- محمد ناجي أحمد
كتاب (حركة 13يونيو التصحيحية)- لمؤلفه الأستاذ محمد سعيد ظافر-بطبعته الأولى 2020صنعاء- يبدأ باستفتاح أو استهلال قرآني ، من سورة آل عمران، بآية تصور الموت في سبيل الله حياة ورزقا وفرحا واستبشارا، دون خوف ولا هم يحْزَنون. استبشار بنعمة الله ” وأن الله لا يٌضِيع أجر المؤمنين” بما يعطي للقارئ معنى واضحا؛ أن النضال الوطني في دلالته الكفاحية والسياسية هو موت في سبيل الله.
أي إحالة المعنى الوطني إلى عمومية التصور الجهادي ، ولو بظلاله الصوفية ، مما يجعل سؤالنا عن هذا المسار والمختلف للناصرية ، لدى البعض والتباسها بالديني كتصور ، وهو ما لم يكن موجودا في محاضرات وكتابات عيسى محمد سيف ، أمين سر التنظيم عام 1977، ولا في كتاباته أو محاضراته حين كان طالبا في مصر منذ عام 1966م إلى حين عودته منتصف سبعينيات القرن العشرين إلى صنعاء.
هذا التحول أو الانغماس في الخطاب الديني كان من وجهة نظري نتاج لفشل حركة 15أكتوبر 1978م، فما ترتب عليها من اعدامات للقيادات وفي مقدمتهم عيسى محمد سيف مفكر ودينمو التنظيم، واعتقالات وإخفاءات قسرية ، وإقصاء وظيفي ، وتبعا لذلك كانت انتكاسة الفكر الناصري في اليمن، أو بمعنى أصح تحوله من علمانيته إلى نزعاته الدينية ، التي أعادت تعريف الناصرية في مرحلة النكوص من حركة قومية علمانية ذات تحولات اشتراكية ، وتنظيم سياسي، حامله تحالف قوى الشعب العامل- إلى تقديم الناصرية على أنها :حركة اجتهاد في إطار الإسلام؛ أي توارت واحتمت بالديني كخطاب وتصور ، ولو بسماته الصوفية الشعبية.
تأتي العتبة أو الاستهلال الثاني في الكتاب بعد الآية القرآنية لتستشهد بحديث ابن عباس ، أن رسول الله (ص) قال:” أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة ، تأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل معلقة في ظلّ العرش”
الشهيد في سبيل الله، والشهيد الروح الخضراء في جوف الطير ، التي ترد أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة في ظل العرش.
المخيال الأخروي للمناضل الناصري هو ذات المخيال الأخروي لدى السلفي الإخواني أو السلفي الجهادي: النعيم المؤجل مقابل العناء الدنيوي…
في مغايرة لصورة المناضل اليساري بشكل عام ، الذي يرى أن تراكم مساره الثوري ، من عناء ومشقة وتضحيات هي من أجل إقامة جنة الناس ونعيمهم في الأرض؛ أي إقامة جنة الرخاء والعدل والكفاية.
يهدي الكاتب مؤلَفه إلى شهداء أكتوبر 1973في عدن، وشهداء أكتوبر 1977 في صنعاء ، وشهداء أكتوبر 1978 في صنعاء ، وأبنائهم وأحفادهم، ومناضلي التنظيم كافة.
إنه أكتوبر الذي يختزل عظمة الناصريين ، ومسيرة تضحياتهم .
أكتوبر عودة وصلب وقيامة للعيسويين الناصريين ، ففيه تجمعت قناديل دمائهم ، لتروي للناس عظمة الفداء الأكتوبري ، بمنطلقاته الوطنية ، ومحتواه الاجتماعي ، وأفقه الوحدوي العروبي.
في أكتوبر تواشجت دماء العروبيين الناصريين في عدن وصنعاء، راسمين بدمائهم خارطة اليمن الوحدوي…
يتكون الكتاب من (365) صفحة وتشمل محتوياته الاستهلال ، وشاهد الحال، والشكر والتقدير، ومقدمة ، وبابين ، كل منهما يتكون من عدة فصول، ثم عدد من الملحقات .
