- كتب: محمد ناجي أحمد
يسأل الأستاذ والصديق المثقف والتربوي القدير عبده قائد المقطري عديد أسئلة سأبدأ هذه الحلقة بالاستجابة لها :
“علاقة الحمدي بالناصريين
هل هي علاقة فكرية نضالية تأثرت بفكر الزعيم جمال عبد الناصر
هل هي علاقة استغلال قوى جماهيرية لدعم حركة يونيو
هل كان بإمكان الشهيد الحمدي الاستيلاء على السلطة بغفلة عن القوى الرجعية التي حاربت كل قوى اليسار وشتتتهم وشتتت كل قواهم العسكرية والمدنية؟
لماذا لم يستطع التنظيم حماية (مشروع التجربة الوطنية )الذي كان الحمدي يزمع إنجازها؟
لماذا قفز الحمدي الى الجنوب وتجاوز الحزب الديمقراطي وهو يعلم مدى حركية الحزب وجماهيريته؟ …
أسئلة أرجوا أن يتسع وقتك للإجابة إن كانت على علاقة بموضوع القراءة النقدية
مودتي.”
سبق في الحلقات السابقة أن قلت بأن حركة 13يونيو قامت في بدايتها بترتيب من الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر والشيخ سنان أبو لحوم ، والعقيد إبراهيم الحمدي ،وبقبول ومباركة سعودية. ولهذا فقد كان موقف الحزب الديمقراطي الثوري اليمني ،والجبهة القومية بأنها انقلاب سعودي رجعي، وبناء على ذلك لم يتعاون الحزب الديمقراطي الثوري مع الحمدي بل أصدر بيانا يصف حركة 13يونيو بالرجعية، وأن الحمدي شرطي السعودية. وهذه النقطة تناولتها عديد مرات بالتفصيل في كتابات طيلة السنوات الماضية. وحين شعرت تلك القوى المحلية والإقليمية بأن الحمدي لديه مشروعه الوطني ،وهو يتجه بثقة لمراكمته تدريجيا ، بما يحقق الاستقلال والسيادة والتنمية أطاحوا به ،بتلك الطريقة الانتقامية ، التي عكست مدى الغل البدوي المؤسس لقوى خمر، والنظام السعودي، وإن أنجزوا ذلك من خلال الضباط الذين كانوا محل ثقة الحمدي المطلقة، وعلى رأسهم نائبه رئيس هيئة الأركان المقدم أحمد حسين الغشمي، الذي تواصلت معه قوى خمر، وكذلك الملحق العسكري بصنعاء صالح الهديان، ورتبوا لاغتيال الحمدي بعد استدراجه في عزومة غداء في بيت أحمد الغشمي عصر يوم 11اكتوبر 1977م، وكانت لديهم العديد من الخطط لاغتياله إما بضرب طائرته التي سيتجه بها إلى عدن من أجل ترتيبات والتوقيع على خطوات الوحدة اليمنية ، أو بضرب منزله بالصواريخ، فكان (الغداء الأخير) بإخراجه اللا أخلاقي ، بقتله وأخيه وقتل فرنسيتين تم استجلابهما لهذا الغرض، من أجل تصوير جريمة الاغتيال بأنها تنازع بين الأخوين على الفرنسيتين، وهو الذي صرحت به سلطة الانقلاب بقيادة. الغشمي في أول تعميم لها وزع على سفارات الخارج، ورفضته فرنسا مطالبة بقصة يستطيعون بها إقناع نواب الشعب الفرنسي بما يتعلق بجريمة قتل الفرنسيتين، وعلى ذلك أصدرت وزارة الخارجية بيانا بحسب الطلب والمواصفات الفرنسية…
تواصل الحمدي مع قيادات من الحزب الديمقراطي الثوري اليمني كمالك الارياني وعبد الحميد حنيبر وأحمد قاسم دماج وآخرين لكن صقور الحزب وعلى رأسهم سلطان احمد عمر كان موقفهم من الحمدي سلبيا وعدائيا ،مما دفع بالحزب الديمقراطي أن ينهج طريق عدم التعاون مع الحمدي، والمفارقة أنهم وهم يرتبون للانقلاب على الرئيس أحمد الغشمي تواصلوا معه وقدموا له برنامجا وتصورا سياسيا من خلال يحيى منصور ابو اصبع الذي كان مقربا من الغشمي بتوجيه من الحزب ،وكذلك بقية فرق اليسار من بعثيين وطليعة شعبية وحزب العمل تعاملوا مع الغشمي بإيجابية وتواصل حزبي وليس فردي…
