- كتب: محمد ناجي أحمد
في كتابي (مطالعات وتأملات) والمطبوع في فبراير 2019 ،كنت قد نشرت قراءة نقدية-سبق أن نشرتها في صحيفة الجمهورية ربما عام 2013م- لكتاب(الأحزاب القومية في اليمن) عن نشأة التنظيم الناصري كاستدراك على مؤلف الكتاب الأستاذ قادري أحمد حيدر ، والذي وجد صعوبة وانعداما للمعلومات تتعلق بالتنظيم الناصري. قلت فيها بأن التنظيم الناصري ،كتيار عريض متواجد في صفوف التجار والفلاحين والطلاب ،والضباط ،وأن الكاتب لا يشير في كتابه إلى التنظيم الشعبي الذي كان بقيادة عبد الله المجعلي ،وفيه الكثير من الفصائل المسلحة ،التي انتهجت طريق الكفاح المسلح منذ قيام ثورة اكتوبر عام 1963م وخروجهم من الجبهة القومية ،بعد أن شارك المجعلي وآخرون في الاجتماع التأسيسي للجبهة القومية، بدار السعادة –وهو كذلك لا يشير لهم كتنظيم تأسس أواخر عام 1965م ،كفرع لـ(لطليعة العربية) الذي كان أمينه العام جمال عبد الناصر ،وأمينه العام المساعد المفكر أحمد صدقي الدجاني ،وفي الجنوب إلى جوار التنظيم الشعبي الذي يقوده المجعلي ،كان هناك (اتحاد القوى الاشتراكية) …
في الشمال بدأ التنظيم في الانتقال من تيار شعبي ناصري إلى عمل تنظيمي من خلال “القاعدة الطلابية” التي أسسها الشهيد عيسى محمد سيف ،ومجموعة من زملائه الطلاب ،ثم أصبح تنظيما سياسيا ،كفرع للتنظيم القومي ،الذي مركزه في مصر “الطليعة العربية “وكان غطاؤه في اليمن “طلائع الوحدة العربية” وقد عقد مؤتمر التنظيم القومي “الطليعة العربية” في 13-12-1969م ،،ومثل فرع اليمن فيه محمد قائد الأغبري، وصالح الحارثي ،حمود عبد الجبار سلام الحمادي ،واضع خطة حركة 15 اكتوبر ،ومحمد العفيف …وكان المؤتمر الثاني في عام 1971م بعد رحيل جمال عبد الناصر …ومن أبرز القيادات التأسيسية لفرع التنظيم في اليمن :الدكتور محمد قائد الأغبري ،وعبد الله المجعلي ،الذي استشهد في نقيل يسلح في عهد الرئيس الارياني ،وصالح الحارثي ،وعبده نعمان عطا ،وعمر الوصابي ،وهاشم علي عابد ،وعيسى محمد سيف ،ومحمد أحمد العفيف ،وعلي بن علي هادي ،وعلي محمد سعيد البيحاني …إضافة إلى دعم شخصي من عبد الغني مطهر …،وقد أصبح التنظيم فرع اليمن متواجدا في ستة مواقع “الشمال ،والجنوب والكويت ،ومصر ،وبريطانيا وأمريكا “وتناوبت على قيادة التنظيم فرع اليمن كل من “محمد قائد الأغبري ،ومحمد عبد الرب المقطري ،وهاشم علي عابد”وأما موقع الجنوب فقد قاده كل من : محمد عبد الله الصغير وصالح الحارثي وعلي محمد البيحاني …
وفي المؤتمر الأول لتنظيم الطليعة العربية –فرع اليمن-الذي عقد في سبتمبر 1971م ،تم انتخاب محمد قائد الاغبري أمينا عاما وصالح الحارثي نائبا “أمين عام مساعد”، وفي المؤتمر الثاني الذي عقد في عام 1973م ،تم انتخاب الشهيد محمد أحمد إبراهيم أمينا عاما وفارس سالم الشريف أمينا عاما مساعدا ،كان في قيادة القوات الجوية في بداية السبعينيات …
وفي المؤتمر الثالث لفرع التنظيم باليمن عام 1973م تم تثبيت محمد أحمد إبراهيم وانتخاب سالم السقاف أمينا مساعدا ،وفي هذا المؤتمر قرروا تغيير اسم الغطاء من “طلائع الوحدة العربية “إلى الاتحاد الاشتراكي .
