- فارس العليي
انا اعرف قدري، يوما سيقترن اسمي بشيء عظيم، شيئ يمثل كارثة تحل على البشرية، لا مثيل لها؛ اعظم صدام للعقل ضد كل ما يصدق ويقدس، بينما ترى انت مثلٌ عليا، أراه انا بشرياً؛
واحسرتاه
بشرياً جداً
“فريدريك نيتشه”
الأسئلة الأساسية التي أطلقها اليونانيين بعد ان قالوا الوجود والكون، ينقسم إلى عالم مادي، وآخر خفي، فيزيائي أو ميتافيزيقي، وهو الذي جاءت منه المادة او العالم المرئي، وتطورت الأسئلة الميتافيزيقية عند انكاسيماندر، وأوائل اليونان الذين وصفوا البرق والقوى الغامضة بغضب الآلهة بحثا عن قوى أكبر تستوعب ” الحقيقة، والكون” وميثولوجيات لأقوم اخرى كانت لديها وصف أو تصور ميتافيزيقي خاص بها.
قام اليونان الحكماء والفلاسفة بتأسيس “نظرية العالمين” والتي تطورت بمجموعة من الأسئلة أهمها حول:
ما جوهر الحياة؟
لماذا تتغير الأشياء باستمرار؟
ماهي الحقيقة؟
لم يجدوا اجوبة لها وهي نفس الاسئلة التي لم يتم الجواب عليها الى الان، معتقدين أن هناك مصدر أو اساس معين يتحكم ويسير الأشياء ” عالم لا نراه ولكننا نشعر به، كل شيء له بداية، وبداية هذا الوجود العالم الميتافيزيقيا.
و يقر اليوناني انكاسيماندر وهو من أوائل الميتافيزيقيين في خلاصة بحوثه ان ” العالم الميتافيزيقي هو لا نهائي، كل شي مادي يأتي منه، وأن كل ما يموت يذهب إليه. وان العالم الميتافيزيقي موجود وهو الحقيقي حتى وان لم يكن هناك عالمنا المادي.
ضلت هذه النظرة قرابة عقد من الزمن، قبل أن يأتي أفلاطون بخلاصة نظرية المثل : هناك عالم مادي مشوه، وعالم مثالي وهو الحقيقي، الذي يقع ما بعد السموات ومنه نستمد الوعي.
ينقض هذا الاعتقاد بأول تصور مادي عند هرقليطس الذي قال ” ان الأصل يأتي من النار” ليأتي لاحقا الفيلسوف المادي الألماني فريدريك نيتشه ” هذا العالم الميتافيزيقي لا يمكن فهمه، لا يمكن الوصول إليه وإدراكه، مختلف وقد يكون هذا الإختلاف شيئاً سيئاً” و ” لا سبيل لإدراكه فكيف لنا أن نفكر به” مبدياً إمتعاضه وحنقه من المفكرين والباحثين والفلاسفة والأكاديميين الذين يؤمنون بوجود قوى خفية ميتافيزيقية تتحكم بالوجود والكون واصفاً أيها بالأفكار البالية” ، وأن المشكلة في جوهرها ليست حول الميتافيزيقا وإنما في علم النفس الذي أوجد هذه الفكرة “الخرافة” في عقول الناس، وأن العالم المادي هو العالم الحقيقي ” ابقوا في الأرض ولا تصدقوا من يتكلم عن آمال خارج هذا العالم.
وبما أن العالم الميتافيزيقي هو ابدي لا نهائي، مستقر، ففيما العيب في ان تكون هناك بداية ونهاية وان تتحرك الأشياء وتتغير بإستمرار؟
ويعود نيتشه ليسأل: لماذا الاستقرار جيد والتغيير سيئ؟ مُرجياً ذلك إلى الطبيعة النفسية للناس تجاه النهايات الحزينة، الحرمان والمعاناة، والفقدانات العزيزة، والموت كعوامل مصاحبة للتغيير، لذلك وحسب العلماء والفلاسفة اخترعوا العالم الميتافيزيقي كملاذ نفسي من واقع المعاناة والحزن ” الإنسان يسعى للهرب إلى واقع لاحزن أو معاناة فيه” الحاجة الميتافيزيقيا للاستقرار، نزعة النفس البشرية للإستقرار والهروب من الواقع إلى عالم “النفس، والوهم” ليوسع الفيلسوف الألماني ماديته باتجاه الفكر و الأدب ايضا إذ يرفض وينتقد السرد والمرويات الحكائية والقصصية التي تصور أو تتحدث عن عالم واشياء خيالية ليست موجودة في عالمنا المادي” افتراء، وانتقاص، وشك” بسبب طباعٍ فينا، و تأليف أوهام حول حياة أفضل، هو بمثابة انتقام من الحياة.