- محمد ناجي أحمد
مؤتمرات الثورة المضادة في ستينيات القرن العشرين
رفض (مؤتمر سبأ) الاعتراف بـ(الاتحاد الشعبي الثوري) المنبثق عن المؤتمر الوطني العام للاتحاد ، المنعقد في صنعاء من 18إلى 20يناير 1967م.
فالمؤتمر الوطني للاتحاد الشعبي الثوري يعمل على سحب البساط من تمثيل قوى خمر للشعب ليكون الشعب ممثلا لنفسه بنفسه؛ أي أنه محاولة ثورية تأخرت سنوات بسبب المخاطر المحدقة بالثورة، وتوجه الجهود نحو جبهات القتال ذودا عن الثورة والجمهورية، ولأن الاتحاد الشعبي الثوري الذي كان رئيسه عبد الله السلال وأمينه العام يحيى بهران سيكون البديل الثوري والشعبي لقوى المشيخ والعلماء والوجاهات الاجتماعية ،التي ترى نفسها هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب اليمني!
من قرارات المشاركين في (مؤتمر سبأ) تكوين جيش شعبي مكون من “ثلاثين ألف مقاتل” وهو هدف رئيسي يمتد في جميع مؤتمرات قوى خمر ،ابتداء من مؤتمر عمران وما يليه من مؤتمرات، في إصرار هذه القوى على انتزاع تمثيل الشعب بما يسمونه مجلس شورى لتحالف قوى المشيخ القبلي والديني والعسكري والتجاري ، واحتكار أدوات العنف كونهم الدولة والدولة هم!
وفي الوقت الذي يستنكر المؤتمرون “إعادة الجنسية اليمنية ” لمن سموه بـ”الخائن عبد الرحمن البيضاني التي سحبها منه الشعب في مؤتمر عمران الوطني في شهر سبتمبر 1963م” لا يحتاج المرء إلى توضيح وتفسير لمفهوم “الشعب” عند قوى خمر، فهم يتحدثون عن القوى التي شاركت وصاغت مقررات مؤتمر عمران بأنها الشعب، تمنح اليمنية من تشاء وتنزعها عمن تشاء! ولهذا قالوها بشكل واضح ، الجنسية ” التي سحبها الشعب في مؤتمر عمران الوطني في شهر سبتمبر 1963م” مصطلح “شعب” مصطلح مصمت وغفل ،ويتم تفسيره وفقا لطبيعة القوى المتغلبة!
سحب الجنسية عن عبد الرحمن البيضاني، ونفي يمنيته، وأنها أعطيت له –حسب بيانهم -منحة من الإمام أحمد!
لم تكن المطالبة بسحب الجنسية عن عبد الرحمن البيضاني سببها الخطاب الطائفي الذي كان البيضاني يستخدمه كأداة في صراع الأطراف المعنية والمتكئة على إرث طائفي مناطقي جهوي ؛ فالطائفيون بأقنعتهم المتعددة ، مناطقيا وجهويا ومذهبيا يتجاورون ويتعايشون، وتجمعهم المصالح، وإن تعددت أقنعتهم الطائفية.
كان عبد الرحمن البيضاني يمثل طبقة (الكمبرادور)(وكلاء الشركات الغربية) ولأنه يملك وعيا نظريا واضحا لأهداف طبقته والوسائل المؤدية إليها فقد كان خوف قوى خمر شبه الإقطاعي في شقيه القبيلة السياسية والإسلام السياسي، بل إن كبار المزارعين والضباط والتجار المتحالفين مع هذه القوى -هم في الأساس قوى فلاحية من حيث الأرضية الطبقية الجامعة، لهذا كان الجميع يحمل كراهية وحقدا وشعورا بالخطر الذي يمثله عبد الرحمن البيضاني ، ليس بسبب طائفيته وإنما هو صراع طبقي بين أشباه الإقطاعيين، وهذا يشمل الشيخين عبد الله بن حسين الأحمر وسنان أبو لحوم كرمز للمشيخ السياسي ويشمل القاضي عبد الرحمن الإرياني والأستاذ أحمد نعمان ، والضباط البعثيين والإخوان المسلمين الخ، -وبين طبقة التجار وكلاء الشركات الغربية، والبيضاني كان نموذجهم ؛وعيا وحركة وطبقة، لقد كان يملك الوعي الثقافي لموقعه الطبقي…
حتى أنه في عام 1973م ألقى محاضرة في رابطة الطلاب اليمنيين بمصر، لسبع ساعات ، وطبعها في كتاب، أشاد فيها بالنظام السعودي، واعتذر عن مهاجمته للسعودية في ستينيات القرن العشرين، وهاجم الشيوعية وجمهورية اليمن الديمقراطية، وبقراءة وإلمام بالتناقض الجوهري بين الاشتراكية والرأسمالية، مستعرضا الأفكار الاشتراكية ومفندا لها من موقع الفكر الرأسمالي، كنموذج للمثقف المعبر عن الرأسمالية التابعة، وبوعي فكري وليس مجرد انتماء عفوي…
والمؤتمر(مؤتمر سبأ) وهو يرفض إعادة الجنسية لعبدالرحمن البيضاني يستنكر ” اعتقال الحكومة العميلة للسلطان الحر المناضل محمد بن عيدروس العفيفي”!
