- ضياف البراق
جدران الغرفة أقل من جدران قلبي. مساحة الغرفة أصغر من مساحة حياتي. الغرفة في حجم أصغر فكرة في رأسي. مع ذلك فإنّ الغرفةَ لا بأس بها. غرفة بسيطة جدًا لكنها تعتاش دائمًا على عرق جبيني من سنين. وفجأةً خلعتُ قلبي وعلّقتُه على أتعس جدار في الغرفة. ذلك الجدار سيصير أنا بعد سقوطه، أو سيصير حبيبتي بعد سقوطي الكامل. ثُمَّ خرجتُ بلا قلب وأغلقتُ بابَ الغرفة ورائي. كم أنا خفيف الحركة بغيرِ قلبي. نسيتُ أن أغلق النافذة. رحتُ أمشي وحيدًا في الطريق المؤدي إلى معنى الحياة، ولا أحمل أي هدف آخر في ذاكرتي الصغيرة. ذاكرتي فارغة إلّا من الرعب ومفتاح الغرفة. كذلك نسيتُ سجائري وأقدامي في الغرفة. إنّي أمشي وأركض وحيدًا وسط الزحام الطويل. حتى الآن قطعتُ مسافةً طويلة من العُمْر، خارج الغرفة أو حولها أو داخلها، وكلها احتمالات صحيحة. ضاقتِ الغرفةُ من جرّاء خروجي، أو على الأصح، لم تستوعب نفسها بدوني، فخرجتْ من نفس النافذة المفتوحة وسارت تركض ورائي، على سقفها الحافي. نسيت الغرفةُ أن تغلقَ النافذة بعد خروجها. ها هي تسرع خلفي كما لو أنها تريد اللحاق بي فحسب.. سحبتُ نظري عنها، وأسرعتُ حركتي إلى الأمام، ولعلّي أحسستُ بأن الغرفة هي الأخرى بلا مأوى وتحتاج إلى غرفة على الأقل، أو لعلّها تبحث عن الله مثل أيّ جائع مُشرَّد لم يساعده أحد في الشارع. خطوات الغرفة كبيرة، وسريعة، ولكنّي سأسبقها لا محالة. الغرفة تركض على سقفها، الآن، في منتصف الطريق، وأنا أركض أمامها على رمقي الأخير. لا شيء سوى الغبار الكثيف يركض بيني وبينها. مع زيادة الركض تفقد الغرفة شيئًا من وزنها. لم يبقَ من سقفها سوى جزء بسيط، ولكنه كافٍ للاستمرار في الركض. مع زيادة الركض يطول بنا الطريقُ حتى نعود لنركض من بدايته. أركض وأركض وأسأل نفسي ماذا لو سقط قلبي المعلّق على ذاك الجدار. الركض مستمر، والتعب يتراكم، والظلام السائل يزداد هطوله فوقنا. بقفزة واحدة تجاوزتُ حُفرتين خطيرتين، بالكاد نجوتُ منهما، ولكن الغرفة وقعت بكاملها في إحدى الحُفرتين وتحطّم بابها المغلق، ومنه دخل كُلُّ الغبار وخنق قلبي المُعلّق على الجدار.. هكذا انتهيتُ وأنا لم أصِلْ بعد إلى معنى الحياة، ولكن تلك النافذة التي نسيتُها مفتوحةً هي الأمل بعينه، ومن خلالها سأستعيد كل شيء. إنني لا أبحث عن معنى الحياة، وإنما أبحث عن مفتاح الغرفة في الغرفة نفسها. أبحث فقط عن المفتاح، بينما المفتاح في يدي الأخرى. أبحث عن يدي الأخرى.