- جمال حسن
اصبت بحالة تدين شديدة بداية مراهقتي، جعلتني اعيش خليط من جلد الذات والذعر حد الهوس من العقاب والجحيم. كنت اصلي الفجر في وقته، واحياناً اصاب بذعر رهيب متوهماً ان الموت ينتظرني في مكان ما، وابكي خشية من حفر النار مع اني مازلت صغيراً.
في تلك الأيام، وعلى غير العادة كانت تصيبني فجأة لحظات وجوم. مع اني اتمتع غالباً بروح جامحة. كان العام الأكثر روحانية والأطول بعد تقطعات اعتدت عليها من الالتزام بالتعاليم الدينية، كنت في الخامسة عشر.
وذات مرة، غازلتني فتاة، وحين التفتُ اليها متفاجئاً اشارت بعينيها باسمة. في البدء نظرت بدهشة طفل، ثم اثير المتدين المتجهم في اعماقي، وعبستُ عنها، متبعاً اثر حديث يقول بما معناه “يدخل الجنة رجلاً تغويه امرأة حسناء فيقول لها إني اخاف الله”.
وكنت سأدخل الجنة لولا ان الأحوال تغيرت، وفي الواقع كنت انظر لتلك الواقعة بمزيج من السخرية والتعجب، لأن في تلك السنوات المرحة ينبغي ان تترك لقلبك الخفقان وتتصرف كجنتلمان مع الفتيات. بل ان تتصرف دائماً بنفس الأخلاق المرحة. ومن وجهة نظري اسوأ شيء نفعله ان يصيبنا التدين في ذلك العمر المرح.
بعد عام في صنعاء، كنت اسير بالقرب من جولة سبأ، اتذكر اني كنت ارتدي حذاء رياضي جديد ذو عنق صغير، ماركته فرنسية. واتذكر ان شعري الكثيف كان يتحرك مع خطواتي كأثر من فيلم هندي كنت اقلعت عن إدمانها. وعند مدخل توقفت فتاة جميلة اتذكرها بطولي، بينما سبقتها صديقتها السمراء والجذابة ودخلت شارع ضيق. ظلت الفتاة واقفة تنظر نحوي حتى اصبحت بقربها. نظرت نحو صديقتها وقالت: شوفي هذا الوليد الوسيم. بينما عادت تنظر لي وتشير بيدها نحوي.
كنت اقل تديناً لكني دخلت في مزاج اغاني عبدالحليم حافظ، مولعاً بالحب المستحيل. شعرت ببعض القلق ماذا تريدان مني، مشيت والتفت للوراء، بينما غابت هي في المدخل، واصلت سيري وانا في عذاب لأني تركت فتاة بذلك الجمال. لا اعرف لكن هناك نوع من التدين يجعلنا لا إنسانيين ويجعل التعفف اشبه بنوع من التصنع الذي يتخفى وراء عدوانية يُعمقها كبت مشاعرنا الحقيقية، ولولا نقاء فطري لديّ لكنت توحشت آنذاك في استعراض هذا النوع من التدين في ما يكون تحليلاً من وجهة نظرنا.
سرعان ما عدتُ لتلقائيتي وجموحي، وتعاملت مع الخيبات كجزء من خديعة مبتكرة لتمرين ذواتنا على تطلعنا الأكبر، الشغف الذي نتوق له.
نصيحتي الرمضانية: لا تبالغ في التدين حين تكون في ميعة الصبا.