- د. أحمد حمود المخلافي
تعريف:
الوعي الواعي: هو الوعي الواعي بنقصه، والذي لا يرى اكتمالاً في ذاته، بل يواصل رحلة المعرفة الأبدية.. أما الوعي الناقص: فهو الوعي الموهوم باكتماله، والذي لا يرى نقصاً في ذاته، ويقفل باب المعرفة، أو يكاد.
تمثلات الاختلاف بين الوعيين:
أولاً- وعي الرحلة، مقابل وعي الوصول:
الوعي الواعي ينتقل من مرحلة وعي إلى أخرى في رحلة، من البحث الدائم، لا تنتهي.. أما الوعي الناقص فيظن أنه “وصل”، وأنه يمتلك الوعي المطلق والمغلق.
ثانياً- وعي السندباد، مقابل وعي السكون:
السندباد هو الباحث المستمر عن الجديد، الشغوف بمعرفة الناس والجهات، المنطلق بلا بوصلة، يتلذذ بالاكتشافات الجديدة.. وعلى الضد منه وعي السكون، المتجمد، المتشكك من الآخرين، المكتفي بالوعي الموروث والمنقول في مكان سكونه.
ثالثاً- وعي الحرية، مقابل وعي القسرية:
في الوعي الواعي الحرية هي قلب الحياة والكون وهي الاختيار، ولا مهادنة في ذلك.. أما في الوعي الناقص فالقسرية جزء منه، والاستسلام لها والانقياد وراءها لا حيدة عنه، وهذه القسرية هي التي تقود في نهاية المطاف إلى إغلاق الوعي وإنهاء الرحلة باكراً بزعم الوصول.
رابعاً- وعي الماضي والتواريخ المتعددة، مقابل وعي التاريخ الواحد:
وهذا الاختلاف في غاية الأهمية، لأنه يفرق بين الماضي والتاريخ.. الماضي: هو ما حدث فعلاً وواقعاً في الماضي.. أما التاريخ: فهو ما كتبه أشخاص عن الماضي، ويتضمن انتقائيتهم، وتفسيراتهم، واختياراتهم، وانحيازاتهم.. نحن لا نعرف الماضي.. نعرف فقط، التاريخ أو بالأحرى التواريخ.
ولهذا فإن كل أمة أو جماعة لها تاريخها الخاص، أو قولبتها الخاصة للماضي التي تدعم حاضرها.. وعي الماضي والتاريخ مركزي، لأنه يفتح بوابات الأسئلة العريضة والشك الإيجابي في كل ما وصلنا، ويسهل علينا الولوج للأنسنة.
خامساً- وعي الأنسنة، مقابل وعي الانغلاق:
وهنا يتمدد الوعي الواعي إلى ما بعد الذات، إلى الآخر، ويستكشف فيه الجِدة، ومساحات التشارك الإنساني، بعيداً عن التراتبية الثقافية أو الإثنية أو الدينية.. مقابل ذلك يتكلس الوعي الناقص عند حدود الانغلاق، ولا يعني ذلك عدم التواصل مع الآخرين، بل يحدث رغم التواصل.. الانغلاق هو حالة ذهنية تفترض الفوقية والتفوق على الآخرين سواء صراحة أو استبطاناً.
سادساً- وعي الجمال، مقابل وعي الحكم المسبق:
وفيه يبدو الوعي الواعي منحازاً للغوص في الجمال الكامن في الأشياء والناس والحياة.. وعي الجمال يوسع أيضاً، نطاق الأنسنة، ويخفف من صدام المعياريات والثقافات المغلقة على ذاتها.. على الضد من شهوة الوعي الناقص بإطلاق الأحكام وفق معياريات مُسبقة الصنع ومتحفزة للتقييم.
سابعاً- وعي التموج، مقابل الوعي الخطي:
وعي التموج هو السير “نحو المستقبل” في منحنيات ودوائر تستكشف الجوار وتبدع في كل الاتجاهات، ولا تقع فريسة الوهم الخطي (الغيبي منه والحداثي).. معلناً التمرد على الأفكار الخطية الحاسمة، والحتميات، والسرديات “التاريخية” المتبجحة بامتلاك أسرار الماضي وحسم خيارات المستقبل.
ثامناً- وعي الرمادي، مقابل وعي الأبيض والأسود:
وعي الرمادي: هو الإقرار بأن هذا الرمادي هو الأكثر اتساعاً في الحياة والأفكار والممارسات والماضي والحاضر والمستقبل.. اليقين بالرمادي، يوفر علينا الكثير من الدم والصراعات، ويعلي من نسبية “الحق”.. بينما وعي الأسود والأبيض، تبدو صعوبته عند تجسده في الواقع والممارسة، نظراً لإغواء ثنائيته.. هل معنا، أم ضدنا؟!.. أنا الصواب المطلق، وأنت الخطأ المطلق!!!.. وهكذا.
تاسعاً- وعي البحر، مقابل وعي النهاية:
إنه التأمل في البحر، في أسراره، في كينونته، في صوته، في لونه، في أمواجه التي تتلاحق وراء بعضها وتنهي رحلتها الميؤوس منها على الشاطئ، حيث تنتحر بفرح هناك.. ذلك يعني الامتداد واللانهاية.. وذلك كله يعني التضاد التام مع وعي النهاية، ووعي إغلاق الملف.. إنه وعي ابقاء كتاب الحياة الزاخرة مفتوحاً على كل الاتجاهات وكل الاحتمالات.
- بتصرف عن: (خالد الحروب)