- أميمة حسن شكري زيوار
تروي طوابع البريد اليمنية الكثير من الأحداث الهامة التي مرت بتاريخ الوطن إلى جانب ما واكبه من أحداث عربية ودولية. ومن أبرز مافي التاريخ اليمني، ثورتا 26 سبتمبر،1962م و 14 أكتوبر،1963م، فلا تمر ذكراهما كل عام إلا ويصدر لهما طابع أو مجموعة طوابع تذكارية تحتفي بانتصارهما.
إن المطلع على طوابع البريد اليمنية يجد أن “الجمهورية العربية اليمنية” بدأت في إصدار طوابع ذكرى ثورة 26 سبتمبر منذ العام الأول لإطاحتها بالحكم الإمامي ﻟ”المملكة المتوكلية اليمنية”(1918-1962م)–التي استمرت في إصدار طوابعها من الخارج، وفي عدد منها هجوم على الدول الداعمة للجمهوريين.1 ونجد طوابع تحتفي بذكرى ثورة 14 أكتوبر صادرة عن “جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية” التي قامت بعد جلاء الاستعمار البريطاني عن عدن في30 نوفمبر 1967م، وأصبح اسمها “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” في 1 ديسمبر 1970م.2 استمر إصدار طوابع بريدية تخلد ذكرى الثورتين عن”الجمهورية اليمنية” بعد تحقيق الوحدة بين شطري اليمن في 22 مايو 1990م، ولكن الطوابع الصادرة في ذكراهما قبل تحقيقها تمثل مادة تاريخية يمكننا من خلالها استخراج ما وقع من أحداث اليمن بعد قيام الثورتين، وما بُذل من جهود نحو إنجاز أهدافهما.
من ناحية أخرى، لا يخلو أمر هذه الطوابع من ورود بعض الأخطاء؛ الأخطاء اللغوية على وجه التحديد.
من الطوابع الأولى للثورتين التي وردت عليها ملاحظات هي ما صدر عن “الجمهورية العربية اليمنية” في الذكرى الثانية لثورة 26 سبتمبر؛ فعندما كُتبت بالإنجليزية فُهمت أنها “ذكرى الثورة الثانية لليمن”، مما أثار تساؤل عدد من القراء الإنجليز.3 وفي ذكراها العاشرة، نقرأ على الطابع “10m” أي استخدم حرفm بدلاً من حرفي الاختصار “th” الذي يلحق بمعظم الأعداد الأصلية، محولاً إياها إلى ترتيبية، أما الاختصار “m” قد يعني”مليم” أو “متر” إلخ .4 إلى جانب هذا توجد أخطاء متعلقة بالأرقام وباللاحقة “th” في عدد من الطوابع اليمنية.
في الذكرى الثامنة لثورة 26 سبتمبر، نجد مجموعة طوابع عن “الجمهورية العربية اليمنية” تحتفي بحدث آخر، ويتضح من عام صدورها 1970م أنه ما أُطلق عليه اتفاقية “المصالحة الوطنية”.5 بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م وإعلان “الجمهورية العربية اليمنية”، وقع اليمن في حرب طاحنة بين الجمهوريين والموالين لحكم الإمامة، واتسعت رقعتها لتشمل بعض الدول العربية والأجنبية داعمة ومؤيدة لأحد الطرفين.6 وقد طال أمد الحرب حتى بدأت بوادر السلام في عام 1969م، وجرت في عام1970م “المصالحة الوطنية” حول النظام الجمهوري. هذه “المصالحة” رمز لها ﮨ”المصافحة” في طابعين، وفي أحدهما وُضعت الأسلحة أرضاً، وكُتبت على جميع الطوابع “الوحدة الوطنية سلام وازدهار” لكن لم ترد ترجمة لها.
