- محمد ناجي أحمد
مؤتمرات الثورة المضادة في ستينيات القرن العشرين
الثورة اليمنية ومؤتمرات الثورة المضادة:
لولم تكن الثورة السبتمبرية ثورة يمنية في منطلقاتها وأهدافها ، تخطيطها وتنفيذها وغاياتها لما صمدت طيلة ثمان سنوات من الحرب ، منذ26سبتمبر 1962 وإلى التسوية السعودية الأولى(المصالحة الجمهورية/الملكية) في مارس ومايو 1970م.
ولما صمدت في وجه المؤتمرات العديدة التي كانت تقام في وجه المسار الثوري ، ابتداء من مؤتمر عمران في سبتمبر 1963م،وليس انتهاء بمؤتمر خمر الأول عام 1965م، وإن كانت التسوية السعودية الأولى(المصالحة الجمهورية/الملكية) قد حققت للسعودية أهدافها التي عجزت عن إنجازها من خلال الحرب، فأنجزتها بالسياسة والمصالحة، بعد أن تم التخلص من القوى الثورية الراديكالية بالاغتيالات والتصفيات والإخفاء القسري ، وتفكيك الجيش الوطني ، وتحويله إلى جيش تابع لقوى المشيخ السياسي ، أي ألوية عسكرية يقودها المشيخ السياسي وتعمل في خدمته!
عندما نتوقف عند قرارات (مؤتمر عمران)المنعقد في بداية سبتمبر 1963م سنجدها تستهدف بقراراتها إخراج الجيش من بعض المناطق” رفع القيادات العسكرية من المناطق التي لا توجد فيها حرب” في وقت كانت كل المناطق في الشمال مناطق مستهدفة من الملكيين!
وسنجد البند الثاني من قرارات المؤتمر ينص على ” تشكيل جيش شعبي وقيادة شعبية من 28 ألفا يقوم بإغلاق الحدود وتصفية مناطق الحرب” وهنا نجد بوضوح أن صيغة ” تصفية مناطق الحرب” تحال إلى جيش شعبي يتبع مشايخ القبائل باعتبارهم طرفا ثالثا، وليس طرفا ينتمي لثورة سبتمبر وأهدافها ونظامها الجمهوري!
حين يكون هناك طرف ثالث بين الثورة والملكيين فإن هذا الطرف يكون نقيضا للثورة والنظام الجمهوري، وتنحصر خصومته الثأرية في إسقاط بيت حميد الدين لا تغيير النظام إلى نظام جمهوري بمحتوى اجتماعي تعاوني عادل!
فهذه القوى هي التي وافقت وأعلنت بيان الطائف، الذي ضم (المنشقين الجمهوريين والقوى الثالثةوالملكيين) في أغسطس 1965، والذي قبلوا فيه إسقاط النظام الجمهوري وقيام(دولة إسلامية) وجماعة الطائف من المنشقين الجمهوريين هم ذاتهم من أركان مؤتمر خمر، بل إننا نستطيع القول بأن بيان الطائف والذي نص على التخلي عن النظام الجمهوري كان من مخرجات مؤتمر خمر الأول والذي عقد في مايو من عام 1965م.ومن الموقعين على بيان الطائف محمد أحمد النعمان ومحمد الفسيل ومحسن العيني وسنان أبو لحوم والقوسي ، مع رضى وموافقة من الأستاذ أحمد محمد نعمان والقاضي عبد الرحمن الإرياني، الخ!
في الوقت الذي هدف مؤتمر عمران إلى إضعاف سلطة الشرعية الثورية ممثلة بالرئيس عبد الله السلال، ونزع صلاحياته لصالح مجلس الرئاسة، فإنها كذلك تطالب بأن يتحول (مجلس الشيوخ) إلى برلمان تعطى له كامل السلطات، وتشكيل “مجلس وزراء ويكون مجلس الوزراء من الأشخاص الذين يرضى عنهم الشعب” ومفهوم الشعب يحال هنا من حيث التعريف إلى (مجلس الشيوخ)(أهل الحل والعقد) (الوجاهات الاجتماعية)!