في كل تلك الانتخابات كان الموقع الأول لفرع اليمن يسمى (أمين سر فرع اليمن)وفي المؤتمر الرابع لفرع اليمن ،في عام 1974م ،بعد قيام حركة 13 يونيو التصحيحية ،تم انتخاب سالم السقاف أمينا عاما ،وعبد السلام مقبل أمينا مساعدا ،وأقر تجميد العلاقات التنظيمية مع التنظيم القومي ،مع بقاء العلاقات الثقافية والسياسية ،وأقروا اسم الطلائع الوحدوية اليمنية (تطوير )والغطاء الاتحاد الشعبي اليمني (تشي)وفي المؤتمر الاستثنائي عام 1975م تم انتخاب سالم السقاف أمينا عاما ,وانتخاب عيسى محمد سيف مسئولا عن التخطيط ومتابعة الحركة السياسية في القيادة التنفيذية ،وتم إضافة الشهيد إبراهيم الحمدي إلى القيادة التنفيذية ،وفي المؤتمر العام الخامس ،الذي انعقد في 30-1مايو1977م تم انتخاب عيسى محمد سيف أمينا عاما وسالم السقاف نائبا وابراهيم الحمدي عضوا في اللجنة المركزية والقيادة التنفيذية ،وفي ديسمبر 1977م بعد اغتيال الرئيس ابراهيم الحمدي ،عقدت اللجنة المركزية واقروا إنشاء جبهة 13 يونيو للقوى الشعبية ،ثم كانت حركة 15 اكتوبر 1978م ،والتي انتهت بمحاكمة شكلية للمدنيين ،وإخفائهم حتى اليوم ،وإعدام العسكريين دون محاكمة وإخفاء جثث الجميع حتى يومنا هذا ،مع استمرار الملاحقات والاغتيالات لكوادر التنظيم ،حتى قيام الوحدة واستئناف نشاطهم الحزبي بشكل علني قبل أن تعلن بقية الأحزاب تواجدها العلني…ص233-235-مطالعات وتأملات- محمد ناجي أحمد –فبراير 2019.
يبدو لي أن ما جمع بين إبراهيم الحمدي والدكتور عبد الرحمن البيضاني والنظام السعودي والتنظيم الناصري هو الموقف من النظام الماركسي في الجنوب؛ فالسعودية والبيضاني كانوا يرونه في سياق الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والغرب ، والناصريون في نقاطهم العشر التي أعلنوها في الذكرى الثانية عشرة لثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 في القاهرة، مساء 26سبتمبر 1974م كان موقفهم في تلك الكلمة ونقاطها العشر، التي أعدها عيسى محمد سيف، وألقاها سكرتير الرابطة علي عبد الله سعيد الضالعي ، وقدموا فيها تحليلهم ورؤيتهم للأحداث منذ قيام ثورة 26سبتمبر وإلى قيام حركة 13يونيو 1974م، وفي تلك النقاط العشر كان موقف الناصريين من النظام في جمهورية اليمن الديمقراطية بأنه” النظام الإرهابي الانفصالي الماركسي في الجنوب” وضد ” عمليات الاغتيالات الهوجاء والتخريب الحاقدة ، والتناحرات المفتعلة باسم الصراع الطبقي ، كما أننا ضد الأمراض الطائفية والحزبية اليسارية الدموية، واليمين الرجعي العفن”ص13 -تطور العلاقة بين الرئيس /إبراهيم الحمدي والتنظيم الناصري في اليمن – محمد سعيد ظافر-2020م.