استمرت قوى خمر في مواجهتها للمشروع الثوري السبتمبري طيلة عقد الستينيات ، حتى وقد أصبحوا هم السلطة بعد انقلاب 5نوفمبر 1967م.
وكان للمقاومة الشعبية في مؤتمرها المنعقد بتاريخ 4-3-1968 قراراتها الرافضة لتفكيك وتجزئة المقاومة الشعبية ، والتقليل من سلطتها الشعبية.
وفي ذات السياق كان مؤتمر الشباب المنعقد في صنعاء بتاريخ 1-3-1969م ، والذي نصت قراراته على أنَّ أي قاعدة دستورية أو ميثاق ينبغي أن ينبع من مؤتمر وطني ، أو المجلس الوطني أو مجلس شورى الممثل الحقيقي للشعب، وأن اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني ينبغي ان يتشكل من ممثلي : القوات المسلحة والقبائل والمثقفون والطلاب والعمال والتجار وأصحاب المهن الحرة والعلماء. وتوزيع مقاعد المجلس الوطني على القطاعات المختلفة بنسب تراعى فيه حجم كل قطاع على حدة.
ثم كان مؤتمر الشباب المنعقد في 8-3-1969م ، وانتخب المؤتمرون ممثليهم للمجلس الوطني ، منهم : أحمد قاسم دهمش ، فتحي الأسودي ،ومحمد المجاهد ، يحيى الشامي، عبد الله حمران، مطهر علي الإرياني ، يحيى راصع ، الخ، وكان يغلب على المؤتمرين الانتماء لحزب البعث. فبعد أن تمت تصفية الحركيين وإقصائهم من الجيش والحكومة ، والوظائف العليا أصبح من يتصدر قوى اليسار في الصراع مع القوى الإسلامية هم البعثيون، وهذا لا يعني أن الحركيين لم يكونوا متواجدين ، بل استمروا في إدارة الصراع بأشكال شعبية وسياسية متعددة، لكنني أتحدث هنا عن قوى خمر، فحين تمت إزاحة التناقض الرئيسي مع الحركيين بتوجههم الماركسي انتقل الصراع إلى داخل بنية قوى خمر، وتحديدا بين البعثيين والإخوان المسلمين.
وفي مواجهة مؤتمر الشباب سابق الذكر، فقد تحرك الإخوان المسلمون وأقاموا مؤتمرا للشباب معارضين فيه لقرارات المؤتمر السابق ، وقد كان مؤتمرهم هذا في صنعاء بتاريخ 9-3-1969م، من أجل شجب ورفض قرارات المؤتمر السابق ولجنته التحضيرية ، وأشخاصه.
ويصف هذا المؤتمر قوى الشباب اليساري بأنهم مخربين ” يأسف الشباب لموقف الحكومة المتراخي الذي اتاح للمخربين استخدام أجهزة الدولة وبالأخص أجهزة الإعلام للإعلان عن أهدافهم الحزبية ، التي لا تعبر عن إرادة الشعب اليمني” ويطالب مؤتمر الشباب هذا ، وهو مؤتمر كان في واجهته الإخوان المسلمين “بتطهير الجهاز الحكومي من الحزبيين والعملاء أيا كان نوعهم وفي أي قطاع كانوا كما يدعوا الشباب الجيش والأمن وكل فئات الشعب أن يكونوا على حذر من تسرب الأفكار الأجنبية الهدامة، التي لا تتفق مع عقيدة وتقاليد وأعراف شعبنا وأن يقفوا صفا واحدا أمام الحزبيين ومؤامراتهم المقنعة”.
هذا الموقف الإخصائي والاقصائي للحزبية كأيديولوجيا وكتنظيم متجذر في فكر الإخوان المسلمين ، ولهذا فإن الدعوات التي تتردد هذه الأيام مهاجمة الحزبية والحزبيين والأيديولوجيات ليست وليدة اليوم ، فالإخوان لا يرون أنفسهم حزبا وإنما جماعة الإسلام، وفكرهم لا يرونه أيديولوجية وإنما عقيدة المسلمين، ولهذا فإن دعوات رفض الحزبية الأيديولوجية في الماضي وفي حاضرنا هي دعوات تصب في خدمة ضرب الاختلاف والتعدد الفكري والسياسي ، ليكون التماثل العبودي هو سمة الحاضر كما كان هدفا في العقود الماضية!