وعند التوقف واستقراء مقررات مؤتمر خمر الأول، والمنعقد في 2مايو -5مايو 1965م فإننا سنجد أن أول مقرراته هو تشكيل هيئة دائمة للسلم الوطني من تسعة أعضاء ، خمسة من المشايخ وأربعة من العلماء، يضعون تصورهم للسلام ، ويتحركون على أساسه في جمع القبائل؛ أي تسوية جمهورية/ملكية! وتكون هيئة المؤتمر هي السلطة العليا التي تمنح الثقة للوزارة، وأن يلتزم رئيس الوزراء بالبرنامج المقر في مؤتمر خمر الأول ” والسعي لإيقاف حالة التوتر في العلاقة مع الجيران” فالحرب التي تشنها السعودية ضد الثورة والجمهورية الوليدة يصفها مؤتمر خمر بـ”حالة التوتر” ويسعى لإيقافها!
تصحيح أوضاع الأجهزة والدوائر الحكومية باختيار “الأكفاء المخلصين ذوي النزاهة والاستقامة” وهنا نفهم دلالة الكفاءة والإخلاص والنزاهة بحسب رؤية مؤتمر خمر وهيئته بتغيير القيادات الوظيفية بما يخدم قوى مؤتمر خمر، وقد طبقوا ذلك عمليا بعد انقلاب 5نوفمبر بأن جعلوا الكفاءة والنزاهة معيارها الانتماء للمشيخ السياسي لا للقدرة والمعرفة، ولهذا بلغ الفساد والانهيار ذروته فكانت حركة 13يونيو التصحيحية محاولة لاستعادة مسار الثورة السبتمبرية ، وتحقيق أهدافها…
وقد شمل مؤتمر خمر الأول على العديد من المطالب يأتي في أولويتها تعديل الدستور ،وإقامة مجلس جمهوري ، تأليف مجلس شورى . وجميعها تم تطبيقها بعد انقلاب 5نوفمبر 1967، بما فيها السيطرة على الجهاز الإداري وعلى الجيش والأمن، وتشكيل الحكومة وتشكيل المجلس الوطني من الوجاهات والمشيخات مع تمثيل ضئيل للمثقفين.
تنص قرارات مؤتمر خمر على استنكار حادثة الغدر التي تعرض لها ” شهيد اليمن أبو الأحرار وداعية السلام ” الأستاذ محمد محمود الزبيري ” و”المؤتمرون مصممون على أخذ الثأر من المتآمرين” وعلى الواقع فقد تم توجيه تهمة الاغتيال وتقييدها ضد المصريين والرئيس عبد الله السلال، بالرغم من معرفة القتلة ومن دفعهم ومولهم بالذهب والسلاح!
فقد كان القتلة من مشايخ( ذي حسين) ، وتم اعتقالهم ، وسجنوا في سجن(مهلهل) في حاشد، وهو أحد السجون المنيعة المنحوتة في الجبل، بناه الأتراك، ويستحيل الهروب منه، وقد كشف التحقيق معهم أن من دفعهم ومولهم لاغتيال الأستاذ محمد محمود الزبيري هو الأمير محمد بن الحسين، بعلم ورضى وموافقة من النظام السعودي، ومع ذلك فقد تم تهريبهم من السجن ، الذي كان تحت إمرة وإشراف ونفوذ وسلطة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر ، بل وبتواطؤ منه وتغليب للمصالح القبلية على مشاعر العاطفة تجاه الأستاذ محمد محمود الزبيري ، الذي طالما يردد الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر بأن الزبيري أستاذه!