تذكرنا مقولة الحمدي” إن عملا واحدا في الميدان لا تساويه ألف كلمة في الميزان” التي يدلف منها المؤلف إلى تفاصيل كتابه- برؤية اليسار العربي للفعل والعمل كأساس لتوليد الوعي الثوري، نجدها في الأدبيات الماركسية ولدى ميشيل عفلق ، وجمال عبد الناصر ، وعبد الفتاح إسماعيل ، الخ. وإن بصياغات بعضها تهتم بجماليات العبارة ، وبعضها حركية في استنهاضها الجماهيري…
مع بداية حركة 13يونيو 1974 كان ذلك الاحتشاد والالتفاف الجماهيري، فقوى الشعب بمختلف طبقاته كان يريد التغيير ، وكل يريده لصالحه…
كان قوى المشيخ السياسي في بداية الحركة مع 13يونيو ، وقد اجتمعت في (المعمر ) بهمدان 18/6/1974م، والذي افتتحه الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر بخطاب تأييدي ،وأختتمه الشيخ أمين بن حسن أبو راس بمقررات المؤتمر ، الذي جاء في مقدمتها أن حركة 13يونيو 1974م” أعادت للدولة هيبتها في بضعة أيام”ص44.
وعند إعلان أهداف وخطوات التصحيح التي ستنتهجها القيادة بدأت قوى خمر تستشعر الخطر، وبعد أن اتخذت قيادة الحمدي قرارات عرفت باسم يوم الجيش، عام 1975 كان موسم هجرتهم إلى خمر ، وعقدهم لمؤتمر خمر الثاني 8نوفمبر 1975، والذي سموه بمؤتمر السلام الثاني .
وفي معارضة لهذا المؤتمر كان مؤتمر القبائل في الروضة مؤيدا للإصلاحات والتوجهات التصحيحية لحركة 13يونيو…
ولأن التاريخ يكرر مهازله التراجيدية فقد كان مؤتمر خمر الثاني نسخة من مؤتمر خمر الأول، فكما طالبوا في الأول بعزل وتنحية الرئيس عبدالله السلال ، في استهداف لمسار ثورة سبتمبر التحرري والسياسي والاجتماعي، طالبوا في الثاني بإقالة وتنحي الرئيس إبراهيم الحمدي ،وإيقاف مساره التصحيحي !
وفي كلا الحالتين كانت دعوتهم لإقامة الدولة الإسلامية ، والحكم بالكتاب والسنة والدستور واللوائح التي وضعوها في مؤتمر خمر الأول، من أجل إقامة ما زعموه بالدولة الإسلامية.ص57.
وكما طلبوا ود السعودية وهي تحارب الثورة والجمهورية في مؤتمرهم الأول 1965م ، نصوا في مؤتمرهم الثاني على “يرحب المؤتمرون بالمساعي الأخوية التي تبذلها المملكة العربية السعودية من أجل استقرار البلاد ، وحل الخلاف القائم ، ويرفعون شكرهم لجلالة الملك خالد وإخوانه ، وللأمير تركي بن فيصل بن عبد العزيز وجميع موظفي السفارة بصنعاء”ص58.
وهو ذات المسار الذي تتمسك به هذه القوى ، سواء في التسوية السعودية نوفمبر 2011م ، أو وصولا إلى مؤتمر الرياض 2020.
تظل السعودية هي صانعة المشكلات وهي قبلة الحلول والتسويات فيما يتعلق باليمن، فاليمن كخارطة سياسية وقوى سياسية ألوانها منذ عقود بيد السعودية حتى الآن!
في آخر اجتماع للرئيس إبراهيم الحمدي مع لجنة الإعداد للمؤتمر الشعبي العام، في 9 أكتوبر 1977، قدم تقييما للتحديات تعكس وعيا متقدما لقارئ متمكن في فهمه للتكوين الاجتماعي والسياسي والجغرافي لليمن، ومقدرة متقدمة في إدارة الصراع مع قوى خمر.
كان موقفه أن الدخول في حرب مع القبائل سيجعلنا نعيد ذات الخطأ الذي وقع به المصريون حين اندفعوا للجبال وجغرافيات القبائل بتضاريسها الوعرة ، مما سيؤدي إلى تضحيات لا يريدها الرئيس الحمدي حفاظا على أرواح الجنود ، فهو بحسب قوله خَبِر القتال كجندي وقائد متدرج في تشكيلات الجيش ، لكنه في آن لن يتخلى عن الصرامة والصلابة في إدخال الجميع ضمن مشروع وطني تنموي ينخرط به الجميع ، دون تمييز أو استثناء، ووضح للحاضرين الحرب النفسية التي تتبعها “الدولة ” في إنهاك القوى المتمردة في خمر ، وكيف يسرب لهم الأخبار بأن الجيش سيضرب ثم يجعلهم يستنفرون ، مرة تلو أخرى.
