- ضياف البراق
أرجوكم كفوا عن الضجيج الفارغ، واحترموا لعنات هذا السجن الكبير، سجننا جميعًا، واشكروا تاريخه على كثرة أسواطه وبشاعة صوره وشديد عذابه المتنوِّع. ثم اشكروا جميع تلك الآذان الكبيرة اللعينة؛ لكونها لا تصغي لكم بل لا تعيركم أدنى شعور، وانسوا أنكم معتقلَون أيضًا، انسوا كل شيء. لا تصيحوا كثيرًا، أعني لا تتعبوا حناجركم دائمًا. ليس من حَلٍّ أمامكم سوى أن تغيروا عدسات عيونكم المتسخة أو البائسة، أن تجعلوا تفكيركم التقليدي السخيف مختلفًا أو غير سخيف على الأقل. أليس الأخطر من كل الأوبئة، هو هذا الهروب الجماعي من الحرية؟ أمزح طبعًا. ولعل سجننا هذا بلا جدران، وهو الذي يقول عنه الشاعر الكبير أدونيس:
أقسى السجون وأمرَّها،
تلك التي لا جدران لها!
أعرف أنكم مخنوقون حتى الموت، بالحديد والنار وأتفه الأفكار العدمية على الإطلاق، ولكني لا أستطيع رفع صوتي المهلوع لأجلكم، أو البكاء معكم قليلًا. أرجوكم كفّوا عن كونكم وطنيين حقيقيين أو صامدين بالفعل في مواجهة سوء حظكم المرير أكثر من اللازم. ماذا يعني تكرار نفس الصراخ البائس مرة بعد مرة؟ ما نفْعُ ترديد الكلام المفروغ من أبسط معاني الحرية؟ أرجوكم غيّروا نغمة أخرى للتضامن والتنديد، جربوا مثلًا صياغة قالب جديد للتعبير عن آلامكم غير المحصورة.
بكل تأكيد أنا مأزوم مثلكم تمامًا، في نفس المعتقل، حيث لا وجود لي بصفتي إنسانًا، ولا لنزيفي الروحي أي معنى أو صوت. عمومًا، كيف أتضامن مع مسحوقٍ مثلي أو مُعتقَل في سجن آخر، بجواري أو خلفي أو فوقي، أنا الذي لم أستطع يومًا التضامن مع نفسي بشكل جيّد. كيف أبكي عليكم، أنا الذي صار قلبي مرعوبًا لا منكم فحسب بل أيضًا من كل شيء. ثم إنّ البكاء المكسور لوحده، وإن كان عالي الصوت وبالغ التأثير، فسوف يظل، رغم ذلك، عاجزًا كليًا عن كسْر أي قيد لعين أو تصحيح أي خطأ خانق، لا سيما في واقعٍ أشد مرارة كهذا بالضبط. إذن لن أتضامن مع أحد، ولن أبكي حتى على نفسي، أو هكذا سأحبكم بكل احترام، وقسمًا لن تموتوا بغير تضامني.