- محمد ناجي أحمد
حرب 1994 بكل كارثيتها كان ضحاياها ما بين 5000 إلى 7000 قتيل ، لكن حروب سلطات القهر الواقع خلال السنوات الأخيره بلغ مئات الآلاف ما بين قتيل في الحروب البينية وماكينة الحرب التابعة للتحالف الذي تقوده السعودية أو المنشق عن هذا التحالف ممثلا بالتمويل القَطَري لبعض أطراف الحرب!
كارثة حرب 1994 لا تقاس بكوارث الحروب الانفصالية بلافتاتها الجهوية والمناطقيه والمذهبية…
كلفة وضحايا أقنعة الطائفية المتعددة لا يضاهيها كلفة على المستوى البشري والاقتصادي والسياسي والثقافي…
لا شك في أن الوحدة اليمنية التي قامت في 22مايو 1990 كانت تتويجا لآلام وآمال اليمنيين والحركة الوطنية.
ولا شك في أن الوحدة بين النظامين حملت معها أهدافا لا وحدوية أفرغتها من جوهرها ولم تعمل على الخروج بحاصل جمع ديمقراطي متعاف من أمراض التشطير ، وإنما أفضت إلى التهام طرف لطرف…
وما نعاني منه اليوم ونعيشه هو نتاج لهذا الفشل والسير في طريق تعميم نموذج جمهورية 5نوفمبر على دولة وحدوية كانت بحاجة إلى نظام سياسي ينتمي لطموحاتها لا إلى أنظمة التشطير…
أصبحنا نعيش في ظل ” وطن حقيقي” ممزق بين سلطات قهر في تعز وعدن وصنعاء وحضرموت ومأرب ،إلخ -و”وطن شرعي ” مغترب ؛يعيش في فنادق الرياض!
كيف يمكن الخروج من ثنائية
” الوطن الحقيقي” الممزق بسلطات غلبةالقهر ، و”الوطن الشرعي” الذي أصبح لافتة لهيمنة حزب وحيد ؛بانقلاب واضح على الأساس التوافقي الذي بنيت عليه هذه “الشرعية” مما يجعلها مختطفة حزبيا كما هي مختطفة إقليميا !
نشأ تنظيم (التجمع اليمني للإصلاح ) بحسب مذكرات الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر -بناء على اتفاق بين الرئيس علي عبد الله صالح والشيخ عبد الله الأحمر بهدف التحايل على الاتفاقيات الوحدوية الملزمة لطرفي الوحدة: المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني.
وبحسب متابعين سياسيين فإن نشأة التجمع اليمني للإصلاح كان بطلب وتنسيق مع دول الجوار؛ أي بطلب من المملكة العربية السعودية ، التي أوعزت للشيخ عبد الله الاحمر والشيخ عبد المجيد الزنداني لتأسيس تجمع الإصلاح، ولهذا فقد تضمن البرنامج السياسي لتجمع الإصلاح بناء علاقة مميزة مع السعودية…
عمليا فقد كان حضور وفاعلية تجمع الإصلاح عاملا بارزا في إشعال فتيل الصراع بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، بل ومن أهم عوامل اشتعال حرب 1994م؛ ابتداء من رفض دستور الوحدة ، أو المطالبة بتغيير القوانين المتعلقة بالمرأة بمؤسسات إنتاجية أو خدمية وبغيرها من القوانين ذات السمات المدنية التي كانت مقرة في دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، ونصت الاتفاقيات بأخذ الأفضل في قوانين الدولتين السابقتين ، فتم النكوث والإلغاء لما هو أفضل بحجة أنه يُعارض الشريعة الإسلامية، ووصولا إلى تحرك قيادات الاصلاح ومشايخه في المعسكرات والجامعات والمدارس. والجوامع وإلقاء المحاضرات والخطب التحريضية ضد الحزب الاشتراكي اليمن ودق طبول الحرب شعبيا؛ مما هيأ للحرب العديد من “المجاهدين” فحرب 1994 أُلبست طابعا دينيا… وحين كانت الجماهير تنتفض في المحافظات بمظاهرات ضخمة كان تجمع الإصلاح يصفها بإحداث الشغب والنهب ، فصحيفة الصحوة وصفت انتفاضة 9 ،10 ديسمبر بأنها أحداث شغب وسرقة !
لم يكن هاجس طرفي الوحدة الانتقال إلى صيغة وحدوية وديمقراطية ، وإنما ظلت الثنائية الجهوية حاضرة في كل صراع واختلال…
وفي كل صراع كان العامل البسيط وما زال يدفع ثمن الصراع السياسي والعسكري من قوته ومن دمه ومن استقراره. ففي انتفاضة 9،10ديسمبر 1992نزل الجيش في تعز وصنعاء وضرب بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة تلك الانتفاضة ، وراح ضحيتها العديد من البسطاء وعمال اليومية والمهمشين في المجتمع . وخلال عامي 1993-1994 تم ترحيل آلاف العمال من حضرموت لأسباب جهوية!
لم يحدث الاندماج بين النظامين السياسيين المركزيين،وظل كل طرف يحتفظ بقوته العسكرية…
كان الطريق الوحيد للاندماج هو الديمقراطية ، لكن الانتخابات لم تعمل على تكريس الديمقراطية وتخليق الجديد، وإنما تم تكييفها لخدمة هذه الثنائية، مما أدى إلى تسريع الحرب بدلا من تجاوزها عبر ديمقراطية حقيقية.
لهذا فإن ثنائية “الوطن الحقيقي” و”الوطن الشرعي”إذا استخدمنا مصطلحي الخبير الفرنسي في شئون الشرق الأوسط بيار روندو- ظلت حاضرة ومعبرة عن هذه الثنائية التشطيرية ، وهو ما بنت عليه حروب السنوات الأخيرة ، لننتقل من هذه الثنائية إلى دويلات وأوطان متعددة، بتعدد أقنعة الطائفية!