- محمد ناجي أحمد
ينتقص الباحث من دور الرئيس عبد الله السلال ،مع أن الدور المحوري في إنجاح الثورة منذ أن وافق بشجاعة على استلام دفة القيادة صباح الخميس 26سبتمبر اعتمد على مباشرته أمور القيادة باقتدار ،وأمر بفتح قصر السلاح ،لتزويد الثوار بالذخيرة والسلاح بعد أن كادت تنفذ ذخيرتهم، ثم استمراره الثابت والمبدئي في قيادة الثورة ،وعدم مهادنته للملكيين والإماميين وقوى المشيخ ،وبأفق وطني ثوري جمهوري وحدوي عروبي، فقد عمل على تعيين قحطان الشعبي في وزراة شئون الجنوب اليمني في أول حكومة للثورة، الخ.
،كل ذلك من السمات المميزة للرئيس عبد الله السلال ،الذي تميز بحزم القائد وروح المفرقات التي تمزج الفكاهة بالجدية…
ينحاز الباحث لحمود الجائفي باحثا عن مبررات لرفضه تسلم زمام القيادة يوم الثورة رغم علمه بساعة الصفر قبلها بيومين،رغم وضوح وشيوع السبب والذي يعود إلى ضعف الجائفي وتردده وخوفه من أن تفشل الثورة فتطير الرقاب، لهذا عندما وصل إلى مقر القيادة في الكلية الحربية متأخرا بعد نجاح إسقاط النظام المتوكلي ، التقاه علي عبد المغني وهو داخل إلى مقر القيادة فقال له: الآن يا حمود؟بمعنى الآن أتيت بعد نجاح تفجير الثورة!
ولم ينسها له حمود بل ظل يحذر السلال من الطموح القيادي لعلي عبد المغني…
بروح استشهادية وصل عبد الله السلال إلى مقر القيادة في الكلية الحربية، وسأل الضباط الذين تواجدوا هناك إن كان الجميع مستعدا للموت من أجل الثورة والجمهورية فأجابوه :نعم. فقال إذا على بركة الله؛ أو بما معناه لأنني هنا أسرد فحوى حواره معهم…
لكن الباحث ينحاز لشخصية حمود الجائفي ،بل ويتحدث عن دور له في حصار السبعين يوما ،بالرغم من عدم وجود دور محوري له في القيادة أثناء ذلك الحصار، الذي كان معركة حياة للجمهورية أو موت لأبطالها، ومن هنا كان شعارهم (الجمهورية أو الموت).
تردد وضعف حمود الجائفي صفات ملازمة له لكنها تنقلب عند الباحث إلى عكسها ،ويتم لصقها بالرئيس عبد الله السلال!
في مذكراته وصف الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر ،وكان صادقا ومصيبا في وصفه لحمود الجائفي بأنه ضعيف ومتردد ،وذلك حين راهنوا عليه في 29ابريل 1964م ليكون رئيسا للوزراء. في محاولة منهم لموازنة سلطتهم في مواجهة السلال ،لكنه أثبت فشله وضعف شخصيته ،فلم يستمر في رئاسة الحكومة سوى ثمانية أشهر تقريبا؛ أي إلى 6يناير 1965م.
يبخس الباحث الدور التحرري لشاعر الحرية محمد محمود الزبيري ،ويصف دوره وجهوده هو والقاضي عبد الرحمن الإرياني والأستاذ أحمد نعمان بأنهم ثورة مضادة في خدمة السعودية، مع العلم أن اغتيال الشهيد محمد محمود الزبيري تم بقرار سعودي، وبتخطيط وتنفيذ الأمير محمد بن الحسين، وبأياد من ذي حسين ،كمنت له في الطريق، أثناء مغادرته لذي محمد بعد إصرار الشيخ الشائف على استضافته في ذي حسين !
وقد تم اعتقال القتلة ووضعهم في سجن (مهلهل ) بخارف ،وهو سجن قُدَّ من جبل ويصعب على أي كان الفرار منه إلاَّ بإرادة ممن السجن تحت نفوذه وإمرته، وقد كان ذلك السجن تحت نفوذ الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر ،وقد قيل عن فرار قتلة الزبيري من سجنهم بأن الأمير محمد بن الحسين وزع ذهبا على الحراس ففروا مع القتلة! وباعتقادي أن التفسير الصحيح هو أن الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر غلَّبَ العلاقات القبلية مع بكيل على عواطفه تجاه الشهيد محمد محمود الزبيري، ولهذا فالقاضي عبد الرحمن الإرياني في مذكراته ،حين تحدث عن قتل الزبيري وفرار قاتليه ،قال :يسأل في ذلك الشيخ عبد الله!