بالنسبة للناصريين وعلاقتهم بالحمدي أعتقد كان هناك توافق في الرؤى بعد أن عدل الناصريون برنامجهم سواء بما يخص الاشتراكية وتغييرها بمصطلح العدالة الاجتماعية أو بتحديد إطار نضالهم وطنيا وتجميد علاقتهم بالتنظيم القومي، وكان الحمدي يبحث عن تنظيم ينجز له مهام جماهيرية بتوسيع القاعدة الجماهيرية للحكم وبمشاركته عملية التصحيح والحركة التعاونية والشبابية والمسار التنموي وفق خطة ثلاثية وخمسية الخ. كل ذلك يجعل التلاقي في الرؤى مسألة تتجاوز الاستغلال، مما جعل وفاء الناصريين مستمرا لذكرى الحمدي طيلة عقود رحيله…
لكن بتقديري الخاص كانت تجربة وسعة أفق الحمدي أكثر خبرة ووعيا من تجربة الشباب الناصري. باستثناء عيسى محمد سيف فقد كان كما يصفه عبدالله سلام الحكيمي” الحقيقة عيسى كان مثقفا من وقت مبكر جدا حينما كان عاملا في عدن كان يوفر من مرتبه ويشتري كتبا، ويجلس يخزن فوق قعادة شبط في الشارع تحت لمبة الكامبا إلى الصبح يقرأ ،وهكذا استمر طوال حياته وكان محاورا فذا وذا قدرة على الاقناع هائلة…وهو الذي أثر على الحمدي بعمق من خلال حوارات له معه في القاهرة ،وكان الحمدي معجبا بعيسى الى أقصى الحدود ،ومواصلة حواره معه في صنعاء هو الذي أوصل الامور معه الى ما وصلت إليه” أي علاقة التنظيم الناصري مع الحمدي.
هو التقاء توجه ناصري بالقائد/الدولة وهذه مسألة محورية في تكوين الناصريين، والقوميين عموما، حيث يمثل القائد الضرورة شرطا في التحولات الوطنية والاجتماعية …على عكس الماركسية التي تشتغل على الشعب والطليعة مصدرا للتغيير في الواقع وفي الوعي أي في الأذهان والأعيان …
هناك مخاوف وحذر متبادل بين الحزب الديمقراطي الثوري اليمني وبين الحمدي، فالحزب الديمقراطي لديه موقف أيديولوجي من الرهان على القائد الضرورة، فذلك يعني بالنسبة لهم وفي تحليلهم الماركسي عبادة القائد وتحويله إلى ديكتاتور، ولديهم مآخذهم تجاه الحمدي الذي كان عضوا في الحزب الديمقراطي منذ التأسيس وانقطع وجمد نشاطه معهم منذ عام 1972 وشارك في حملات عسكرية لضرب نشاطهم المسلح والسياسي في المناطق الوسطى وفي مدينة القاعدة الخ، بل يتهمونه بأنه قام بالتحقيق والتعذيب بنفسه لبعض رفاقهم في عام 1972 ، بل ويتهمونه بقتل بعض الرفاق تحت التعذيب الخ.
وكان الحمدي له محاذيره تجاه حزب يريد أن يحكم بشكل جماعي وما الرئيس إلا عضو في مسئولية حزبية جماعية، ويعي الحمدي الإشكاليات التي يعاني منها الحزب الديمقراطي وسيطرة دعاة الكفاح الشعبي المسلح على طريقة فيتنام ، وهو الاتجاه الذي تغلب على قرار الحزب ومثله سلطان أحمد عمر وجار الله عمر حينها، مع تراجع إن لم يكن تجميد التوجه السلمي الذي اختار طريق النضال السياسي لا النضال المسلح في تغيير الحكم في الشمال نظرا لقراءة اجتماعية وسياسية بصيرة بطبيعة المسار التطوري في الشمال…
في 28ابريل إلى 1مايو 1977م، كان المؤتمر العام الخامس للتنظيم الناصري ،
وقد تقرر فيه :
1-فصل العلاقة مع التنظيم القومي(الطليعة العربية) وتحويل فرع اليمن إلى تنظيم وطني في بنائه وتركيبة حركته وقراره ، قوميا في فكره وتوجهاته الوحدوية.
