- محمود ياسين
عشر سنوات فيما أظن بين مغرب بيروت جوار معرض الكتاب هذا وبين صنعاء الآن ، أتملى الظلام خارج المكان الذي تباع فيه روايتي ، حكايتي عن اليمن الذي يحاول أن يبدو وجوديا وحداثيا ، يحاول ذلك إثر قات ، يتعرق ويحرك عينيه في الزوايا ويروي ، يروي أثناء الهواجس محاولا تحويلها لمروية جديرة بالولع ودهشة الاكتشاف ،
كنت خارج معرض الكتاب هذا قبل عشر سنوات أسمح لمحتال بيروتي أن يسرق مني مائة دولار مقابل تذكرتين وهميتين لي ولنايف حسان لحضور حفلة فيروز ، مع أنه مامن حفلة وكنا نعرف أن فيروز مريضة أيامها ، لكنني وصلت بيروت وأنا أحاول أن أبدو فيروزيا بطريقة ما ، أغني ” كيفك انت ” و” بحبك يا لبنان ياوطني ” لقد باعني الوهم الذي كنت ابحث عنه لتكتمل شخصيتي الثقافية في بيروت ،
كان شتاء ، وكانت ماسحات زجاج السيارة تمنحنا ذلك الإيقاع لألحان الشتوية ولكن بدون مؤثرات ، بينما البيروتيات يجبن الأرصفة بدون مظلات ولا عشاق ، شأن صديقي جمال جبران هناك الآن وهو إما ذاهب إلى المطار أو عائد منه يودع ويستقبل وفي أعماقه رغبة بإيمائة من مطار صنعاء.
لم أكت قد كتبت تبادل الهزء أيامها لكنها كانت تتخلق في ذهني وأنا التقط روائح أنوثة مدينة باهضة تمنحك مسافة ما من أصداغ فاتنة تعمل في مطعم وجبات سريعة وتبقيك بمنأى عن هبات رومانسيات السبعينات ، زمن السخاء البيروتي قبل الحرب ، أيام ماكنت أردد من صقيع ليالي الدنوة” ياه ياه يا شوارع بيروت الحرب اليومية ” ، وفي بيروت كانت ديانا مقلد قد انجزت وثائقيا عن المتبقي من الحرب ، وخلصت إلى أن الجميع شارك في الحرب بما في ذلك الأمهات ، وسألت أباها بعد مضي السنوات : أبي لماذا لا تزال تضع مسدسا تحت مخدتك ؟ .
وها أنا في صنعاء وبيروت في بيروت وحكايتي هناك أيضا ، تتجول في المعرض ، عاطفة يمنية متأرقة بودها لو تحضر حفلة أخيرة لفيروز .
انتهيت من روايتي عن الحرب ” على حافة الكأس ” ولم تنتهي الحرب ، ولا أعرف إلى متى سأحتفظ بالمسدس تحت مخدتي.
- الصورة من محمد القاعدي هذا المثقف الذي يتتبع حكاياتي في العواصم