ومع ذلك نجد الباحث يتواطأ عن طريق الصمت مع الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر ،وعن طريق التلميح والتصريح حينا آخر، ولا يرعوي في كيل الاتهامات للقاضي عبد الرحمن الإرياني ومحمد محمود الزبيري والأستاذ أحمد نعمان!
يرى الباحث أن محمد محمود الزبيري قاد “حركة خطيرة معادية للنظام الجمهوري ، مستغلا تاريخه السابق في المعارضة ضد النظام الإمامي الذي أعطاه غطاء وطنيا لم يستطع أحد التشكيك فيه. وبالفعل فقد نجح في تشكيل تيار سياسي عرف بتيار خمر 1965 والذي قدم مقترحات تعمل على تفريغ النظام الجمهوري من كل مبادئه . وقد تمكن هذا التيار فيما بعد انقلاب أغسطس 1968 من إفراغ النظام الجمهوري من محتواه التقدمي وتمت المصالحة مع الملكيين”ص271.
إن المطلع على مؤلفات الشهيد محمد محمود الزبيري وإيمانه بثورة يمنية تقوم على سواعد اليمنيين دون أن يعتمدوا على دولة أخرى، خاصة بعد التجربة المريرة التي عانى منها الزبيري والحركة الوطنية بعد فشل حركة 1948 ورهانهم على الخارج، وما منيوا به من خذلان وخديعة- يمكن له أن يتفهم موقف الزبيري من الدور المصري في اليمن، فصدق وإيمان الزبيري وتمسكه وإخلاصه لنهجه في دعوته للسلام بين اليمنيين ،كل ذلك جعل حركته وتواجده وسط قبائل بكيل يشكل خطرا على الملكيين والسعودية في آن فسارعوا لقتله في (برط)!
إن ما يتميز به الزبيري من صدق وزهد وبساطة وتقشف في العيش وروح ثورية صوفية متماهية عشقا مع الأرض والإنسان اليمني ،وتمسك بالمنطلقات التي آمن بها ،كل ذلك يجعل حكم الباحث عليه بأنه ” تبنى علنيا للمقترحات السعودية بإقامة دولة إسلامية في اليمن، وضرورة المصالحة مع بقايا النظام الإمامي” حكما فيه الكثير من الحيف والتخلي عن الموضوعية العلمية في ضرورة الفحص والتأني في إصدار الأحكام التي تنزع الوطنية من هذا وتعطيها لآخر دون مسوِّغات وحيثيات!
يزعم الباحث أن مركز الدراسات والبحوث اليمني أسهم في طمس دور حركة القوميين العرب في ثورة 26سبتمبر .وهو قول ينقضه العديد من الندوات والأبحاث والكتب الصادرة عن المركز بخصوص مسار الحركة الوطنية وقواها، والتي مثلت لنا زادا مهما في معرفة وجلاء دور حركة القوميين العرب وغيرها من القوى والحركات السياسية في الثورة اليمنية 26سبتمبر و14 أكتوبر و30 نوفمبر الجلاء والوحدة، والثاني والعشرين من مايو 1990.
فدون تلك الجذور الوحدوية والقومية التي غرستها حركة القوميين العرب في حكام الشطرين ما تحققت وحدة 22 مايو 1990.
لم يكن موقف عبد الله باذيب الإصلاحي تجاه المملكة المتوكلية سببه الولاء لها كما يزعم الباحث ،وإنما أولويات الكفاح ضد الاستعمار تقتضي دحر الاستعمار أولا، هذه هي المنطلقات الثورية وألوياتها التي ميزت وعي باذيب ،وحين قامت ثورة 26 سبتمبر ، كان أول من وضع مشروعا نظريا للتحول الوطني والإصلاح الوطني نشره في الصحف عام 1963،ثم أعاد نشره في صحيفة الأمل عام 1965. وانخرط في تأييد الكفاح المسلح الذي قادته الجبهة القومية لدحر الاستعمار ،وتعرض للموت بإلقاء قنبلة علة مسكنه ،وإحراق مقر صحيفته!
