- محمد ناجي أحمد
لا يمكن أن تكون هناك مقاومة وطنية بدون ذاكرة وعقيدة وطنية .فكيف إذا كانت الذاكرة في كل الحقب والعقود الماضية تدين أدعياء الثورية في أيامنا!
كانوا الطابور الخامس الذي ينشر الإشاعات والأراجيف ، ويوهم الناس أن الملكيين قد سيطروا على صنعاء. وكانوا يثيرون القلاقل والاضطرابات مقابل الذهب السعودي، كما جاء في بيان القوات المسلحة والأمن، في ديسمبر1967م.
وهم ذاتهم كما تخبرنا الذاكرة الوطنية من اصطفوا مع المشيخ السياسي في (خمر) عاصمة المؤتمرات والمؤامرات والاحتشاد -ضد بناء الدولة الوطنية الحديثة في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي، حين شرع بالعمل والتغيير منذ عام 1975م ، وكانوا عضدا لقتلته حين احتشدوا معهم في خمر ، وفي صنعاء حين بادروا منذ الأيام الأولى للتواصل والتعاون مع الرئيس أحمد الغشمي الذي جاء إلى الحكم على جثتي الرئيس الحمدي وأخيه عبد الله!.
اصطفوا لإعاقة بناء الدولة اليمنية الحديثة في عهد الرئيس الحمدي لأنها على النقيض من تصورهم للدولة الإسلامية التي يهدفون إلى بنائها منذ ان جمعهم الملك فيصل في مؤتمر الطائف أغسطس 1965م.
مدوا يد التعاون والمساعدة للغشمي ورفضوا يد الحمدي التي كانت ممدودة للجميع لبناء الدولة الوطنية الحديثة، بل رووا تدليسا وضحكا على العقول ،على لسان الإخواني القيادي غالب القرشي في أيام أحداث 11فبراير 2011م :أن موقف الإخوان المسلمين المعارض للحمدي سببه الشيخ عبد المجيد الزنداني، الذي رفض التعاون مع الرئيس الحمدي ، حين تواصل معهم!
مدوا يد المساعدة للغشمي من أجل مواجهة الجبهة الوطنية في المناطق الوسطى، فأسسوا ما سمي بـ(الجبهة الإسلامية)، وكانت ثقتهم بالرئيس علي عبد الله صالح تتعزز كلما تم ضرب الناصريين ثم التوجه لحرب المناطق الوسطى، والجهاد ضد دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشيوعية الكافرة!
علموا تلاميذ وطلاب المدارس أن تحية العلم جاهلية ووثن، وأن “ومصيري فوق دربي أمميا” فكر دخيل وضد المعتقد الإسلامي، والوقوف لتحية العلم شرك بالله، واستخدموا الإذاعات المدرسية والمساجد منصات لخدمة الغرب في مواجهة الشيوعية، وكان مقرر (الثقافة الإسلامية) في الجامعات يدعوا إلى بناء مجتمع وهابي، يرى بقية الفرق والمذاهب الاسلامية فرق ضلالة وكفر، وأنهم الفرقة الناجية صاحبة العقيدة الصحيحة!
وهم من هيئوا المجتمع والقوات المسلحة والأمن لحرب 1994م، من خلال نفيرهم داخل المعسكرات والمدارس والجامعات والجوامع والساحات العامة والإعلام .
كانوا قادة النفير للحرب من خلال عبد المجيد الزنداني وعبد الرحمن العماد، وعبد الله صعتر، وجيش من خطباء المساجد في جميع القرى والمدن اليمنية، ومن خلال الفرقة الأولى مدرع، وهو جيش الجمهورية العربية اليمنية إلى عام 1994م، وكان جيشا للإخوان، وتنظيمهم المسلح الخاص بجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، ولو أرادوا أن يسقطوا علي عبد الله صالح من السلطة بعد حرب 1994م لتمكنوا من ذلك بحسب ما ذكره اللواء علي محسن في حوار له في 2012م، نشر في الصحيفة التي يمولها (أخبار اليوم).
وهم من قالوا بأن دستور الوحدة الذي استفتي عليه عام 1991م بأنه دستور فيه مواد كفرية، حين يجعل التشريع للشعب لا لتصورات جماعة الإسلام السياسي، التي استمرت تشرع باسم “الشريعة الإسلامية مصدر القوانين جميعا”! فغيروا الدستور بأفواه الزنداني وصعتر والعماد وفوهات المدافع والدبابات!
وهم من أعلنوا اسم علي عبد الله صالح مرشحا لهم للرئاسة للأعوام 1999-2006م، وعلى أكتافهم حملوا صناديق تلك الانتخابات بعد أن حشوها بأصوات من غاب من الناخبين!
يصفون الكتابة النقدية الكاشفة والمسقطة لأقنعتهم وباطنيتهم ، والتي تظهرهم كما هم في سياقهم التاريخي –يصفونها بـ”الحاقدة” و”الانتقامية” و”الثأرية” ويشبهونها بـ”الصديد”!