2-تغيير شعارات التنظيم واهدافه الاستراتيجية ، ليصبح شعار (حرية-اشتراكية وحدة) معدلا بـ(حرية عدالة اجتماعية –وحدة)، واستخدام كلمة (عدالة اجتماعية )بدلا عن (اشتراكية) في برنامج وخطاب وأدبيات التنظيم الفكرية والسياسية والإعلامية.
3-تغيير اسم التنظيم ليصبح اسمه الجديد (الطلائع الوحدوية اليمنية) بدلا عن(الطليعة العربية-فرع اليمن)
وقد كانت هذه التغييرات وخاصة تجميد العضوية مع التنظيم القومي (الطليعة العربية) قد بدأ السير فيها منذ عام 1974 في المؤتمر العام الرابع الاستثنائي، وكان الحوار مع الرئيس الحمدي والمتعلق باستحالة قيام علاقة بين تنظيم قومي نشاطه وحركته وعلاقاته تتجاوز الإطار القانوني والسيادي للدولة القطرية، وبين دولة قطرية حدودها القانونية والسيادية والوطنية لا تتجاوز اليمن.
لم يكن للرئيس الحمدي اعتراض حول المنطلقات القومية للتنظيم ،لكن اعتراضه كان حول العلاقة المتجاوزة للقطر، مما يؤدي إلى تعارض بين القطري كدولة وبين القومي العابر في علاقاته السياسية لما هو قطري.
والنقطة الثانية التي كانت محل اعترض الرئيس الحمدي كانت بخصوص شعار التنظيم (حرية –اشتراكية –وحدة)فقد كان الحمدي يؤمن بالاشتراكية ، لكن استيعابه لطبيعة تطور المجتمع اليمني ، وتكوين وبنية وذهنية الجيش جعله يطالب بتغيير هذا الهدف إلى (حرية –عدالة اجتماعية –وحدة) فمصطلح (اشتراكية) سوف يؤدي إلى نفور الجيش ووقوفه ضد حركة 13يونيو ، لما تعلق بمصطلح (الاشتراكية) من حملات اعلامية ، ومن نماذج تطبيقية تجعل الجيش والكثير من التكوينات القبلية لا تتفهم هذا الشعار وتقف ضده.
من هنا تعاملت القيادة الناصرية بوعي مع هذه الملاحظات ، ثم أدرجتها في قرارات المؤتمر العام الخامس ، المنعقد من 28ابريل إلى 1مايو 1977. فأعلنت فصل العلاقة مع التنظيم القومي بعد ان كانت مجمدة منذ قرارات المؤتمر العام الرابع الاستثنائي. وغيرت اسم التنظيم بدلا عن (الطليعة العربية-إقليم اليمن) أصبح (الطلائع الوحدوية اليمنية) تنظيما مستقلا ،ولهذا تم انتخاب عيسى محمد سيف من المؤتمر الخامس أمينا عاما بعد أن كان المسمى(أمين سر فرع التنظيم-إقليم اليمن).
وبناء على هذه التغييرات كما يروي الأستاذ عبد الله سلام الحكيمي في مقاله الذي تضمنه كتاب محمد سعيد ظافر(تطور العلاقة بين الرئيس إبراهيم الحمدي والتنظيم الناصري في اليمن)فقد “وافق الرئيس إبراهيم الحمدي على أن يكون عضوا من أعضاء التنظيم ، الوطني الحركة، القومي الأفق، وبعد ذلك تم الشروع في بحث وتحديد برنامج عمل وأساليب التحرك التنظيمي داخل وحدات الجيش والأمن، وقياداتها ، والتوعية الثقافية والسياسية”ص69- تطور العلاقة…المصدر السابق.
وللقيام بعملية التثقيف والبناء التنظيمي داخل الجيش ، فقد تم الاتفاق على تشكيل لجنة من ثمانية أعضاء ، أربعة يمثلون الحركة من العسكريين، وأربعة يمثلون التنظيم، وهم:
1-المقدم أحمد حسين الغشمي
-2الرائد عبد الله عبد العالم
3-المقد عبد الله محمد الحمدي
4-الرائد علي قناف زهرة
5-عيسى محمد سيف
6-سالم محمد السقاف
7-عبد السلام محمد مقبل.
8-محمد أحمد العفيف
على أن يكون التحرك محاطا بأقصى درجات السرية والتكتم الكامل.ص70-تطور العلاقة…المصدر السابق.