يزعم الباحث في تلميح غير برئ أن “الشخصية القوية لعلي عبد المغني كانت محل خوف القيادة المصرية من أن يكرر عبد المغني دور عبد الناصر في الاستئثار بالسلطة ويتخلى عن مصر بعد أن يستتب له الأمر في اليمن”ص262.
أما نفي الباحث القطعي لأي لقاء مباشر بين علي عبد المغني والرئيس جمال عبد الناصر فهناك مشفاهات تؤكد ذهابه إلى مصر عن طريق ميناء الحديدة ،وعودته سرا، وهو طرح يظل من المشافهات التي لم تتعزز بوثائق مصرية تدلل على ذلك.
يحدد الباحث وفاة الإمام أحمد (20)سبتمبر 1962، والثابت أنه في يوم 19سبتمبر 1962.
يرى الباحث أن تنظيم التجار وحلفاءه من حركة الأحرار قرروا تنفيذ الانقلاب على الإمام أحمد في يوليو 1962م في تعز، لكنهم تراجعوا لعدم اكتمال التجهيزات، ولم يكن تنظيم الضباط الأحرار معنيا بما قررته تلك المجموعة.ص264. وإن كان هناك إجماع من أن الثورة كان مقرر لها أن تقوم في تعز ،وقد بدأ تنظيم الضباط الأحرار بنقل الأسلحة إلى هناك، ثم حين تأجل قيامها ،وتقرر قيامها في صنعاء تم إعادة نقل الأسلحة مرة أخرى إلى صنعاء.
وأما بالنسبة لما يصفه الباحث بتنظيم التجار، فالتنظيم الذي كان يقوده عبد الغني مطهر كانت خلاياه من الضباط والمثقفين والتجار والمشيخ والقضاة، ولم يكن تنظيما فئويا مخصوصا بشريحة من الناس، لكن ذلك يأتي ضمن إصرار الباحث على السير في طريق الانتقاص من دور عبد الغني مطهر ، وإظهاره بصورة المخبر الذي يكتب تقاريره للمخابرات المصرية ،دون أن يتم الحديث بين التخطيط للثورة والتواصل مع المخابرات المصرية كونها هي المختصة بدعم حركات التحرر العربي في اليمن وليبيا والجزائر إلخ، لكنه ضيق أفق الباحث وكيديته في النيل من رموز الثورة اليمنية في آن!
وعلى ذات نهجه يستمر الباحث في النيل من الرئيس عبد الله السلال تلميحا وتصريحا وتضمينا، فهو يرى أن خروج تنظيم الضباط الأحرار من صنعاء إلى القتال في الميادين والجبهات لمواجهة الملكيين “بدافع ذاتي أو بتآمر من السلال-رغم عدم ترجيحي لهذا الرأي” قد أدى إلى فراغ السلطة من قوة منظمة تدير البلاد.ص268 . وعدم ترجيح الباحث لتآمر السلال ،فإن ذلك لا يخفى لدى القارئ من أن طرحه لرأي مرجوح يتراكم مع الموقف السلبي العام الذي ينطلق منه الباحث تجاه عبد الله السلال، وكأن المسألة إثبات ولو عن طريق المرجوح!
ومع ذلك فإننا حين نناقش رأي الباحث فيما يتعلق بفراغ السلطة من قوة منظمة تدير البلاد ،يغيب عنه أن الحجم العددي لتنظيم الضباط الأحرار ،والذي لا يتجاوز المائة ،من اللجنة القيادة والقاعدة والتأسيسية والخلايا الأساسية والخلايا الفرعية لا يتيح لتنظيم الضباط الأحرار التفرد والتحكم بالسلطة، علما بأن قوى الأحرار اليمنيين بتحالفهم مع المشيخ وعدد من الضباط لديهم حضورهم ونفوذهم ،مما يجعل القياس على تفرد تنظيم الضباط الأحرار بمصر بالثورة والدولة قياسا خاطئا لأنه قياس مع الفارق ،والباحث وإن يصرح بهذا القياس لكنه بفحوى الخطاب قائم في الأذهان! فعدم وجوز جيش يمني نظامي بالحجم الذي يساعد على التحكم بالثورة والدولة ،وكون القبائل يشكلون (جيشا برانيا) تحت إمرة مشايخهم ،كل ذلك يجعل تعليل الباحث غير منطقي وغير موضوعي وفقا للظروف والتكوين السياسي والاجتماعي في اليمن!