وانا أسأل: هل هناك صراع سياسي واجتماعي دون حقد ، وهل هناك جراح دون صديد؟
الصراع السياسي المعبر عن طبيعة الصراع في المجتمع ليس رحلة ترفيهية ، إن قوته الدافعة هي الحقد والثأر والانتقام الوطني، الذي يحقق العدالة للمجتمع والفرد!
الصديد الذي تتحدثون عنه هو نتاج تلك الجراح المفتوحة، والتي تعملون على توسعتها ومراكمة ثاراتها، واستحداث جروح غائرة مضافة لها. فلا جروح ولا صديد دون جريمة سياسية!
فلا صديد دون جراح ، الصديد هو الطريق إلى تعافي الجراح!
كل صراع سياسي دون حقد ليس سوى مهزلة واستغفال، والتسامح دون إسقاط التصورات والمفاهيم والمنطلقات والأسس الفكرية التي أنتجت كل هذه الكوارث ليس سوى قبول بالعبودية ، بلافتة وهمية اسمها “التسامح” و “الاصطفاف الوطني”!
لا اصطفاف مع الجلاد وهو مستمر في طغيانه ، مقدس لسوطه وصوته!
وبوصلة صلاته ليست سوى احداثيات لاسترقاق الناس واغتنام الأموال!
يتحدث يحيى منصور ابو اصبع في مذكراته المنشورة في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي عنونها بـ(شهادتي عن عبد الوارث عبدالكريم و الرئيس الغشمي..
الحلقة(20)) عن بدايات تأسيس (الجبهة الإسلامية) في عهد الرئيس أحمد حسين الغشمي عام 1978م:
“… وتم عبدالحميد حنيبر حديثه حول الأوضاع العسكرية في المنطقة الوسطى وغيرها، وقال أن القوى الإسلامية السلفية والوهابية التي خرجت من معسكرات التدريب تشتبك مع قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية في المناطق الوسطى وأن عبدالرحمن العماد يقود هذه المجاميع مسلحاً ومدعوماً من المعسكرات التابعة للدولة والتي فتح المجال للنشاط الدعائي والإعلامي والسياسي للتيار الإسلامي والذي يتداولون اسمه هذه الأيام باسم الجبهة الإسلامية وبالتنسيق مع القوى العسكرية الجنوبية من الثورة المضادة التي تكونت في السعودية بقيادة السلاطين والمستوزرين والضباط الهاربين ونحن نقترح على أصحابنا في قيادة الجبهة الوطنية التهدئة وضبط النفس ورصد تحركات الإسلاميين وقوى الثورة المضادة الجنوبية….” وكان في الحلقة (19 ) قد سرد للقارئ عن بدايات واستعدادات الاسلاميين وخطابهم في لقاء جمع اليساريين والاسلاميين في مقيل مع الرئيس احمد الغشمي، جاء فيه ما طرحه عبد السلام خالد كرمان وفرحان الشرعبي، قال بأنه لا يعرفه وربما كان هو (محمد فرحان عبد السلام) من قيادات الاخوان المسلمين ، والمشاركين في مؤتمر الشباب المعارض الذي أقامه الإخوان بتاريخ 9-3-1969 ردا ورفضا واستنكارا لمؤتمر الشباب الذي عقد في صنعاء 8-3-1969. حين كان الصراع السياسي يدور حول التمثيل في (المجلس الوطني).
يقول يحيى منصور أبو اصبع:
“… ولا شك أن أحاديث الناس بهذه القوة ضد السعودية والإشادة بعهد الحمدي تستفز الجماعات الدينية المتسيسة وكبار المشايخ المتضررين من عهد الحمدي والمعادين للنظام في الجنوب ولهذا سمعنا في هذا المقيل مداخلات قوية وهجومية من هؤلاء وتحدث عبدالسلام خالد كرمان وكان متحدثاً لبقاً وثقافته الدينية والسياسية والقانونية واسعة، وأشار إلى المخاطر الحقيقية على الإسلام من توغل الشيوعية والأفكار المستوردة الهدامة للقيم والأخلاق والعادات والتقاليد وأن النظام في عدن يمثل هذا التهديد الخطير بدءاً بتصفية علماء الدين وإغلاق المساجد ومنع المسلمين من ممارسة الشعائر وتدريس الماركسية والمادية وكل الاتجاهات الشيوعية الإلحادية .وتمثل الجبهة الوطنية الشيوعية في شرعب والمناطق الوسطى والعدين والبيضاء وعتمة وريمة وغيرها والتوجهات والبرامج والخطط للتنظيم السياسي الجبهة القومية، وأضاف أن الأخطار هائلة ومحدقة بنظام صنعاء الإسلامي وتطرق إلى دور بلدان الكتلة الشيوعية بزعامة روسيا للانطلاق من عدن للسيطرة على دول الخليج والاستحواذ على الثروة النفطية، و تدخل الوالد نعمان بن قايد بن راجح قائلاً أن السعودية هي في الواجهة اليوم أمام الخطر الشيوعي وتصديها ومقاومتها ومساعيها لوحدة المسلمين لدرء المخاطر المحدقة بالإسلام والمسلمين…ثم ارتفع صوت لا أعرفه اسمه فرحان الشرعبي وركز حديثه على أن التعليم والتربية في الجنوب شيوعية إلحادية كافرة ولا بد من تحويل التعليم والتربية في الجمهورية العربية اليمنية إلى التعليم الإسلامي والتربية الدينية في جميع المراحل لأن التربية الشيوعية تغسل رؤوس الشباب والأطفال من كل شيء له صلة بالتوجيه والدين والعقيدة ونادى بتطبيق قانون التعليم الديني الصادر في عام 1974 ليشمل كل المؤسسات التعليمية بما في ذلك الجامعة وحذف المواد المناقضة للإسلام مثل الفلسفة والكيمياء والفيزياء فهذه من أفكار ماركس ولينين وماو تسي تونج وجمال عبدالناصر….”