طالبهم بتسليم السلاح الثقيل الذي نهبوه من الدولة، وقد سلموا دبابتين، كان الشيخ عبدالله الأحمر قد استولى عليها قبل قيام الحركة من قافلة كانت متجهة إلى الجوف. وطالبهم بأن ينخرط خبرتهم بالجيش الشعبي، وعلى كل مجموعة يترأسها ضابط، وتسليمهم رواتبهم بالاسم بصفة أحادية…كانت رؤيته أن تغيير مناطق المشيخ سيتم من خلال التعليم ومشاريع التنمية ، وأن الأجيال القادمة سيصبحون مواطنين، ينتمون لدولة لا تابعين للشيخ.
كان نهجه يقوم على استهداف الشيخ الذي أجرم لا استهداف القبيلة بأكملها ، ففي صعدة قام الجيش بضرب بيت العوجري لوحده فقط دون المساس ببقية المواطنين، مما جعل المواطنين هناك يأخذون الأثوار ويعقروا ، ويقولو: الآن الدولة أصابت وعرفت المخطئ. ص64. وكذلك تعامل “الدولة” مع الشيخ أحمد الذهب ، والذي كان يتعامل مع المواطنين بعنهجية ، ومع الدولة باستخفاف، فقامت بتفجير بيته بالأسلحة والألغام التي كان محتفظا بها ، وتم توزيع الطعام الموجود في مخازنه على الناس هناك. وكان وقتها الشيخ الذهب قد قتل أحد المواطنين.ص65.
ملاحظة: في الخطاب السياسي في عهد الحمدي ، كما هو حتى اليوم –يتم النظر للدولة والسلطة بأنهما شيء واحد، وباعتقادي فإن طبيعة الانساق الاجتماعية في اليمن يجعل المفهومين متحدين ومتطابقين.
طالبت قوى خمر من الرئيس الحمدي تنفيذ ثلاثة شروط:
عودة الشيخ عبد الله وخبرته إلى صنعاء
يسلم لهم المرتبات الشخصية
تسلم مرتبات جماعتهم …
وكانت طلبات الحمدي هي:
-تسليم كل الأسلحة الثقيلة التي لديهم.
-الدخول إلى صنعاء بدون سلاح ،والالتزام بالنظام والقانون .
-المرتبات تسلم شخصيا لكل فرد على حدة ، ويوقع بالاستلام.
-الخُبرة يلتحقوا بقيادة الجيش الشعبي ،ويعين لهم ضابط لكل مجموعة.
- رفع النقاط التي بالطريق .وطبعا هم عاملين نقطتين ،ونحن محاصرينهم بخمس نقاط.
وقد تم تسليم الدبابتين ،وكان موقف الحمدي هو استرجاع الممكن الآن ، ثم الآخر من مدافع وغيرها إلى وقته.ص59-65.
واضح أن قوى خمر كانت منهكة ، لكن تدبير وتخطيط السعودية في الأشهر الأخيرة ، والتي أدت إلى تنسيق الأدوار بين قوى خمر ورئيس هيئة الأركان أحمد حسين الغشمي ومن معه من الضباط والمشايخ في صنعاء –قد غير الموازين ، وأعاد الحياة لقوى خمر بعد أن وصلت إلى درجة الهزيمة النفسية والاستسلام…
حين قرأت الحلقة (12) من شهادة الشيخ يحيى منصور أبو اصبع عن عبد الوارث عبدالكريم ، ومحتوى البرنامج السياسي الذي طلبه الغشمي منه، على أن يكون صغيرا يستطيع أن يضعه في جيبه، وبعد أن أنجز قادة الحزب الديمقراطي الثوري البرنامج قدمه ابو اصبع للغشمي ، وبالرغم أن أبو أصبع كتب عن محتوى البرنامج من ذاكرته إلاَّ أن مقارنة تلك النقاط التي أوردها بأهداف وبيانات حركة 13 يونيو يجعل حركة 13يونيو متجاوزة بوعيها ووضوح رؤيتها لما قدمه أبو اصبع وعكف على كتابته قادة الحزب الديمقراطي!