- ضياف البراق
عندما أقرأ فأنا أحب نفسي.
أو أقرأ لنفسي.
وعندما أكتب فأنا بالطبع أحب نفسي.
أو أكتب لنفسي.
فالآخر غير موجود في صميم ضميري، أو لا أسبقية له ضمن دائرة اهتمامي. إنه حاضرٌ فيَّ، ولكن على الهامش فقط.
الآخر موجود على لساني فقط لا غير.
أعترف أني لا أكره الآخر حد الموت، ولكنّي لا أسمح له بأن يزاحمني على نفسي، أو يسبقني إلى الكنز السمين الذي يرغب به مرضي الداخلي. لا أريده أن ينتصر عليَّ في معترك الحياة. أو أحسده على نجاحه. أنا لا أحب غيري إلا بدافع الضرورة. هكذا أحبه لصالح نفسي ولا أكثر. وهذا ليس حبًا، ولا تواضعًا، إنما هو شيء آخر لا معنى له.
إنني حين أحبه بصدق، أحبه يوم موته فقط.
أحبه مرة واحدة في العمر.
وأنا عندما أقع في حب امرأة، فإنّي لا أحبها هي، وإنما أحب نفسي من خلالها.
وإذا خدمتُ أي إنسان، في أي شيء، فأنا كذلك أخدم نفسي قبل أن أخدمه هو. وهذا أمر طبيعي، ربما.
وإذا تصالحتُ مع أي شيء مما لا يعجبني، أو مع أي عدو، فأنا أتصالح معه لأجل نفسي فحسب.
وأنا كذاب، ومنافق، حين أقول إنني لا أسعى إلى الشهرة، أو لا أفكر فيها، أو لا أحبها. وإذا كتبتُ نقدًا لاذعًا ضد الشهرة، أو سخرتُ من أي شخص يلهث وراءها، فإنما أنا في الحقيقة أحسد الشهرة على نفسها، وأحسد المشهور على شهرته، وأسعى إلى الشهرة بهذا الأسلوب الكوميدي المكشوف أو المُقرِف.
إذن، هروبي الزائف من الأضواء، هو في الوقت نفسه هروبي الحقيقي إلى الأضواء.
وحين يقول لك الكاتب فلان، أو أنا شخصيًا، بأنه لا يحب الشهرة، سيقول لك أيضًا إنه لا يخاف الموت، وإنه يحب كل الأشياء البسيطة، وإنه لا يكره أحدًا من قلبه، وإنه يعشق الجمال دومًا، وإنه لا يستطيع مفارقة الموسيقى حتى لحظة واحدة، وإنه لا يتعب من الحرية، وإنه ينتمي للعالم كله، وإنه ضد التعصب بكل أشكاله، وإنه يعيش على القناعة فقط، وإنه خالٍ من الأملاح مائة في المائة، وإنه ماضٍ على درب النور حتى الرمق الأخير من حياته. حين يقول لك هكذا، فاعلم أنّك أمام الله لا أمام شخص من جنسك!
ما أقوى حب الإنسان لذاته!
وما أصدقَ هذا الحب التعيس!
هذا هو الجنون الأناني الذي يدمر كل معنى.
غير أنني على كل حال لا أستطيع الشفاء منه.
أو لا أتصوّرني خارجًا من ذاتي.