- عبدالباري طاهر
فقدت الكويت الشقيقة أميرها صباح الأحمد الصُبَاح، وهو من الحكام الحكماء، وقد كان- يرحمه الله -حصيفاً متزناً.
حظيت دولة الكويت- منذ التأسيس- بدعم ومساندة الزعيم العربي الكبير جمال عبد الناصر، وعندما هدد الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم كان الزعيم ناصر أول من أعلن رفض التهديد، والاستعداد لحماية الكويت.
في الستينات كانت الحركة القومية- حركة القوميين العرب بزعامة أحمد الخطيب، والصحفي القدير سامي المنيس، والمطيري طليعة الحركة القومية. تشكلت منظمة التحرير الوطني الفلسطيني بزعامة أبو عمار وأبو جهاد في الكويت أواخرخمسينات القرن الماضي.
منذ البداية وقفت دولة الكويت إلى جانب القضايا القومية، وساندت الثورة اليمنية ببناء المستشفيات في صنعاء والحديدة، والمستوصفات في غير منطقة، كما بنت المدارس في المدن المختلفة، وفي مستويات متباينة: الابتدائي، والإعدادي، والثانوي، وبنت العديد من كليات جامعة صنعاء، ووفرت لها أفضل المدرسين المصريين والسوريين والعراقيين والسودانيين، في حين تعرض هؤلاء الأساتذة الأجلاء لمضايقة الأمن السياسي؛ فطرد الدكتور محمد أنيس- أستاذ التاريخ المصري، وجرت محاولة اغتيال الدكتور عبد السلام نور الدين قبل طرده، كما تعرض الدكتور وهب رومية للمضايقة، وغيرهم كثيرون.
وكما اهتمت الكويت بالمدارس والمستشفيات في الشمال قامت في جنوب الوطن ببناء المدارس والمستشفيات، ودعمت الجنوب في مجالات عديدة، وقدمت المساعدات لحكومة الشطرين، واحتضنت ودعمت حوارات الوحدة، ودعمت كفاح الشعب الفلسطيني، كما وقفت إلى جانب العراق في الحرب مع إيران.
منذ التأسيس احتفت الكويت بالحريات الصحفية، وكانت الدولة الثانية بعد لبنان، وازدهرت الصحافة الأهلية، بل كانت الأساس؛ فجل الصحافة فيها أهلية، ويعبر بعضها عن اتجاهات فكرية وسياسية كالطليعة التابعة لليسار القومي، والمجتمع والمسلم المعاصر التابعتين للإسلام السياسي، وكان الاهتمام بالمعرفة والثقافة، ونشر الكنوز، والسلسلات الأدبية والثقافية كعالم المعرفة، وعالم المسرح، والثقافة العالمية، وعالم الترجمة، ومجلة دراسات الجزيرة والخليج، والعربي.
في العام 82، وتحديداً في نوفمبر، عقدت الأمانة العامة لاتحاد الصحفيين العرب اجتماعها في الكويت بدعوة كريمة من جمعية الصحفيين الكويتيين برعاية أمير الكويت حينها جابر الأحمد الجابر، وبواسطة الأستاذ سامي المنيس- أحد القادة المؤسسين لحركة القوميين العرب، ونائب رئيس اتحاد الصحفيين العرب، ورئيس تحرير مجلة الطليعة ذائعة الصيت. قابلنا الأمير حينها قال لنا، وهو يوجه الحديث لسامي المنيس: “نحن الكويتيين نتعامل مع بعض كأسرة بغض النظر عن الانتماءات السياسية”.
تطوع موظف في السفارة، فبعث برسالة احتجاج إلى حكومة الكويت لاستقبال عضو في الجبهة الوطنية الديمقراطية؛ فبعثت الخارجية الكويتية برد إلى الخارجية اليمنية تبلغها بأن الزيارة كانت ضمن وفد اتحاد الصحفيين كعضو أمانة عامة، ولا علاقة للأمر بالجبهة، مستنكرةً احتجاج موظف صغير في السفارة، والتخاطب مباشرة بدون خارجيته. كان الأستاذ علي لطف الثور وزير الخارجية حينها، والدكتور عبد العزيز المقالح- شفاه الله- يعرفان التفاصيل.
في العام 86 زرنا الكويت بدعوة من المركز الوطني: يحيى علي الإرياني، وبلقيس الحضراني. كانت حرب الخليج في أوجها، وكان الكويت يبدي تعاطفاً مع العراق غير محدود، وكان نشاط البعث في الكويت في ذروته، ولكن لم تنته حرب الخليج الأولى حتى بدأت المشاكل بين العراق والكويت، وهي طبعاً مشاكل قديمة، ولها علاقة -في جانب معين- بعلاقة الأخ الكبير بالأخ الأصغر في التفكير القبلي والعشائري الذي يطبع المنطقة العربية كلها.
بعد تحرير الكويت زرنا الكويت بدعوة كريمة. كان المدعوون عبد العزيز المنصوب- رئيس تحرير الوحدوي حينها، والحزمي- رئيس تحرير صحيفة الميثاق ، ونبيل الصوفي من صحيفة الصحوة، وأنا من الثوري. كان الاهتمام بنا كبيراً. قابلنا الأمير الفقيد صباح الأحمد الصباح، وقابلنا رئيس مجلس النواب، ورتبت لنا زيارات للصحف، كما زرنا الوالد أحمد السقاف- وزير شئون الجنوب في فترة سابقة، واستضافنا الأستاذ الفقيد أحمد الربعي في منزله، والمفارقة أن الربعي، وهو من قادة القوميين العرب، وقاتل في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير عمان، وقد وقع في الأسر- أن إساءة صالح له لم تترك في نفسه أي أثر؛ فقد رأس الربعي وفد اللاجئين الكويتيين لزيارة صنعاء عقب الاجتياح العراقي، والتقى الرئيس صالح، وكان استقبال صالح للوفد الزائر في غاية القسوة، والانحياز حد التشفي، ومع ذلك استضافنا الربعي، ولم يتطرق إلى سوء الاستقبال من صالح.
زرنا الأستاذ محمد الرميحي، وكنت أعرفه من زيارة سابقة. حملت له رسائل من صديقه عبد النبي العكري (حسين موسى)- الاسم التنظيمي في الجبهة الشعبية البحرينية، وقد زودني الأستاذ محمد بموسوعة تاج العروس الأربعين مجلداًً، وأرسلها عبر الخطوط الجوية.
على مدى عقود الستينات وحتى اليوم ظل موقف الكويت متميزاً وعقلانياً، وداعما للقضايا القومية والإنسانية، وقد لعبت دوراً متوازناً ومعتدلاً في الصراعات العربية الكالحة، وحتى بعد الخلاص من الاجتياح العراقي اتسم موقف الكويت بالاتزان، وغياب الثأرية والانتقام، سواء إزاء العراق، أو المؤيدين لصدام، ودورها في الصراع الخليجي في غاية العقلانية والاتزان. وإذ نعزي أهلنا في الكويت وشعبها العظيم، فإننا نرجو استمرار النهج المتزن والعروبي البعيد عن المحاور، والابتعاد عن الهرولة نحو التطبيع.