وفي العام التالي– أي 1971م– أصدرت “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” طابعين، ولكن هذه المرة للذكرى التاسعة لثورة 26 سبتمبر: في الطابع الأول شعار الجمهورية، النسر مفرود الجناحين، أحدهما هو علم “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” والآخر علم “الجمهورية العربية اليمنية”. وفي الطابع الآخر تظهر خارطة اليمن الموحد، وبسبب خطأ ما تم طبع كلمة “JEMEN” بدلاً من “”YEMEN، وهي وإن صحت بلغات أخرى إلا أنها لا تتسق مع سابقتها ومع ماورد في الطابع باللغة الإنجليزية. ويظهر أيضاً أفراد من الشعب رافعين العلم اليمني المعتمد بعد الوحدة بألوانه التي مثلت القاسم المشترك لعلمي شطري اليمن: الأحمر، الأبيض، الأسود، والمستبعد منه المثلث الأزرق ونجمته الحمراء، والنجمة الخضراء في علمي الشطرين. ولعام صدور هذين الطابعين دلالته التاريخية في اليمن؛ فبداية اتفاقيات الوحدة كانت في تعز في أواخر نوفمبر1970م حيث طرحت قیادتا الشطرين مبادئ وآليات إنجاز الوحدة بينهما.7
تبع هذ الخطوة اتفاقيات عدة لمتابعة الخطوات الوحدوية،8 وترافقت بمنجزات متعاقبة شهدها اليمن، ووثقتها معظم الطوابع البريدية. في الذكرى الحادية عشرة لثورة 26 سبتمبر، صدر عن”الجمهورية العربية اليمنية” مجموعة طوابع ﻟ”منجزات الثورة”، لكنها “ACHIEVEMENT” بصيغة المفرد بدلاً من الجمع في العبارة الإنجليزية. وفي ذكراها الرابعة عشرة،التي كُتبت خطأً “الرابعة عشر”– العدد الترتيبي لا يكون إلاّ موافقاً للمعدود في التذكير والتأنيث–نقرأ على مجموعة طوابع عدداً من منجزات الثورة، لكنها عندما كُتبت بالإنجليزية خالفت القاعدة التي تقتضي كتابة الأحرف الأولى من كلمات العنوان كبيرة؛ نذكر أبرزها sanaa university”” “جامعة صنعاء”. وقد تكرر هذا الخطأ في عدد من طوابع الأعوام التالية. وفي أكثر من ذكرى لثورة 26 سبتمبر، رصدت الطوابع أعمال ترميم المعالم التاريخية كأحد المنجزات، إلا أن بعضها حوى أخطاء مطبعية أهمها طابع الذكرى الثانية والعشرين الذي يوثق وضع حجر الأساس لإعادة بناء “سد مأرب” التاريخي، لكنه في العبارة الإنجليزية “MAREM DAM” “سد مارم”.
استكمالاً للاتفاقيات الوحدوية التي تعثرت لفترات متقطعة، عُقد “اتفاق صنعاء” في مايو 1988م، و تقرر بموجبه إلغاء النقاط القائمة بين الحدود وإقامة أخرى مشتركة مع حرية تنقل المواطنين بين الشطرين.9 لذلك نجد أن “الجمهورية العربية اليمنية” أصدرت طابعين في الذكرى الفضية لثورة 14 أكتوبر، وفي كلا الطابعين تظهر جنباً إلى جنب مدينتا صنعاء و عدن، ويخرج منهما أعداد غفيرة من الشعب اليمني، أما العلم فهو علم “الجمهورية العربية اليمنية” وقد ارتفعت منه النجمة الخضراء، وتعلوه حمامة ترفرف بجناحيها يحملان ألوان علم الوحدة اليمني. وفي هذه الذكرى الفضية صدر عن “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” طابعان يحملان فكرة مشابهه: في أحدهما، نرى العلم وقد ارتفع عنه علم الحزب الاشتراكي الأزرق بنجمته الحمراء، وفي طابع آخر نرى جموع من الشعب يرفرف فوقهم علم الوحدة اليمني.
ولكن حوت هذه الطوابع خطأ وضعف في طابع “الجمهورية العربية اليمنية” كان يمكن التعبير عن صيغة الإضافة دون الحاجة إلى تكرار حرف الجر of كما يلي:SILVER JUBILEE ANNIVERSARY OF 14TH OCTOBER REVOLUTION. وفي طابع “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”لحقت ‘s بالعبارة الإنجليزية14TH OCTOBER REVOLUTION للتعبير عن صيغة الإضافة وبعدها علامة الشرطة (–) مما أخل بالمعنى. والأخطاء الخاصة بصيغ الإضافة في اللغة الإنجليزية نجدها في عدد من الطوابع اليمنية.