يطالب مؤتمر الشباب ذو الواجهة الإخوانية “بقيام محكمة شرعية عليا لأمن الدولة ويقدم إليها كل الحزبيين والعملاء والمرتشين والعابثين بأموال الشعب والمخلين بالأمن العام وكل المحاولين إشعال نار الفتنة.-منشورات الإخوان المسلمين- نصوص يمانية –علي محمد العلفي- دار الحرية للطباعة-بغداد1978م.
هذا الامتزاج بين عنف الأفكار التي ترى نفسها الدين والمعتقد والأعراف والتقاليد ،والآخر مخرب وهدام ودخيل وأجنبي وبين استخدام أجهزة القمع من أمن وجيش ومحاكم تفتيش، يعود إلى لحظة التأسيس لتنظيم الإخوان المسلمين في اليمن، والذي وإن بدأ الشروع فيه في 1965 إلاَّ أن اكتمال التنظيم من حيث التأسيس والقاعدة التنظيمية كان مع عام 1969م.
يشترط هذا المؤتمر عدم قبول أي شخص في المجلس الوطني ما لم تتوفر فيه شروط عديدة منها:
” أي تعهد بعدم موافقته على أي قرار يخالف الشريعة الإسلامية…وان يكون ذا كفاءة وإدراك لروح الشريعة الإسلامية تؤهله لعضوية المجلس الوطني بحيث يؤدي عمله بأمانة وإخلاص…وأن لا يكون حزبيا…وان لا يكون ممن أيد حكم الإرهاب المباحثي الديكتاتوري الماضي…” أي ألا يكون من مؤيدي الشرعية الثورية والرئيس عبد الله السلال!
و”ويرفض الشباب رفضا قاطعا دخول أي حزبي في المجلس الجمهوري أو مجلس الوزراء…” ويهدد شباب الإخوان بأنهم مستعدون لتقديم التضحيات من أجل ” تجنيب البلاد الحكم الحزبي البغيض…والعميل…”
“يعتبر الشباب أن كل ما يشيء إلى إخواننا العائدين إلى صف الثورة والجمهورية يسيء إلى الشعب اليمني وإلى الثورة وإلى الجمهورية ويسيء إلى الأمن والسلام، كما يرحب الشباب بعودتهم ترحيبا حارا ، ويعتز بهم كقوة جديدة من قوى الشعب اليمني”.
أي ان بيان مؤتمر الشباب التابع للإخوان المسلمين ، والمنعقد في صنعاء بتاريخ 9-3-1969، وهو يطالب بتنحية وإقصاء شباب الثورة والمقاومة الشعبية الذين استبسلوا في الدفاع عن الثورة والجمهورية طيلة سنوات الثورة وحصار السبعين يوما ،بتهمة الحزبية والأفكار الأجنبية والدخيلة على معتقدات وأعراف وعادات الشعب اليمني، وينعتهم بالخيانة والعمالة –يرحب ترحيبا شديدا بعودة الملكيين ،ويعتبرهم قوة جديدة من قوى الشعب اليمني!
وقد كان شباب الإخوان المسلمين الذين تم اقتراحهم لعضوية المجلس الوطني، منهم: محمد فرحان عبد السلام، وخالد محمد سعيد، ويحيى حسين العرشي، وآخرون.
وفي تعز كانت قرارات مؤتمر “الفئات المختلفة” في 9-3-1969م، وهو من مؤتمرات الإخوان المسلمين التي أطلقوها بذات التاريخ في صنعاء وتعز، تنص على رفض ” كل الأساليب الحزبية والادعاء الثوري، والعمل لتيارات مستوردة ، واستنكار وضع أجهزة الإعلام والمطالبة بتطهيرها من القوى الحزبية، ومطالبة الحكومة بإيقاف “كل النشاطات الحزبية التي تمارس العمل على نشر أفكار لا تتفق وواقعنا وظروفنا وتراثنا الديني …وإلا تكون قد فتحت باب الاقتتال …لكننا جميعا ضد الحزبية وكل الأعمال التخريبية والمفاهيم المتعارضة مع عقيدتنا الدينية…”.
من بيانات والمؤتمرات التي أقامها الإخوان المسلمون عام 1969 ، أي في فترة تأسيس التنظيم نجد أن ما قاله النائب البرلماني والقيادي الإخوان عبد الله أحمد علي العديني ، حين صرح ببث مسجل على مواقع التواصل الاجتماعي بأن حركة الإخوان المسلمين تأسست في اليمن في النصف الثاني من الستينيات من أجل القضاء على ثورة 26سبتمبر ،ووصفها بالجاهلية، وأنها أي الحركة تأسست من أجل إقامة الدولة الإسلامية-كان صادقا وشفافا في الهدف من نشأة تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن. لكن مشكلة الإخوان المسلمين أنهم يكتمون مواقفهم الماضية ولا يتنكرون لها، بل يسكتون عنها تقية ، فهم يرون ان كل موقف اتخذوه كان صحيحا في وقته، بل كان عقيدة ودينا، ,ان مشكلتهم مع عبد الله أحمد علي العديني أنه صرح في موضع يحتاج إلى الكتمان!