مثلت النقاط العشر بوصلة الناصريين في التقائهم مع النظام في صنعاء ، متى التزم بها ، واختلافهم معه متى خرج عن مسارها، وعبرت النقاط العشر عن استعدادهم للوقوف مع الرئيس الحمدي في مواجهة كل القوى والمعوقات التي ستقف ضد تنفيذ هذا المسار الوطني.
عبرت النقاط العشر عن تأييد التنظيم الناصري لحركة 13يونيو، وهو تأييد مشروط بتنفيذ تلك النقاط، باعتبار الحركة امتدادا لثورة 26سبتمبر ، وتمسكا وتطويرا لمبادئها، وانتصارا لأهدافها الوطنية والقومية. والمطالبة بالسيادة الكاملة ، والصداقة مع الجميع دون المساس بكرامتنا أو الإساءة إلى أرضنا…والمطالبة بتثوير الجيش على أساس الانضباط العسكري والولاء الوطني ، بدلا من أن يصبح الجيش قوى تتنازعها القبائل وولاؤها …والتغيير الإداري على أساس الكفاءة والقدرة، ووضع سياسة رشيدة لإنماء المشاريع الاقتصادية …وضرورة وجود تنظيم شعبي بخط فكري وطني وقومي ، يقوم بتحريك الجماهير بعد الوعي والتعبئة صوب أهداف الثورة اليمنية الخالدة….ولا بد من الحرية المسئولة، وتكافؤ الفرص ، والتوازن الاجتماعي ، وتطبيق شعار (الرجل المناسب في المكان المناسب). والعمل على تحقيق الوحدة اليمنية ، باعتبارها مطلبا وطنيا للشعب اليمني كله، وباعتبارها قضية استراتيجية لا تقبل التكتيكات من قبل النظام الإرهابي الانفصالي الماركسي في الجنوب، أو بعض القوى الرجعية الحاقدة المتخلفة في الشمال. ومن أجل تطبيق ذلك كله لا بد من أن تستقر الأمور في صنعاء لصالح الخط الوطني القادر على تنفيذ هذه المطالب، والمستعد للنضال من أجلها…
وقد عبر الرئيس إبراهيم الحمدي عن مشاعره تجاه برقية التهنئة المرسلة من الرابطة إلى قيادة حركة 13يونيو في 15يونيو 1974م، وكذلك بيان الرابطة والمتضمن للنقاط العشر بتاريخ 26سبتمبر 1974م- بأن وصف موقف الناصريين بأنه كان ككسرة الخبز التي تقدم لشخص مسافر عانى من ضنك ومشقة السفر وانقطع عليه الزاد…وشبه موقف الآخرين المتأخر بأنه دعوة لوليمة فيها ما لذ وطاب من المأكولات لكن المدعو للعزومة أصبح متخما ولا يحتاج لتلك الوليمة!
هنا فارق واضح بين وعي الرئيس الحمدي وفهمه لطبيعة الخطاب والرؤية والشراكة مع الناصريين وبين طبيعة العلاقة التي أراد الرئيس أحمد حسين الغشمي أن يخلقها مع قوى اليسار بعد اغتيال الرئيس الحمدي…
اندفع الناصريون لتحمل مسئوليتهم من خلال رؤية حددوها بعشر نقاط، والرهان على قيادة الرئيس الحمدي ومشاركته تحمل أعباء المرحلة…
بالمقابل اندفعت قوى اليسار الأخرى واليمين للتعاون مع الرئيس أحمد الغشمي في وقت كانت دماء الرئيس الحمدي لم تجف بعد في أيدي قتلته، وفي مفارقة مع رفضهم للتعاون مع الرئيس الحمدي وزرع الأشواك في طريق علاقته مع جمهورية اليمن الديمقراطي والرئيس سالمين، وفي إجراءات التصحيح الإداري والعسكري!
