- كتب: مرشدة جاويش
النص:
“ليليث”
يوماً سأكتب
– يا مدارات ارتحالي-
أن التمرد ثورة..
طافت على أرجائها صوري..
وحوريات أخيلتي..
وفي أحضانهن حملنه..
وجعي القديم
خوفي من الأعراف
ما وآرى حكايات الحنين
يوماً سأدرك –يا معذبتي-
سر اليقين
أصل البدايات الجريئة..
و اجتراح الحرف من بين النجوم
وأراك تنتصبين فوق الموجة الحدباء
أشرعة تعانقها السماء
ليليث..
يا لحن الأنوثة والتمرد في دمي
(هل غادر الشعراء) من زمن القصيدة؟!
أم تراه أساي يخنقني..
لترتجف الحروف..
بلحظة النزع الأخير
وأنا هنا..
قدر شقي..
سلبته أحزان الليالي..
أبجديات الرثاء
أهتف به..
“قدري الكسير..
إذا أفقت من الذهول..
فلا يهولك منظري..
فأنا بقايا ما تركت هنا..
فدعنا نستريح لكي نواصل سيرنا
عبر الفصول
حرفاً يعانق زهو عشتار الجميلة
نوراً خرافيا بهي الكبرياء
قمراً يرافقنا المساء
مسعد عكيزان
……………………………………..
في هذا الإبحار في عباب أبجدية أديب مبدع وناقد فذ لا نستطيع أن نسير وخطوات الحبر دون أن ننظر بعين فاحصة لكل دلالات الرمز والتورية التناصية وأيضا تلك المتوارية في توريات شمولية الفكرة فيتوقفنا تعبير (يا مدارات ارتحالي)
لنقف بعين اليقين أمام غربة في مفازة ذات لا تنفصم عن تغريبة في واقع حال ضبابي في رؤى تتماهى في منعرجات عطوف وطن
باستعمال ( يا) المخاطبة نحن أمام حوارية مع الغائب المجهول في معية رمزية تشي ولا تشي، فيصبح الوطن هو الغائب الحاضر يحيطه فكر سجين لا يمتطي درجات سلم الغد.
مع هذا الموروث الاجتماعي الذي يجثم على مناحي الحياة فتتقزم أمامه مفردات الأحلام، وتصبح مجرد همهمات لا تغادر قاع بئر الحنجرة، هي مرادفات تسير في خطوط متوازية ما بين الغبن الواقع على شعب محاط بأجندات خارجية ومعاول هدم داخلية وأعراف وقرت الضمير الجمعي تكبل معاصم راحات التغيير فيصبح الأمر درامة سوداوية الدروب .
النص يقف على عتبات تناص أسطوري من بداية إطلالة الحروف المعنونة للحبر
عبر (ليليث)، وهي شيطانة أسطورية من أساطير بلاد الرافدين تحمل أعباء المرض العضال في كل دروبها الأسطورية في إسقاط على مدى
يحمل ما في منتصف أحداث النص من وصفها بأنها ( لحن الأنوثة والتمرد في دمي)
هذا التعبير الخاص جداً حمل معاني قد تبدو مغايرة لوضعية المعنى الخاص بأسطورة ليليث، ولكن في غوص سريع في شمول حضور دفقة التعبير مع ما يرمي إليه نجد أن الإسقاط هنا ليس على مرض عضال ولكنه المرض الذي يصيب القلوب إذا مسها وله العشق وعذابات الغياب وهو التوق ..
هنا يصبح للتناص مبرر يحمل نكهة التميز عبر منحه للوحة معنى يحمل مفردات الألم الخاص بما تتركه تلك الشيطانة الأسطورية، وما تتركه أسطورة الحياة حواء من ألم الفقد عندما تغيب صحاف الوصل في رمزية تسقط على حواء التي تعني وطن …
هو تناص يحمل تغيير المعية والتجسيد عبر التحول من ماهية الشيطنة لمجسد بشرى (حواء) يتحول في لحظة خاطفة عبر التلويح بنتاج الفعل إلى شعور معنوي له نتائجه على أرض الواقع وتحيطه وتؤكده نهاية هي مجرد أمنية أن يعم الخير في رمزية أسطورة أخرى تحمل أكثر من معنى؛ لكنها هنا تحمل معنى الخير وكأنها تخلت عن دمويتها في نصف أقصوصتها وعادت تحمل الدفء والحياة كما في النصف الآخر من القصة فعشتار عند البعض تحمل الدم والخراب والجنس وعند موروث البعض الآخر تحمل الخير والنماء .
هنا نحن أمام المعنى المتعارف عليه الثاني لهذه الأسطورة ليصبح سلسبيل الرواء ما بعد الفقد المرمز له بتناص ليليث .
نعود لتلك الصور التي قد تغير من مسار فهم النص في هذا الخروج من الخاص للعام في أصداء الصور ..
في حضور ( سأكتبكِ ، سأدرك ) وتلك الـ ( س) التي تعني تعطيل الفعل ووضعه في ظرفية القادم من المستقبل في حضور لا يحتمل فكرة التسويف بقدر ما يحمل نبوءة وأمنية تبشر بالحدوث وإن كان بعد حين ..
نحن هنا أمام ألياذة أمنيات في خضم مكابدة تخرج من الخاص إلى العام ألم مر يحمل نكهة ديار وآمال وعوائد حياتية يجتر ثنائيتها ساكنيها ..
يؤكد هذا التأويل ( التمرد ثورة طافت على ارجائها صوري) نحن أمام هذا الحضور الفطري الذي يراود المرء ويدفعه للثورة وهو التمرد على واقع الحال الفاسد
هنا نحن أمام خروج من الخاص للعام في لحظة مدهشة منحها لفظ ( صوري) وهي هنا بمعنى الجمع الذي انتمي له والذي يشبهني في التكوين والايدلوجية هنا تصوير يحمل ما خلف المرايا في لحظة سبر إلى الخطوط الأولى لرؤى النص
لتصبح الكتابة تاريخ للحظة بيانية تحمل زمكانية خاصة والإدراك يصبح فهم خاص لمتواليات الأحداث التي تحيط به وبهم ( هل غادر الشعراء) ( زمن القصيدة)
في وضعية الجمع في لفظ شعراء نحن أمام مجموعة قد تحمل رؤى وقد تصبح أحداث وشخوص مرت في أروقة هذا المجتمع عبر حضور قصيدة في ماهية المفرد والتي تعبر عبر الترميز الشاهق عن حياة واحدة قد تصبح لشخص أو لجموع تتشارك ذات الهموم وذات الأحلام …
في وقف تام للدفقة والتأمل على مجريات واقع يحمل مكابدة تامة وعيون ترنو نحو الغد في تطلع كامل نحو الحلم وإن كان الطريق غير ممهد فهناك هلال يلوح في الأفق يحمل نوراً خرافياً ( شمس ) وقمراً (أنيس) في وضعية عودة الصفاء وغياب الضباب مؤانسة تحمل نكهة الدفء والرؤية الواضحة في أحلك الظروف
النص يحمل هذا النهج السردي العبق بالصور الممنهجة الظهور مع تأمل شاهق وضع الرمز في رفقة مفاتيح تتيح فك غموضه
يحمل هذا الإبداع الذي يرنو من بين السطور لأديب أمتلك ناصية الإبداع يضع للقارئ لوحة تتضمن ما حوته دفاتر حضوره الحياتي ويوميات شعب يسكن أرض.