- كتب: محمد ناجي أحمد
الكتاب للأستاذ محمد سعيد ظافر، ويتكون من (73) صفحة، بعنوان ( إبراهيم الحمدي والتنظيم الناصري في اليمن)الطبعة الأولى 2020م. ويشتمل بعد عتبته الأولى التي عنونها المؤلف بـ”قبل الدخول” على عدد من الموضوعات هي:
-العلاقة مع الحمدي على مستوى الخارج قبل قيام الحركة(أي حركة 13يونيو)
-العلاقة على مستوى الداخل قبل الحركة
-تطور العلاقة بعد قيام الحركة
-الموقف المبكر للتنظيم لدعم الحركة
-تطور العلاقة في الداخل بعد قيام الحركة والاجتماع الأول لقيادة التنظيم مع الرئيس الحمدي في صنعاء
-المؤتمر الوطني العام الرابع للتنظيم ، أواخر 1974م صنعاء.
-المؤتمر الوطني العام الرابع(الاستثنائي) صنعاء1975م.
-المؤتمر الوطني العام الخامس للتنظيم ، المنعقد في مدينة الحديدة.
ثم مقالة مكونة من ثلاث حلقات للأستاذ عبد الله سلام الحكيمي ، كان قد نشرها بمناسبة مرور 25عاما على حركة 13يونيو، وتناول فيها مسار العلاقة بين الحمدي والناصريين عبر ثلاث مراحل…
يشير المؤلف في عتبة كتابه إلى أن الرئيس إبراهيم الحمدي كان يُعِدُّ نفسه للقيام بدوره التاريخي منذ قبل حركة 13يونيو، وذلك على المستوى الثقافي والسياسي، فقد كان يزور القاهرة قبل قيام الحركة ، و”تكون مكتبة مدبولي بميدان طلعت حرب مقصده الأول”ص3.
يتحدث الكتاب عن العلاقة بين الحمدي والناصريين ،في شقيها الخارجي مع قيادة الرابطة بمصر، والداخلي مع قيادة الدخل، ويحيلنا إلى 9إبرايل 1973م حين وصل ” إلى القاهرة العقدي/إبراهيم الحمدي قادما من ليبيا، واجتمع في مقر إقامته بفندق شيراتون القاهرة بالأخوين :ياسين عبده سعيد رئيس رابطة الطلاب اليمنيين بالقاهرة، وعلي عبد الله سعيد الضالعي ، عضو الهيئة الإدارية”ص9. وبحسب رواية علي عبد الله الضالعي، التي ينقلها المؤلف ، فإن الحمدي طلب مقابلة بعض قيادات الرابطة عن طريق الدكتور/ عبد الرحمن البيضاني. وحين تم اللقاء في مقر إقامته بفندق شيراتون ، كانت الرابطة حينها قد أصدرت بيانات واحتجاجات على “تجديد اتفاقية الطائف مع السعودية”ص4. والحقيقة أنه لم يكن هناك تجديد لاتفاقية الطائف وإنما بيان ، أو تصريح صدر من الوفد الذي زار السعودية برئاسة رئيس الوزراء عبد الله الحجري ونائب رئيس الوزراء محمد أحمد نعمان ورئيس هيئة الأركان حسين المسوري ،وفي نهاية اللقاء والزيارة صدر بيان مشترك، نص على أن الجانبين اليمني والسعودي يؤكدان “اتفاقهما التام مجددا على اعتبار الحدود بين بلديهما حدود فاصلة بصفة نهائية ودائمة “وقد كان هذا البيان المشترك بصيغته عملا مخالفا للدستور ، لأنه كان عملا فرديا دون الرجوع إلى المجلس الجمهوري أو استشارته ،مما أثار امتعاض الرئيس القاضي عبد الرحمن الإرياني، وعضو المجلس الجمهوري الشيخ محمد علي عثمان، الذي صرح حينها بأن ما تم بيع للمواقف، وهو ما استندت إليه في ما ذهبت إليه بكتاباتي عن اغتيال الشيخ محمد علي عثمان بأن وراءه السعودية بسبب موقفه ضد التنازل عن الأراضي اليمنية جيزان ونجران وعسير. وقد كان من آثار هذا التصريح المشترك أن أصدرت القوى السياسية والطلابية بيانات رفض وشجب واستنكار لهذا التصريح اليمني /السعودي، ومن ذلك احتجاجات رابطة الطلاب اليمنيين بمصر.