كتب الأستاذ يحيى منصور أبو اصبع في شهادته عن عبد الكريم عبد الوارث -الحلقة الثالثة، المنشورة في مواقع التواصل الاجتماعي، على لسان الرئيس إبراهيم الحمدي حين ذهب أبو اصبع مكلفا من عبد الوارث عبد الكريم ليحذر الحمدي من تخطيط الغشمي لاغتياله:” …حتى علاقتي بالجنوبيين أصحابكم يعملون على تخريبها ويفسرون أن علاقتي بسالمين إضعاف لهم ولحزبهم الطليعي، وتوجه صوب سفل المكان وهو يقول بالصوت العالي شككوني كل الناس في روحي من الغشمي الغشمي الغشمي هذا من أخلص الناس إليَّ والآن تريدون أن أتصرف مثلكم قتلتم خيرة رجالات الحركة الوطنية في الحزب الديمقراطى امثال عبدالقادر سعيد الذي مات كمداً وقهراً من شعاراتكم الثورية في الكفاح المسلح والزحف على المدن من الأرياف وأن السلطة تنبع من فوهة البندقية. اين عبد الحافظ قايد ؟. اين تلك الكوكبة السياسية الناضجة الذين غيبتموهم عن الساحة ؟. أسرني في أذني محمد سري سوف يحبسنا فأردت أن ألطف الجو المشحون فقاطعته قائلاً والله عادك حافظ الدروس الثورية من حركة القوميين العرب وما بعدها. رد بالقول لقد رفعنا شعارات وتطرفنا في أفكارنا إلا أن الواقع شيء آخر نحن بدأنا نستوعب واقعنا المرير وأنتم لا زلتم حيث أنتم، أبقوا على ما أنتم فأنتم أحرار لكن إياكم وزرع الشقاق بيني وبين أصحابي وهنا قمت من مجلسي وقربت منه قائلاً يا أخ إبراهيم نحن لم نقل هذا إلا محبة فيك وحرصاً على التجربة وتفويت المؤامرات الداخلية والخارجية أعجبك هذا الكلام وإلا رميته عند أرجلك إن شاء الله العب به كبه…”
عمل الحمدي على حل المشاكل المالية للطلاب في مصر ، وأرسل سكرتيره محمد محمد النزيلي ” وفعلا تم خلال عامي 75، 1976 حل مشاكل الطلاب الدارسين بجمهورية مصر العربية، حيث تم اعتماد منح جديدة للطلاب(من الشمال والجنوب) الذين كانوا بدون منح دراسية” وزيادة المنحة المالية من عشرين جنيها إلى خمسة وعشرين جنيها، والتأمين الصحي وشراء مقر جديد للرابطة في حي الدقي، واعتماد مخصص شهري لأنشطة الرابطة…
في 28يناير 1975 سافر عيسى محمد سيف من القاهرة إلى صنعاء. وكان الرئيس الحمدي حريصا على معرفة متى سيعود إلى اليمن، من خلال ما عبر عنه سكرتيره محمد النزيلي في اللقاء الذي جمع عيسى ومحمد سعيد ظافر وعبد الحفيظ المحبشي في مقر إقامة محمد النزيلي بالجيزة، وهو اللقاء الذي تم الحديث فيه حول الوضع السياسي في اليمن، ودور حركة 13يونيو والتحديات التي تواجهها ، وكيفية عمل الاصطفاف الوطني لنصرتها والمشاركة الحقيقية معها…كان ذلك اللقاء في 28ديسمبر 1974م.
في تاريخ 15يونيو1974 وجهت قيادة التنظيم الناصري تهنئتها للرئيس الحمدي ،وقد قام بتسلميها الأخ عبد الله محسن العليبي ، وفي تاريخ 16يونيو 1974 بحسب شهادة العليبي اجتمع الرئيس الحمدي بقيادة التنظيم في مقيل ببيته:” وبعد ظهر 16يونيو حضر إلى منزل الأخ الرئيس ،الأخوة: سالم السقاف ،وعبد السلام مقبل، ومحمد أحمد إبراهيم، وأنا حضرت معهم ، ولكن لم أدخل الاجتماع معهم ، كوني لست عضوا في القيادة ، والذي استمر لمدة ثلاث ساعات تقريبا، بعدها استمر التواصل والاجتماعات خاصة بعد عودة الأخ / عيسى محمد سيف من القاهرة إلى صنعاء.”ص22.