- كتب: نبيل الشرعبي
الانتماء إلى الوطن خالصا، يجبرك على التوقف بصدق مع حالات النزيف اليومي لهذا الوطن على الأصعدة كافة.. وهنا أختزل وقفتي هذه في مفردة من المجال الاقتصادي، وهي العملة المحلية. مثلما تعاني عملتنا من الاحتضار، فإننا نعاني كيمنيين نفس الاحتضار وقد يكون أقسى.
وحيال أخر محطة تراشق بعملتنا.. أي ما جرى تداوله من كم هائل من الأخبار عن استمرار البنك المركزي اليمني بعدن، من طبع مزيد من الفئات النقدية، وتعرض أخر كميتين من الكميات التي وصلت احداها إلى عدن والثانية إلى شبوة، وتعرضها لوضع اليد من المجلس الانتقالي والذي أجزم بسلامة ما ذهب لتبرير وضع اليد على الكميتين.
إلا أنه مهما كانت المبررات لوضع اليد على جانب من الدورة النقدية الرسمية من جهات غير محددة بقانون البنك المركزي وفي ظل صراع قائم، فأن النوايا وإن كانت معلنة بأنها للحفاظ على قيمة العملة، فإنه لا يقر بها العالم والسوق المصرفية والتعاملات التجارية والمصرفية وغيرها، وتكون نتيجتها آحادية سلبية، وهو ما كان يستوجب التعقل، من المجلس الانتقالي، لأن ما أقدم عليه وكما اسلفت الذكر مهما كان صائبا، فإن نتائجه قاصمة.
ولذلك كان الأولى ألا تحدث تلك الضجة، التي كان باعثها نزاع وتنازع بين أطراف سنحت لها الفرصة لصب مزيد من الزيت على النار، بل كان الأولى التنبيه العقلاني بأن ما حدث، ما هو إلا مجرد اجراء لحظي فقط، والتحفيز لإيجاد حلول مشتركة وناجعة تضمن تقريب وجهات النظر، وتضمن الحفاظ على قيمة الريال اليمني.
أيضا بدل التركيز على سلبيات وضع اليد على فئات نقدية ذات طبعة جديدة من العملة اليمنية، كانت في طريقها للبنك المركزي اليمني بعدن، كان لا بد أيضا من استحضار جانب النتائج السلبية الأخرى، منها: استمرار حكومة هادي في الدفع نحو مزيد من التضخم الكلي، والذي سينعكس سلبا على ما تبقى من مظاهر أنشطة اقتصادية وعلى عملة بلد منهك، وأسعار السلع والمواد الاستهلاكية.
وبكل مصداقية، خروج المنظومة النقدية من دائرة البنك المركزي اليمني، لتصبح في متناول كيانات ليست مشمولة ضمن قانون البنك المركزي، الذي حدد كيف تُدار الدورة النقدية، يفرز وضعا سلبيا يتلخص في تدمير ما تبقى من صورة شكلية للثقة بالقطاع المصرفي اليمني، وهو خطر للغاية، كون فقدان الثقة بالقطاع المصرفي اليمني الهش، ستؤدي نتيجته إلى إعادة النظر في حسابات قطاع الاستيراد والحسابات البنكية الخاصة بالحكومة اليمنية والجهات التجارية في الخارج، أما في الداخل، سيدفع القطاع المصرفي فاتورة باهظة، وستحل السوق السوداء بديلا عن السوق الرسمية. ناهيك على توفير السيولة لشراء السلاح خارج منظومة الدولة وإطالة أمد الصراع والاقتتال.
وأمام تعقد وتداخل العوامل التي أفرزت الوضع، صار الأهم يتلخص في الحفاظ على ما تبقى من رمق لعلمتنا المحلية، وهو أمر غير وارد في إطار التنازع الحاصل.. ولذلك فإنه وفي ظل وضع يزداد قتامة كل يوم أكثر، لم يعد يٌجدي غير أن تُشكل لجنة خبراء من ذوي الصلة والكفاءة بالقطاع المصرفي اليمني وغير محسوبة على أي طرف، وتٌوكل إليها مهام إدارة البنك المركزي اليمني، وفقا للقانون واللوائح والتشريعات المنظمة لهذا القطاع وعمل البنك المركزي، وتتوالى لجنة الخبراء هذه المسؤولية مع توفير كافة الضمانات لعدم التدخل في مهامها.
ومهما كان الامر قاسيا بأن لنا عملة واحدة بطبعتين، فإن منطق العقل يقول: لا بأس أن تكون عملة واحدة بطبعتين مؤقتا، وأن يكون الحل واحد.