- ماجد زايد
أسف بحجم جروحنا وخوفنا وأوجاعنا المتكررة رغمًا عنا، بحجم هذا العالم بينما يشاهدنا منذ سنوات ولا يحرك ساكنًا، بحجم من يتمنى زيارة أو سياحة ذات يوم في أراضينا وجبالنا وقرانا المكابرة..!
أسف جدًا با رفيقتنا وخيالنا المبتسم بجروحه وأحلامه..!
أسف لأننا لم نخبرك الحقيقة..
لأننا تركناك لمصيرنا ولموتنا المصنوع لنا نحن فقط.
أسف أكررها بقلبي، وأعيدها من قلبي عن قبح الف خائن وجبان.
هكذا يبدو بلدنا كل عام يا يارا..
هكذا نحن وهكذا يبدو شكلنا وحياتنا، الموت والخوف يغشى كل شيء حولنا، وحين يأتي الصباح يكون متفاءلًا ويتمنى القدوم إلينا، لكنه لا يلبث كثيرًا حتى يعود بشكله الميؤوس منا..
أسف يا يارا..
أقولها بوجع وغصة كأن الحياة هنا جدارًا كان بعج بالحياة ثم سقط..
ولقد سقط كل شيء يا رفيقتنا.
أسف يقولها الشعب اليمني عن بكرة أبيه، هذا الموت ليس منا، وليس من عاداتنا، ولم نخلقه بإرادتنا، لقد صنعه الأوغاد فينا، وذهبوا يتقاسمون تفاصيله من دماءنا، لقد أهلكونا وأعدموا رغبتنا في البقاء أكثر، لقد جعلونا عالة على أنفسنا وبيوتنا، عالة تائهون بلا أمل، وبلا عمل، وبلا غاية ولقمة عيش أو وطن.. مجرد قطيع يموت كل يوم من الحرب والجوع والخدلان والكثير من الموت المصنوع بعناية بالغة الدهاء..!
لم يكن -هذا الوطن- وطننا..!
ليس هذا ما يجب أن تعرفينه عنا.. ليس كل شيء عن حياتنا أو شكلنا، ليس سوى قبح الأوغاد منا، الأوغاد الملعونين بينما يحولون حياة الملايين هنا الى لعنة لا يمكننا التخلص منها، أنا لا أدري حجم العار والعار والعار الذي صنعوه لأنفسهم بالتآمر علينا..؟!
كان وطننا جميلًا يا يارا..
كان برائحة البن والياقوت، كان سعيدًا وبهيًا ويشبه شكلنا البسيط في ملامحة المتلهفة للحياة والسعادة، كانت الدنيا في سلام ووئام، كان العالم يعرف عن بلادنا ذكريات السياحة والسعادة والطيبين، كان الجميع يأتون إلينا من كل الدنيا، كانت قرانا مزارًا للمتجولين الهاربين من ضيق العالم وشقائه، كان الجميع يهربون الى سعادتنا صدقيني، ويتجرعون منا سعادة لا تكاد تنتهي بقية حياتهم، كانوا يرقصون في حضرتنا، ومن لا يجيد الرقص يتعلمه من طريقتنا، كانوا يتحدثون عنا للعالم بعد أن يغادرن، ليأتي الأخرون بعدهم متلهفين لكأس بن وإرتشافة حياة، كان الجميع منهم يغادرون ثم يعودون، لم يكونوا يستطيعون نسياننا، كنا نبتسم للجميع، ونرحب بالجميع، ونطعم الجميع، ونفرح مع الجميع، كانت قرانا المعلقة في الجبال البعيدة مزارًا للسعادة والحياة، كانت جميعها تتحدث لغات العالم بحذافيرها، كنا نحب الحياة ونمنحها للملايين من العالمين، كتا شعبًا باعثًا للتفاؤل والأمل، لكنهم خانونا وخدعونا وأوقعونا في فخ المؤامرة والخداع ثم هربوا وتركوا الشعب يتجرع من خلفهم ألة الميليشيات، هربوا وزاد العار في ذاكرة اليمنيين عنهم وعن بشاعة تسليم كل شيء للميليشيات المذهبية، لقد صرنا قطعيًا من الميليشيات المتدينة والمنتقمة، هكذا صرنا بلمحة عين، وطرفة زمن، والتفاتت خائن وجبان لم ندرك ذلك حينها، لكننا تجرعناه يومًا بعد يوم من قلوبنا ودماءنا وحياتنا، وما زلنا نموت ونبكي على أطلال السعادة بينما تعود في ذكرياتنا وأحلامنا، أطلال الحياة بينما تعود في ملامحنا المكابرة للبقاء والعودة..!
أنا أسف يا يارا..أسف مجددًا ومجددًا..
أسف الف مرة.. أسف كل يوم.
لا أملك ما أصنعه غير الأسف والمزيد من الأسف، لقد بكينا الف عام من القهر والندم، أنا أسف الف عام بحجم ذلك القهر والندم المتجول فينا كل يوم..!
أسف، وخائف بعد كل شيء، أقولها بصدق.. خائف حقًا، لقد كادوا يقتلونك بلا سبب، ما بالك عنا وعن قيمتنا في الوطن، الجميع يحذرون الجميع من البقاء في اليمن، هكذا أصبحنا وأصبح واقعنا المشهود، عذاب لا يمكنه أن يذهب، أذا كان بلدك خطر على حياة المحميبن من العالم، فما بالك بالمنسيين فيه للأبد..!
أيّ مصير ملعون قد وقعنا فيه جميعًا..؟!
لا أحد منا يدري.. لا أحد..!!
العمر إنتهى ويمضي ونحن مجرد شعب خاسر، وكل يوم نتذكر فيه الأخرين، ثم نهرب، ونعود، وننسى، ونتساءل في نهاية عودتنا كل يوم.. كيف وكيف سيذهب هذا اليأس والخذلان ويعود الوطن؟! كيف سيكون مصير الخائفين والحالمين في هذا المكان الأخبر؟! هل ستتحقق أحلامنا ذات بوم؟!
لا أدري..
لا أدري حقًا يا يارا..
حسنًا يا رفقتنا، هل ستسامحيننا عن هذا الخذلان..؟! أرجوك سامحينا، ونعدك بشرف حياتنا، سندعوك ذات يوم لزيارتنا، ستأتين سائحة بهية في أزهى حلة، سعيدة بلا دماء أو صواريخ أو ندم، يومها سيسقبلك الأطفال بأزياءهم الفريدة، وفي أيديهم يحملون لك الكثير من الهدايا والحلويات، سنصطحبك لكل ربوع اليمن، لقراها وأريافها ووديانها وهضابها وجبالها العظيمة، وفي بيوتها ستتذوقين طعامنا ووجباتنا بنكهة الريف والنقاء والأمل، ستتعلمين الرقص، وتتزين بالفضة، وترتدين الفساتين المزينة بأيدي النساء المحترفات، ستكونين جميلة وبهية وذات رائحة زكية، وفي ملامحك حتمًا ستغرس عنا إبتسامة تدوم للأبد، إبتسامة تشبه حياتنا وأحلامنا وسعادتنا العامرة..!
نعدك بهذا يا يارا..
ستكونين أميرة لم تخلق بعد، أميرة جميلة في وطن السعداء المكابرين..
كل الحب يا رفيقتنا.. كل الأمنيات إليك بالشفاء والتعافي..
صدقيني،
الوطن عن بكرة أبيه يرجوك بقلبه وبشعبه وبروح الطيبين فيه..
كوني بخير لأجلنا..