- كتب: طه العامري
قطعنا الرحلة على امتداد محافظة إب ورغم كل ما دار من حوار بيني وبين زميلي غير أن تفكيري كان منصب حول الحالة التي ألت إليه طرق وشوارع محافظة إب وتسألت نفسي عن أي قوى شيطانية هذه التي أحرمتنا متعة التأمل بجمال الطبيعة الخلابة حيث يعيش المسافر منهمكا مع الطريق وسواء كان سائقا أم راكبا فالكل يعيش مركز على الطريق تتنازعه الأفكار وترى الكل يركز على الطريق وحفرها لا يلتفت يمينا ولا يسارا ولا يكترث بجمال الطبيعة بل مشغول حد الانهاك بما تحته من وعورة لا يعلم في أي حفرة قد يكون مصيره ومصير رفاقه الذين يشاركونه الرحلة ..ومن مدينة يريم حتى بلغنا النجد الأحمر تفجرت في داخلي جبالا من الآهات والحسرات وتذكرت أصدقاء من هم من رحل عن دنيانا ومن هم من يعيش ولكنه توارى وراء جدار الهموم الذاتية وهي الهموم التي عزلتنا جميعا تقريبا متقبلين حياة ( العالم الافتراضي ) الذي نعيش فيه اليوم ..تذكرة الشيخ عبد العزيز الحبيشي رحمة الله تغشاه وتسكنه الجنة وديوانه العامر الذي كان ملاذا يلتقي فيه الجميع ينهلون فيه من الحكم والقصص والحكايات ما يسر الوجدان ويفتق مسامات الوعي والذاكرة ..تذكرت المرحوم المناضل أحمد سلام سعيد ؛ والأستاذ علي الغرباني الذي لا أعلم أن كان على قيد الحياة أو في رحاب ربه ؛ كما تذكرت الأخ عبده هائل شائف العامري رعاه الله وأطال بعمره والأستاذ عبد الرحمن الحداد ؛ والأستاذ المحامي فضل الحسني والزميل جار الله علي محمد وهؤلاء الأخيرين أطال الله بأعمارهم ولكن الحياة فارقت بيننا ورغم سهولة ويسر أدوات التواصل إلا أنها فرضت شروطها علينا وتلك أحد أسباب عوامل الاغتراب المجتمعي ..!!
على امتداد الطريق من إب إلى تعز واجهنا بائعي المنتجات المحلية وخاصة ( الزعتر ) ولزعتر إب مكانة في نفسي .. في مدينة القاعدة شاهدت حركة عمرانية مضطردة ولكنها حركة غير منظمة تعكس ثقافة البيئة التي نعيشها ونعاني منها فنحن الشعب الوحيد الذي نعمل كل شيء ثم نستنكره جميعا دون استثناء وكأن من فعل هذا بشر غيرنا قدموا لنا من المريخ ..!!
بدءا من مدينة القاعدة بدأت سيارة زميلي تعبر عن نزقها وتشكوا من ألم ماء ؛ وفيما كنا معها على تناغم وانسجام فجأة يطفى محركها ننتظر بضعة ثواني ثم يعاد تشغليها فتستجيب نمشي مسافة ثم تتوقف وهكذا حتى وصلنا وجهتنا مدينة تعز وكنا على توافق أنا وزميلي نزار بأن سبب المشكلة ( البمب أو الفلتر الخاص بتنقية البترول ) وصلنا ( فندق البرج في جولة سوفتيل ) تقريبا الساعة الواحدة ظهرا ؛ وأعترف أني مع سهري في الليلة السابقة والسفر وصلت شبه منهك جسديا ومتألم مما شاهدت على امتداد الرحلة .. قبل أن نصل الفندق رفضت الكثير من العروض المغرية لزميلي مثل الغداء في مطعم حضرموت الواقع بين جولة مفرق الراهدة وجولة سوفتيل وأصريت عليه أن يوصلنا للفندق وفعلا حقق لي رغبتي على أساس أنني سأخذ قسط من الراحة وكان قد أخذ معه غداء سفري له ؛ في الغرفة قسمت بقية القات مناصفة ودون شعور بكل ما ينتابني من إرهاق رحت أغسل قسمي من القات وزميلي ينظر إلى مستغربا ومتعجبا ومتسائلا أن كنت سأنام أم سأتناول القات فأبلغته بأني سوف أخزن وأواصل السهر حتى الليل لأن هناك شخصان عزيزان سيأتيان لزيارتي هما ألولد هشام التركي خطيب أبنتي والدكتور أحمد القباطي الصديق الذي قضيت معه ومع أصدقاء أخرين في سوق الجملة أيام وشهور في بداية الحرب والعدوان ..عنده أصر زميلي على أقاسمه الغداء الحاصل وبالقوة وبعد إيمان مغلظة أطلقها وهي إيمان كافية لأن أبرها وأن القيت بنفسي من نافذة الغرفة في الدور السابع للفندق ..؟!!
وفعلا قاسمته غداءه على مضض إذ لم يكن في النفس رغبة للطعام وثمة هواجس مركبة ومتداخلة انعكست على كل مشاعري وتفكيري لم أجد لها دافعا ماديا محسوسا يمكن أن أجزم بأنه سبب تلك المشاعر ولكن هذا ما حدث فعلا ..
وقبل أن أختم حلقة اليوم أود التأكيد بأن طوابير السيارات والمتورات أمام المحطات امتدت من صنعاء إلى تعز مرورا بكل المحافظات والمدن والمناطق التي مرينا بها في ذات الوقت شاهدت طوابير بائعي البترول من معمري السوق السوداء بدورهم ينتشرون على امتداد ذات المسافة التي عنونت مسار الرحلة وفي تعز كانت الدبة البترول 20 لتر تسعر ب 14000 ألف ريال ..؟!!
يتبع…