- كتب: زكي حاشد
العالم سوف يبدأ الحديث عن معان وجودية جديدة، بمعنى أن الأديان والمعتقدات والفلسفات سوف تبدأ بالحديث عن معنى الإنسانية ومعنى الحياة. لأن الناس بدأت تتساءل عن كيفية التعايش مع هذه المسألة دينيا، أو حتى إنسانيا.
تياران في العالم سيطرا على الإنسانية في كل الأزمات الكبرى؛ وهما التيار الإنساني والتيار المادي، التيار الإنساني كان يضع الإنسان -كل الإنسان- في مقام المساواة الإنسانية الدائمة مع بعضهم البعض، والتيار المادي يعتبر أن الإنسان القوي هو وحده جدير بالحياة وأن الضعيف إن مات فهذا منطق الطبيعة، منطق ‘البقاء للأصلح’، وهذا مبني على المنطق الدارويني المادي البحت المجرد.
وقد رأينا ذلك في نظرة هتلر وستالين إلى البشر، كان الضعيف يقتل، كما رأيناه اليوم في كوريا الشمالية عندما قتلوا الضعفاء في المستشفيات كي لا تتكفل الدولة بعلاجهم، وكانت إيطاليا التي بدأت عهد النهضة Renaissance في أوروبا، قد نشرت وثيقة لمركز SIAARTI فيها توصيات للأطباء بأن تمنع المريض الذي يزيد عمره عن 65 سنة بالدخول للمستشفى، حتى لو كانت لديه أعراض سيئة أخرى غير فيروس الكورونا “فيترك ليموت” وذلك بسبب الأعداد المحدودة جدا من أجهزة التنفس الصناعية،ه ذه التوصيات جاءت لتساعد الطاقم الطبي على فك المشكلة الأخلاقية التي سيواجهونها.
هذه الإشكالية الإنسانية طرحت في كل الطواعين، فقد قرأت في كتب التاريخ عن الطاعون الذي اجتاح أوروبا، بأن السلطات كانت تأمر بإغلاق بيوت المرضى عليهم عندما يعلم أن فلانا قد مرض، يغلق البيت بالطين والحجارة على المريض لكي يموت ولا تنتقل العدوى منه، فيبقى ميتا داخل بيته، فبالتالي ثقافة أن القوي ينبغي أن يعيش وأن المريض الضعيف ينبغي أن يموت ثقافة مادية بحتة انتشرت في القرون الوسطى والآن نراها تنتشر مرة أخرى في بعض الدول الأوروبية، وهذا مناف تماما للنظرة الأخلاقية الإسلامية، التي ترى أن من واجب الإنسان أن يقوم على شأن الضعفاء وكبار السن، واعتبر أن البر بالوالدين على سبيل المثال قرين بالإيمان بالله سبحانه وتعالى، هذا بعيد جدا عن منطق المادية الذي نراه الآن في مختلف أنحاء العالم، النزعة الإنسانية والنزعة المادية ستتبارزان، والجدل بينهما سوف يحتدم.
- الحاجة إلى تجديد الخطاب الديني
دور الدين بمفهومه التقليدي الموروث سوف يضعف، لأنّ الأديان عموما خاصة المسيحية واليهودية وحتى الإسلام بشكله التقليدي قد لا يجيب على بعض الأسئلة التي سيواجهها الناس في المرحلة القادمة، وهذا سيفاقم من حاجة الناس إلى خطاب ديني أقرب إلى عقولهم وإلى قدرتهم على التفاعل مع هذا الواقع وعلى هضم التغيرات الكبرى التي ستعصف بالبشرية في السنوات القليلة القادمة، ولذلك فالحاجة إلى خطاب ديني يرتقي بالإنسان إلى مستوى أعلى من المستوى الحالي حاجة ملحة كبرى. وربما سيرى فيها المسلمون فرصة لتجديد خطابهم من خطاب تقليدي تراثي يبحث في كتب التراث والتاريخ إلى خطاب عالمي إنساني قائم على القيم وروح العصر المتجدد، ويستطيع أن يقدم نموذجا حضاريا جديدا.