وقد أشار إلى ذلك الرئيس القاضي عبد الرحمن الإرياني في الجزء الثاني من مذكراته، حين قال بأن تفاصيل مقتل الأستاذ محمد محمود الزبيري في حوزة الشيخ عبد الله الأحمر…
وتم تهريب قتلة الزبيري ، أو بمعنى أدق أطلقوا سراحهم، ليعيش القتلة في مناطقهم وبيوتهم دون أن يمسهم سوء طيلة عقود قادمة، ويذكر الشيخ يحيى منصور أبو اصبع في مذكراته التي ينشرها بخصوص شهادته عن نضال عبد السلام الدميني لقاءه بأحد قتلة الزبيري وهو الشيخ (درهم الفلاحي) يقول يحيى منصور أبو اصبع في الحلقة الثانية من مذكراته التي عنونها بـ(أربعون عاما على رحيل عبد السلام الدميني وأخويه)، بأن عبد السلام الدميني طلب منه أن يأخذه إلى المكان الذي استشهد فيه “أبو الأحرار محمد محمود الزبيري ، وذهبنا معا إلى منطقة مداجر (مديرية رجوزة ذو حسين) ووقفنا على التراب الذي ارتوى بدم الشهيد الزبيري ،وقد وجه لنا أنا وعبد السلام الشيخ درهم بن حميد الشايف دعوة إلى منزله وهو كان مرافقا للزبيري أثناء اغتياله ووضع في أيدينا كيسين من التراب الذي ارتوى بدم محمد محمود الزبيري ، كما التقينا أنا وعبد السلام بالشيخ درهم الفلاحي (من ذي حسين) أحد قتلة الزبيري وهو واحد من ثلاثة اشتركوا في إطلاق النار على الزبيري، وثلاثتهم من ذي حسين، وكان الدكتور عبد السلام الدميني حريصا على معرفة الدافعين والممولين للقتلة ، فحدثنا درهم الفلاحي دون أن يخوض في التفاصيل أن محمد بن الحسين بن الإمام يحيى هو من دفع لهم مصاريف ومضخة مياه لكل واحد وراتب شهري دائم، وقال لنا إنه لم يبق من شركائه في الجريمة إلاَّ هو فقط” وهنا نسأل من الذي يدفع الراتب الشهري للقتلة الثلاثة طيلة حياتهم وربما ورثوه لأبنائهم؟ أليس هي السعودية؟
لقد غلب الشيخ عبد الله الأحمر المصالح السياسية والقبلية الدائمة على العواطف العابرة!
من خلال قراءة القسم الذي أداه الحاضرون في (مؤتمر خمر الأول)والمنعقد من 2-5مايو 1965مسنجده يعكس تعدد الولاءات ، فقد اشتمل على القسم بالله ، وبالشرف الشخصي ، وشرف الشعب ، وشرف القبائل، وشرف الجيش!
في حين ان ثورة 26سبتمبر كان لها ولاء واحد ، هو الولاء للشعب اليمني مصدر السلطات جميعا.
وعلى نهج وأهداف مؤتمر خمر الأول كانت قرارات مؤتمر سبأ 3-3-1967، فقد كان هذا المؤتمر تأكيدا على الاعتراف بسلطة قوى خمر، ولجنة المتابعة المنبثقة عنه، وأكد على رفض “حكومة السلال باعتبارها حكومة غير شرعية ، فرضت على اليمن بقوة الحديد والنار” واعتبر المؤتمرون أن الحرب الجمهورية/ الملكية حرب مفروضة من الحكومتين المصرية والسعودية، وهذا يعني إدانتهم للدور المصري ودعمه للثورة اليمنية، وبالتالي فقد حدد المؤتمرون هدفهم بإخراج القوات المصرية من اليمن وإبعاد أسرة حميد الدين، وهو الهدف الذي تحقق لهم بتسوية مايو 1970، والتي تم فيها التخلص من القوى الثورية السبتمبري الجمهورية ،مقابل استبعاد شكلي منحصر بأسرة حميد الدين، لتكون جمهورية 5نوفمبر جمهورية شكلا ، سلطانية مشيخية في محتواها ومسارها!