- كتب: محمد ناجي أحمد
(رياح في قصاصة عنيدة) هي مجموعة قصصية تحت الطبع للقاص (محمد الشميري) .
في عتبتها الأولى يكون الإهداء إلى زوجته ، بدلالة الحب الذي لا يقبل شركا ولا شريكا
” إليك ..
لا شريك لكِ
خديجة
زوجتي”.
وفي العتبة الثانية يوجه رسالة تحفيز للقارئ ، داعيا إياه أن يلملم ،ساندا هذه ” القصاصات الدائخة في شفاه الريح” ويأتي اقتراحه الترويضي للمتلقي النموذجي المنتج:” لهذا أقترح عليك عزيزي القارئ أن ترضى بما قسمته لك العاصفة – ولا أحسبك توافق- أو أن تكون عنيدا وتثبت عكس ظني القديم – وتلملمها من أرصفة العمر ومن أحراش القدر!”.
كم هي هامسة هذه اللغة الشعرية في رسالته للمتلقي ، وكم هي مستفزة ومتحدية بدبلوماسيتها ، حين تدفع بالقارئ لأن ينتقل من عادة تلقيه القديمة ، ويعيد بناء هذه النصوص ململما لها باتجاه معنى مغايرا لحالة السكون القرائي.
في نص(أصدقاء) يبقى الظل متشبثا بالمكان( الوطن) فيكون الجسد بقايا مغادر.
غربة الظل عن ظله ، والبقايا عن كلها ” لم يودعه أحد..
كان بالنسبة لهم وطنا داخل الوطن.
في محطة الباصات الوحيدة في مدينته ، ترك ظلَّه واقفا بانتظارهم.. لملم بقاياه وغادر!” .
(مسافة): نص ذو حيز مكاني صغير ، تتقطر داخله حياة من قلق القصيدة ، وحيوية السؤالين المتماثلين مع شامتين بينهما أربعون عاما أو يزيد، من السير ومحاولة الإجابة عن سؤالي الحياة، لماذا وإلى أين:
” بين شامتين ، قرأ قصيدة وسؤالين.
تجاوز الأربعين
سحبت منه ورق الإجابة!”.
القراءة في هذه المجموعة القصصية ليست قراءة في سفر التفاصيل ، وإنما قراءة ” سفر الظلال ” فالتفاصيل تظل كامنة في قبلة ” ضمها إلى صدره وقبّل شفتيها وهمّ بالتفاصيل العالقة منذ شتاء قريب” .
رقصة السرد ومايسترو يرتب تكاملية إيقاع ” المساء وضوء القمر”.
ومع نص (شاعر) تكون السخرية المتراسلة للمعنى بين بيت الشعر وبيت السكنى. اكتمال البيت الشعري ونسمة المخيلة ، واكتمال الديوان بتكاثر الموالعة والمتافل. تكاثر القراءات تأخذ شكلا هجائيا وقدحا شبيها بتكاثر الموالعة والمتافل :” كلما أثّث بيتا ، شعر بالنسمة تداعب مخيلته..
أكمل ديوانه ..تكاثر الموالعة..احتاجوا مزيدا من المتافل!”.
تتداخل العلاقة الزوجية مع فك الارتباط السياسي في نص (اتفاق) التخلي عن وظيفة الناطق الرسمي ، والخلود إلى الراحة ومتابعة الأحفاد، يعني الطلاق ، في نص (اتفاق).
في الـ(سياسة) تكون المباحثات الجادة ” ذات سريرين” وتوزيع المهام بين ذكورية ” العلاقات الخارجية ” وأنوثة ” حقيبة الداخلية” هكذا يكون الاتفاق في السياسة وفي الحياة الزوجية.
في ( ظل) ” وجه أمه الأرملة” و” تجاعيد” حياة منسية ، وظل” يتسرب من جيبه المقطوع” ومدرسة فيها آباء وظل مفقود!
إنها العاطفة التي تغسل كل الخيبات. وأغنية شبابية تنسيه فنجان قهوته ، وحبته الزرقاء.
هو ” البحر” و”أكوام الحريق” و” الشوق” و”الغيرة” و” رَجُلها الضخم” و “الفراغ الموحش” ويُتم الساحل وحركة السواك و”الشيخ الجليل” وكل تلك العيون الشبقية ، أكوام اشتياق في نص( عيون).
أيروسية الشارع والشجرة الوحيدة التي تستفرغه بعيدا عن طلاب المدارس ، عودة النازح إلى ظله ، في نص( فن).
هي الطلقة حين نعانقها في الصدى ، تخلصنا من ” صور القتلى وتضاريس أشلائهم في نص( منطق).
( آهة ) الطفل الذي يتوق إلى نوافذ السيارات ليبيع مناديله عند الإشارة الحمراء والسيارات الفارهة.
الـ(امتداد) ليس سوى بحث عن ما تسرب من العمر ، وشيخوخة الجذور التي تتحلل موتا ” خارج الوطن”.
(لثغاء) تحيل الحرب إلى حب ، مسقطة لحرف الراء بلثغة الحياة. وألثغ ” نسخ حرف الراء” ليلصقها “على صدر الحب”.
الحرب التي أصابت عيون النجوم بالدوار ” وهي تعد الشهداء”.
” خارج الوقت ” قصف و” أم مشلولة” ورضيع بلا ذراعين ” يحاول مسح دموعها!”.
” ذاكرة مثقوبة” و” حذاء قديم”، وشيخوخة السنوات ، ورمال متحركة ، وانعدام إدراك.
مسدس ” …مسبوقا بنية التغيير ” ورصاصتان على الرأس ، وأشلاء مرآة وملامح .
في الحرب” تكبر البندقية” ويزداد الـ(المجاهد) قزامة!.
“ظمأ” الروح لماء الجامع الذي لا يرتوى منه، كعلاقة الكأس الذكوري المربوط بجرة الأنوثة.
رفقة الظل ومخافة الانكسار، لهذا يأنس للخروج في منتصف النهار .
الذاكرة وهي تسخر من الزهايمر بقميص دافئ ” وصورة حفيدها الذي استبقت عمره قذيقة مقدسة!”.
(بلا فلسفة) يكنس هامة القبيلة ،فيصبح لا منتميا، “الشتاء لا يرحم منزوعي اللقب-مثلي-.”
صدر فارغ لا يشبه الصناديق المحترمة” لم تعجنه التجارب، ولا يعرف شيئا عن الدفء ، ضلوعه عارية من بائعات الهوى.
رحلة بحث عن دفء، في غرفة مطلة على زقاق العرق” ، “سرير وحيد” و” قبيلة مكشوطة” و” حكايا تشهق اسم الحبيب” ” دموع مكحلة” و ” صندوق من شجر الخذلان” وشتاء من الرغبات الباحثة عن الدفء.
في نص (أعمى) من رأس الفكرة يمسك الأعمى عصاه، وفي غبار العابرين يشاهد عطرها قبل الجميع.
وفي (كون) بعيدا عن الرؤية تهديه وردة، وبمقابلة مع انعدام الرؤية في ” المساء” “تقافزت كل النجوم”