كان يحيى منصور ابو اصبع وعبد القادر هاشم والرحومي وعبد الرحمن مهيوب الخ، قد التقوا مع الغشمي ضمن لقاءاته بالقيادات السياسية في الجبهة الوطنية، وقد حذروه من خطورة قانون التعليم لعام 1974 وأنه قانون وهابي ويقسم اليمنيين والسلم الاجتماعي، وتحدث عبد الرحمن مهيوب عن التنظيم العسكري للإخوان واستخدامهم للمعسكرات واستقطاب الجنود لتنظيمهم العسكري (الجبهة الإسلامية)…
يقول يحيى منصور أبو اصبع في الحلقة (18) :وتكلم أحمد الرحومي بتوسع (علاقته بالرئيس جيدة) ومما قاله: لقد أقدمتم على إصدار قانون التعليم الديني عام 1974م وهو التعليم الوهابي الذي لو شاع واتسع فسوف يمزق الوحدة الوطنية في اليمن وسوف يؤسس لحروب دينية طائفية لن تبق من اليمن إلا الدمار والتمزق، نحن عندنا مذهبين الزيدي والشافعي متعايشين بتفاهم وسلام عبر التاريخ، وأخذ الحديث عبدالقادر هاشم أن الهيئة العلمية للمعاهد العلمية سيجعلون منها وزارة تربية وتعليم أخرى لما في حوزتها من الإمكانيات المادية التي لا تتوفر عند التربية والتعليم، وسيستغلون الأن المساجد ومدارس تحفيظ القرآن، علق الرئيس قائلاً أنهم يستغلون نشاط الجبهة الوطنية وأعمال التخريب والتلغيم والقتل التي تحدث في الوسطى وشرعب وريمة وعتمة وغيرها وكذلك الإعلام والدعاية في أجهزة عدن ضد الدين ونشر الأفكار الهدامة وهذا ما يبررون به نشاطهم، لقد قابلت القاضي يحيى لطف الفسيل، وعبدالمجيد الزنداني ،وعمر أحمد سيف الأسبوع الماضي وأدوشوا راسي لأكثر من ساعتين ويركزون على أن الدفاع عن الإسلام والعقيدة والقرآن في وجه الهجوم الشيوعي الكاسح والمدعوم من الدول الشيوعية في العالم من أقدس المقدسات وقد رفضت السماح لهم بإلقاء المحاضرات في المعسكرات التي في العاصمة، قال عبدالرحمن مهيوب: الآن عندهم تنظيم عسكري غير معلن لكنه يمارس نشاطه الإعلامي والدعائي والعسكري في كل مكان بإسم الدفاع عن الإسلام، وسأل الرئيس ما هو هذا التنظيم، جوب صالح الأشول الجبهة الإسلامية، قال الرئيس هي هذه جبهتهم الجبهة الإسلامية لمواجهة الجبهة الوطنية المسلحة، وأضاف هيا عقلوا أصحابكم يتركوا السلاح ويوقفوا القتل ويتم دخول الدولة إلى كل المناطق في الوسطى وغيرها ونحن سنوقف نشاط رجال الدين وجبهتهم الإسلامية والتي لم أسمع بهذا الاسم إلا نادراً. أضاف عبدالرحمن مهيوب يافخامة الرئيس إن رجال الدين الوهابيين ينشطون داخل المعسكرات في إب وتعز وعمران وحجة بالمحاضرات ومحو الأمية وبالتالي تجنيد أفراد المعسكرات إلى تنظيمهم العسكري الجبهة الإسلامية وهذا ما يجب على الرئيس وقفه ومنعه، حسم الرئيس النقاش بقوله لا تكثروا الهدره تحركوا وأقفوا أصحاب عدن والجبهة الوطنية من الأعمال العدوانية والتخريبية وتلغيم الطرقات وآبار المياه وأنا ألتزم بوقف أي نشاط للتيار الديني والوهابي، وبدون هذا أنتم تريدون الجمهورية اليمنية لقمة سائغة للجنوب، وأنهى حديثه لقد أكثرتم الكلام اليوم مثلما علماء الدين، أمانة أن القاضي يحيى الفسيل يخرب مدينة بخطاباته المدوشة….”