هذه ملاحظات عنت لنا ونحن نطالع الطوابع اليمنية. وما وجدناه من أخطاء لغوية، التي تتفاوت درجة أهميتها، ورد مثلها في طوابع أخرى صدرت في ذكرى الثورتين، لكن يضيق المجال هنا عن إيرادها جميعاً. ووجدنا أن من الأخطاء مردها عدم الانتباه في العمل ومنها الأخطاء الإملائية، كأن تُكتب كلمة ينقصها حرف أو يُكتب بدلاً عنه حرف آخر، بينما نتجت بعض الأخطاء عن ضعف الكفاءة اللغوية كتلك المتعلقة بتركيب الجملة.10 وهناك من يرى أن ما يقع في الطوابع من أخطاء لا ينقص من أهميتها في بعض الأحيان، بل هي أخطاء لم تسلم منها حتى طوابع الدول المتقدمة، وتزيد قيمتها لدى جمهور هواة جمع الطوابع. وتحظى طوابع ذكرى ثورتي 26 سبتمبر و 14 أكتوبر بأهمية بين طوابع معظم دول العالم؛، فهي، إذا نحن استثنينا ما عليها من ملاحظات، تمدنا بلمحات من أحداث اليمن في أهم مراحله التاريخية.
المراجع والهوامش
- المقال جزء من بحث باللغة الإنجليزية للباحثة.
- في عدد منها هجوم على الدعم المصري للجمهوريين بعبارات مثل “العدوان الاستعماري المصري” أو “قوات الاحتلال الفرعونية”.
- وعن طوابع “اتحاد الجنوب العربي” (“اتحاد إمارات الجنوب العربي” عند الإعلان عنه في ١٩59م) الذي تشكل بتعزيز من بريطانيا من إمارات ومشيخات وسلطنات الجنوب (محميات عدن الغربية)، وفيما بعد مستعمرة عدن، يُذكر أنه أصدر طوابعه البريدية حتى 1966م، ومعظمها كان مشابهاً لطوابع الدول التابعة للإمبراطورية البريطانية. أما طوابع السلطنات القعيطية، والكثيرية، والمهرية (محميات عدن الشرقية)، ومستعمرة عدن التي كان إصدارها سابق للاتحاد فقد القت الضوء على دويلات اليمن في ظل الاحتلال البريطاني. راجع طلال سفيان، طابع البريد.. رمز للتحولات التاريخية والسياسية. على الرابط الالكتروني: https://laamedia.com/news.aspx?newsnum=1346
- انظر الرابط الالكتروني: https://www.stampcommunity.org/topic.asp?TOPIC_ID=15293&whichpage=16
- انظر الرابط الالكتروني: http://kpolsson.com/stamps/errors/yemen.htm
- “المصالحة الوطنية” أطلق عليها أيضاً “المصالحة اليمنية السعودية”. أنظر: أحمد جابر عفيف،المصالحة اليمنية السعودية، الموسوعة اليمنية، ط٢،
(صنعاء: مؤسسة العفيف الثقافية، و بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية،2003)، ج4،ص2696.
6.خاصة جمهورية مصر العربية إلى جانب الجمهوريين والمملكة العربية السعودية إلى جانب الملكيين. وانسحبت القوات المصرية من اليمن في 1967م. (المرجع السابق، ج4،ص2697). - يحيى بن حسين العرشي،’الوحدة اليمنية‘،في المرجع السابق، ج4،ص3140. ومحسن العيني،خمسون عاماً في الرمال المتحركة،(بيروت:دارالشروق،2001)،ص181-184.
- لمزيد من التفاصيل حول اتفاقيات الوحدة اليمنية، أنظر: يحيى بن حسين العرشي،’الوحدة اليمنية‘،في المرجع السابق، ج4،ص3140-3147.
- يحيى بن حسين العرشي، المرجع السابق.
- اما مسألة تعمد الأخطاء فهناك خبراء وهيئات مختصة لكشف مثل هذا التزييف. وكان أنيس منصور تحدث عن يمني تعمد أن يجعل في طوابع البريد أخطاء لغوية في الحروف حتى كشفت أمره الحكومة اليمنية، لكنه لم يذكر في أي عام حدث ذلك (أنظر أنيس منصور، هناك أمل: مقالات )القاهرة : دار نهضة مصر)،ص173.