في هذا اللقاء الذي جمع بين قيادة الرابطة في القاهرة بمصر وحضره ياسين عبده سعيد رئيس الرابطة في القاهرة ، وعلي عبد الله سعيد الضالعي، عضو الهيئة الإدارية، ناقشهم الحمدي بشكل واضح ،ووجه لهم اسئلة استقصائية، فبخصوص الاحتجاجات الطلابية ضد التصريح المشترك ، السعودي اليمني، والمتعلق باتفاقية الطائف ، فقد كانت وجهة نظر الحمدي أن نجران وجيزان وعسير لن تعود من خلال المنشورات “هذا وهم ، ليس للبيانات أو الكلام أي تأثير على مجريات هذه الأمور ، الدور الحقيقي هو ما يستطيع الشباب والقوى السياسية الوطنية عمله في التأثير الإيجابي داخل البلاد بشكل عام. وعلى مستوى المحافظات بشكل خاص”ص4-5.
وقد سألهم الحمدي قائلا لهم: ” ماذا لديكم من مشاريع ؟ مع من تتحالفوا؟ ماذا تريدون؟ كيف تمارسون نشاطكم السياسي؟
قالوا له نحن مستقلين، ونمثل الطلاب في القاهرة(شمالا وجنوبا) فقال لهم “ليش تقولوا مستقلين؟ وما تقولوش الحقيقة، لماذ لا تقولوا نحن ناصريين؟
لا تعتقدوا أنكم وحدكم الوطنيين والقوميين ، هناك أناس مثلكم في الداخل ،وربما أكثر منكم إيمانا وحمسا ، وعندهم رؤى وتطلعات ، عليكم أن تتحسسوهم، أن تتلمسوا الطريق إليهم، اخرجوا من هذه القوقعة ، نحن حريصين عليكم، وعلى التواصل المستمر معكم”ص5.
لم يكتف إبراهيم الحمدي بالتواصل مع الناصريين في القاهرة ، والطلب منهم أن يخرجوا من قوقعتهم وأن يتحسسوا ويتلمسوا الطريق للتواصل مع الوطنيين الذين يشاركونهم الهم الوطني والقومي ،وإنما تواصل في الداخل مع الضابط عبد الله محسن العليبي، وهو من الناصريين الذين التحقوا بتنظيم الطليعة العربية عام 1966.
يروي العليبي شهادته وتواصل الحمدي معه، فيقول بأن الحمدي استدعاه قبل حركة 13يونيو بسنة تقريبا، أي في وقت متزامن مع تواصل الحمدي مع قيادة الرابطة بمصر عام 1973م- وقد أخذني الحمدي في السيارة إلى ضواحي صنعاء(منطقة القدائد) ثم قال له بكلمات واضحة ومحددة ” يجب أن تعرف أنني معكم ، ومنكم وإليكم، وأنا سندكم ، ولكن من غير وجود علاقة تنظيمية ،وفي سرية تامة، وهذا لمصلحتكم” ص8.
وأبلغ عبد الله العليبي قيادة التنظيم بصنعاء: سالم محمد السقاف ومحمد أحمد العفيف، وكذلك أحمد سيف حميد. وكان موقف التنظيم هو تجميد نشاط العليبي لمدة شهر احترازا،، والطلب منه الاستمرار بالتواصل مع الحمدي.
واضح أن إبراهيم الحمدي كان هو المبادر للتواصل مع الناصريين، فقد كان يبحث عن تنظيم يشاركه مهام التغيير والتصحيح الثوري، وواضح أنه جمع معلومات أمنية واسعة عن الناصريين في الداخل وفي القاهرة، فقد كان تولى محمد خميس رئاسة جهاز الأمن القومي(الوطني) عام 1973 بترشيح من إبراهيم الحمدي، أي أن جهاز الأمن الوطني كان تحت إشراف الحمدي آنذاك.
لقد بادر الحمدي بمصارحة الناصريين ، وطلب منهم أن يخرجوا من قوقعتهم، وأن يتلمسوا ويتحسسوا ؛أي أن يتحالفوا مع القوى الوطنية في داخل اليمن، إذا أرادوا تغيير وتصحيح الواقع…
يبدو لي أن لقاء الحمدي بقيادة الرابطة كانت رسالة فهمها عيسى محمد سيف، حين طرحت قيادة الرابطة على عيسى محمد سيف تفاصيل هذا اللقاء الذي تم في 9إبريل 1975م، فقال حينها عيسى” هذا إنسان غير عادي ،وسيكون له شأن كبير، وكل ما طرحه يؤخذ في الاعتبار”ص6.
