاشتراكي من وراء عدسة سوداء حاجبة للحقيقة والمعنى معًا. إنهم بدافع الجهل والتعصب للتقاليد والدين، يحتقرونه، ينفرون منه، ينبذونه، يكفّرونه، ويحاولون إسكاته وتبديده، كما يحلو لهم. إنه في نظرهم، مجرد ملحد وفاسق ومُخرِّب بغيض. ومع ذلك، يتسامح هو معهم، لا يُضمِر لهم شَرًّا، ويناضل بقدر استطاعته من أجل تحريرهم من الجهل والظلم والعنف.
ما أقسى أن تكافح وتناضل من أجل مجتمع هو في الواقع يرفضك ولا يطيقك في شيء. ما أقسى أن يطعنني في القلب كلُّ غريقٍ أسعى لإنقاذه وانتشاله من الموت. وعلى الرغم من كل ذلك، فإنني سأظل إلى النهاية مُحِبٍّا للجميع.
هل أنت اشتراكي؟ نعم أنا إنسان اشتراكي القلب والعين، وأحبك وأدافع عنك ومن أجلك أيها المقموع والقامع في آن. كفى كراهية وخصومات، فلنذهب الآن إلى التعايش الذي هو كل شيء ولصالح الجميع. فالحرية الحقيقية هي احترام المُختلِف والتعايش مع الاختلاف.