- عبد الرحمن بجاش
أتذكره جيدا ، جسده المتين ، وضحكته المدوية ، وقدرته على حمل كل ثقيل بدون اي تردد …
كنا كلما حنبنا في المخبز لحظة أن نكتشف عدم وجود دقيق ، من تلك الأكياس ” أبو طربوش ” ،والسيارة تكون مشغولة توزع الروتي ، فلا ينقذنا سوى العتمي ، اصيح : ياعتمي ، ايوه ياعم ، :عند الله وعند ك كيس ابوطربوش من باب السلام عند السنجم ، والكيس يعادل كيسين من الدقيق الابيض …
دقائق والعتمي قد عاد محملا على ظهره الكيس : ياعم أين أضعه ؟ – بجانب المعجنة ، وامنحه خفية ضعف مايطلب …ذلك جعله يطلق علي لقب ” الريس” ، هكذا ينطقها مثل اخواننا المصريين ، لا أدري لم أنطبعت تلك الصفة بالذات في ذهنه ، وكلما ألقاه : انا أفدي الدين حقك ياريس ، فيكون علي استيعاب الرسالة …
ذلك العتمي كان من أجمل خلق الله ، كان صاحبي للسنوات كلها في المخبز ..لا أنساه أبدا …تركت باب اليمن إلى عالم آخر يبدأ من مستودع الشرق الاوسط ..
كانت السفارة البريطانية أيامها في بيت الحوثي نهاية شارع القصر…
ذات نهاركنت أمر راجلا ،وإذا بصوت يقطع علي لحظة صمت شخصية ويصل إلى سمعي وسط حركة السيارات والناس : ياريس ياريس ، يا عبد الرحمن …عرفته ،لم تكذب أذني خبرا، هو بشحمه ولحمه بعد سنوات ، يمد يده ، هي اليد التي أحبها الله ورسوله ” اليد العاملة ” : أين أنت ؟ التقى السؤال في الوسط : قدنا اشتغل ياصاحبي مع السفارة البريطانية : “قد اعطوني بيت صغير ، رحت إلى البلاد جبت الجهال وجيت ، قدنا شاقع ريس مثلك ” …، قلت : و أحسن مني ، لا ..قالها مشتيش اقع أحسن منك ، قدنا اشوف صورتك بالجريدة ،واصيح : هذا عمي عبده ، والريس ؟؟!!, – قسما إنني أقول لهم هذا ريس ….
مسكني جانبا وراح يشرح لي كيف يعاملوه ، وكيف هم طيبين …، طيب أيش الشغل ؟ ، – ياريس الحديقة علي ،وأي شيئ يحتاجوني لا أتأخر…وراح يستعرض بدلته الجديدة …
أسألك بالله تكون تجي تشوفني …
حاضر ، وظليت بالفعل أمر وأساله عن حاله ، لأكتشف أن الشارع كله يحب العتمي…
ياالله ما أجمل ملامح الطيبين ، كان يكلمني ووجهه يتلألأ فرحا ….
مرت في النهر مياه كثيرة ، لا أدري أين صاحبي العتمي ، الرجل الذي يأكل لقمته الشريفة من عرق جبينه …
أين ذهبت به الأيام ؟ هنا السؤال ….
لله الأمر من قبل ومن بعد .