في اليوم الثاني لحركة 13يونيو 1974م طلب عيسى محمد سيف من الأخوة الذين التقوا بالحمدي أن يعيدوا على مسامعه تفاصيل الحوار الذي جرى بينهم والحمدي.
ثم قرر إرسال برقية تهنئة وتأييد لرئيس مجلس القيادة العقدي إبراهيم الحمدي “استدعانا الأخ عيسى وقال: أعيدوا لي الحوار الذي جرى معكم ،وبعد ذلك أمرنا أن نرسل فورا من الرابطة برقية تهنئة وتأييد لرئيس مجلس القيادة العقيد /إبراهيم الحمدي، وأعضاء مجلس القيادة، وقمنا بذلك” ص6.
الملفت للنظر هو طلب إبراهيم الحمدي وكان وقتها نائبا للقائد العام للقوات المسلحة والأمن، ونائبا لرئيس الوزراء- من الدكتور عبد الرحمن البيضاني أن يبلغ قيادة الرابطة رغبته بلقائهم.
ما طبيعة العلاقة بين الناصريين في القاهرة والدكتور عبد الرحمن البيضاني ، فقد كان البيضاني محاضرا رئيسيا في البرنامج الثقافي للرابطة في القاهرة، وكان وقتها شديد الهجوم والعداء للماركسية والشيوعية وجمهورية اليمن الديمقراطية، وعلاقته قوية مع المملكة العربية السعودية، وكان موقف السعودية من العقيد إبراهيم الحمدي إيجابيا، بل وحسمت السعودية دعمه رئيسا بديلا للقاضي عبد الرحمن الإرياني ، في وقت كان حسين المسوري ، رئيس هيئة الأركان يقدم نفسه بديلا، مراهنا على علاقته وتعاونه مع السعودية منذ أن كان قائد لمحور حجة ، أثناء الصراع الجمهوري الملكي، وكان يساعد ويتعاون مع السعودية بما يتعلق بالأسرى الملكيين، وبأمور عسكرية عديدة!
كان لكل أجندته ومشروعه، وعند التقاء المشاريع في نقطة ما ينبغي ألاَّ نغفل حقيقة أنها ستتصادم وتتناقض في نقاط أخرى، لهذا كانت حركة 13يونيو 1974 نقطة التقاء بادر إليها واستعد لها إبراهيم الحمدي، وكانت قوى خمر من ورائها، برضى ومباركة سعودية…
ثم كان الصدام ابتداء من عام 1975 مع التغييرات داخل الجيش، ووصلت ذروتها مع مؤتمر دول البحر الأحمر، الذي عقد في تعز، ثم حضور الحمدي المؤتمر الخامس 28أبريل-1مايو1977 في الحديدة. وانتهاء بالخطوات الوحدوية مع سالمين ، والخطوات العملية لتأسيس المؤتمر الشعبي ورؤيته وبرنامج عمله ، ونظامه الأساسي، ومندوبيه. لتتحرك قوى الثورة المضادة معتمدة على خيانة الحمدي من داخل الحركة بقيادة نائبه رئيس هيئة الأركان المقدم أحمد حسين الغشمي ورجاله الذين نفذوا ما سميته في عام 2013بـ(الغداء الأخير) وهو غداء العزومة الذي استدرج إليه الحمدي وأخيه في بيت أحمد الغشمي ،والذي تم فيه اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي وأخيه عبد الله الحمدي، وسبق ذلك اختطاف وإخفاء علي قناف زهرة،…
ثم تصفية رجالات حركة التصحيح، وفي مقدمتهم قيادات التنظيم الناصري ، المدنية العسكرية ،وإخفاء جثثهم حتى اليوم. كإخفاء لمعالم وطريق بناء الدولة اليمنية ، التي كان إبراهيم الحمدي في خطبه يسميها في مشروعها التصحيحي بـ(بناء الدولة اليمنية الحديثة) تارة ، وبـ(بناء الدولة المدنية)وبـ(بناء الدولة اليمنية العصرية).