- نجلاء القصيص
فجأةً وجدْتُ نفسي في الأربعينَ مِن العمرِ وحيدةً، أعاني أرقًا يكادُ يوصلُني لفقدانِ عقلي، وبعدَ صراعٍ لا ينتهى معه وهمومي؛ اتجهتُ إلى دفترِ مذكراتي، لتفريغِ وجعي بعيدًا عن أعين الناس.
شعرْتُ براحةٍ، وأنا أسردُ تفاصيلَ سري؛ لأني أعرفُ أنَّهُ لن يقرأَ أحدٌ ما أخطُّ على جدرانِ السطورِ الباكية.
ذاتَ نهارٍ اِلْتَقَيْتُهُ في دائرةٍ حكومية، كانَ فارعُ الطُّولِ، بشرتُُه حنطيّةٌ، يرتدي نظارةً، وملابسُهُ الرسميةُ تزيدُهُ جمالًا.
نظرَ إليّ مبتسمًا، مشيرًا عليّ بالجلوسِ ريثما ينهي عملَه.
أطرقْتُ ببصَري، شبكْتُ بينَ أصابعي وأثرُ الارتباكِ بادٍ على ملامحي، مرّتِ اللحظاتُ كأنّها دهرٌ.
أعادَ الأوراقَ التي كانتْ أمامَهُ إلى مكانِها، متوجّها نحوي بنفسِ ابتسامتِهِ الهادئة.
- بمَ أخدمُكِ؟
ردَدْتُ بهدوءٍ والملفُّ بيدي: - معاملةَ نقلٍ.
صَمتَ قليلًا، ثم تفحّصَ ملفي، وقبل وضعِهِ على دُرجِ مكتبِهِ، كانَ يتودَّدُني بكلامٍ لَمْ أسمعْ مثلَهُ مِنْ قبلُ..
ليوجّهني في الأخيرِ: - يتوجّبُ عليكِ العودةَ بعدَ ثلاثةِ أيام.
عدتْ إلى المنزلِ تاركةً ما تبقّى من روحي معه؛ فمُنذُ رأيتُهُ وسمعْتُ رقَّتَهُ، بدأتُ أتعافى من خوفٍ استوطنني منذُ أدركتُ الحياةَ، فقرّرتُ التوقفَ عن تعاطي كبسولاتِ القيودِ.
وصلتُ إليهِ؛ رآني بهيئةٍ مختلفةٍ بعد انقضاءِ المدةِ التى حدّدَها لإنجازِ معاملتي.
طلبَ مني الجلوسَ. أحسسْتُ بقربِِه، وضعَ يدَهُ على يدي؛ قمتُ مسرعةً كأنَّ شررًا صعقَني، هممْتُ بمغادرةِ المكانِ، تمكّن مِن منعي.
- ملفُّكِ أصبحَ جاهزًا.
- شُكرًا لك.
أغمضَ عينيهِ، وبعدَ صمتٍ، وتعرّق، قالَ: - أكرهُ النساءَ؛ فعلاماتُ الغدرِ مرسومةٌ على ملامحهن، فقدْ رأيتُ أمّي تُدخِلُ رجلًا غريبًا أكثرَ مِن مرةٍ في غيابِ أبي!.
يكملُ:
كنتُ صغيرًا لا أقوى على منعِه.
أتعرفينَ مَن يكون؟
وأغمض عينيه قابضًا بقوّةٍ على يدي، بعدَها أوقعني أرضًا، وقبل مغادرتي همسَ في أذني: - أبلِغِي والدَكِ تحياتي، فقدْ أصبحتُ رجلًا مثلَهُ تمامًا.