- يحيى الحمادي
مَـــن مَـــرَّ مِـنـكُـم بِـجِـلْـدٍ كـــان ثُـعـبَانا؟
شَـــيءٌ عـلـى الأَرضِ يُـلـقِي جِـلـدَهُ الآنــا
وَحــدِي مِـن الـنَّاسِ مَـذعُورًا شَـكَكْتُ بـهِ
فــلــم أَجِــــد لِـشُـكُـوكِـي فــيــه إِمـكـانـا
وَحـدِي مِـن الـخَلقِ يا وَحدِي أَفَقتُ، وقد
تَــشَــابَــكَ الـــكَــونُ أَفـــلاكًــا وكُــثـبَـانـا
صَــرَخـتُ بِـالـبـابِ: لا تَـفـتَح، فَـأَلـفُ يَــدٍ
سَـتَـطـرُقُ الآنَ طَـــرقَ الـمُـدمِـنِ الـحَـانـا
كـي أُبـصِرَ الخَطبَ.. كُلِّي كان في بَصَرِي
كــي أسـمَـعَ الـصَّـوتَ.. كُـلِّـي كــان آذانــا
فَـتَحتُ شُـبَّاكَ خَـوفِي، والـنُّجُومُ على الـ
ـتُّــــــرابِ، يَــنــزِفــنَ أَصـواتًــا وأَلـــوانــا
ولِــلــمَــجَــرَّاتِ هــــــــالاتٌ وفَـــرقَـــعَــةٌ
تُــحِــيـلُ شُــــمَّ جِــبــالِ الأَرضِ شُــطـآنـا
وفـــي فَــمِ الـرِّيـحِ قَــرنٌ، وهــي نـافِـخةٌ
بِــــهِ عــلــى الأَرضِ، تَــروِيـعًـا وإِثــخـانـا
وكــانــت الــشَّـمـسُ مُــلـقـاةً كَـجُـمـجُـمةٍ
عــلـى الـخَـريـطةِ، كـــان الـلَّـيـلُ غِـربـانـا
وكــــان كُــــلُّ شِــهــابٍ يَــرتَـمِـي شُــعَـلًا
فَــيَـلـتَـقِـي بِــجَــحِـيـمِ الأَرضِ بَـــردانـــا
وسُــجِّـرَ الــمـاءُ.. حــتـى صـــار أَدخِــنـةً
عــلـى الـمُـحِيطاتِ، صــار الـبَـحرُ قِـيـعانا
والــشَّـرقُ والــغَـربُ، لا شَـمـسٌ، ولا قَـمَـرٌ
تَـــلَاقَــيَــا، لِـــفِـــرَاقٍ كــــــادَ، أَو حـــانـــا
ولِـلـسَّـمـاءِ شَــظـايـا كــالـزُّجَـاجِ، هَــــوَت
عــلـى الـجَـمـيعِ.. فَــعَـادَ الـكَـونُ عُـريـانا
وأَمـطَـرَ الأَســوَدُ الـغِـربِيبُ.. فـاخـتَلَطَت
بــــــهِ الأَقــالِــيــمُ، غـــابــاتٍ وخُــلـجَـانـا
وانـشَقَّتِ الأَرضُ.. حتى صِرتُ أُبصِرُ في
عِـظـامِـهـا الــبِـيـضِ أَشــجــارًا وحِـيـتـانا
ومِـثـلَ رَعــدٍ غَـضُـوبٍ صــاحَ فــي أذُنِـي
صَـــوتٌ يَـقُـولُ: تَـعَـوَّذ.. قُـلـتُ: سُـبـحانا
وكــنـتُ أَدعُـــو (سُـهَـيـلًا) لِـلـنَّـجاةِ، فَــلا
يُـجِـيـبُـنِـي، فَــسُـهَـيـلٌ صـــــارَ جُـثـمـانـا
سُـهَـيلُ!.. كـيـف تَـهَـاوَى؟! كُـنتُ أَحـسَبُهُ
يَــعِـيـشُ بــعــدَ زمــــانِ الــمَـوتِ أزمــانـا
سُـهَـيلُ “رَبُّ جُــدُودِي” قـبـل أن تَـلِـدَ الـ
ـسَّــــمــــاءُ والأرضُ أَربــــابًـــا وأَديــــانـــا
سُـهَـيـلُ أَكـــرَمُ نَــجـمٍ كـــان يَــنـزلُ مِــن
سَــمَــائــهِ لِــيُـحِـيـلَ الــقَــحـطَ وِديـــانــا
وكــــان خَــيــرَ بَـشِـيـرٍ.. حِــيـن نَـسـأَلُـهُ:
(يـا حـارِسَ الـبُنِّ.. بُـشرَى)، قـال: بُـشرَانا
وكـــان حــيـن تَـهِـيـجُ الـشَّـمـسُ يَـحـمِلُنا
إِلـــــى الـــظِّــلالِ.. زَرَافــــاتٍ ووُحــدانــا
وكـــان يَـجـمَـعُ كُـــلَّ الـغَـيـمِ فـــي فَـمِـهِ
إِلـــى الـحُـقُولِ.. ويَـقـضِي الـعـامَ ظَـمـآنا
وكــــان كُــــلَّ صَــبَـاحٍ يَـسـتَـوِي، فَــنَـرَى
نُــــضُـــوجَ أثــمــارِنــا، بُـــنًّـــا، ورُمَّـــانـــا
سُــهَــيـلُ كــــان أَبَــانــا، حــيــن تُـنـهِـكُـنا
مَــوَاسِــمُ الــجَــدبِ تَـجـويـعًـا وخِــذلانـا
وهـا هُو الآنَ.. لا (الشِّعرَى) نَعَتهُ، ولا (الـ
ـعُــبُــورُ) نــاحَـت عـلـيـهِ حِـيـنـما عــانَـى
وهـــا هُـــو الــمَـوتُ يَــدنُـو نـافِـضًا يَــدَهُ
كَــعَــامِـلٍ يَــتَـقَـاضَـى الأَجــــرَ عَــجـلانـا
وهــــا أَنــــا الآنَ وَحـــدِي أَرتَـجِـيـهِ بــمـا
لَـــــدَيَّ مِـــــن كَــلِـمـاتٍ ذُبــــنَ أَشــجَـانـا
فَـــلــم يَـــقِــف بِـــإزائِــي غَــيــرَ ثــانـيـةٍ
وغــابَ.. غــابَ حَـسِـيرَ الـطَّـرفِ، حَـيرانا
وكُـنـتُ أَســأَلُ نَـفـسِي: كـيـف لــم يَـرَنِي
وكـــان أَقـــرَبَ مِـــن عَـيـنَـيهِ وَجْـهـانـا؟!
أَلَـــــم يَــجِــد لِــفَـراغِـي فــيــه مُـتَّـسَـعًـا
أَم أَنـــــه لِـــرُجُــوعٍ غـــــابَ حُـسـبـانـا؟!
(مـــا كُـــلُّ مـــا يَـتـمَـنَّى الـمَـرءُ يُـدرِكُـهُ)
فــالـمَـرءُ قـــد يَـتَـمـنَّى الــمَـوتَ أحـيـانـا
وحــيــن أَيــقَـنـتُ أَنِّـــي مـــا أَزالُ عــلـى
قَــيـدِ الـحَـيـاةِ، حَـمَـلـتُ الـقَـيـدَ قُـضـبانا
لــــم تَــتــرُكِ الــنَّــارُ لِـــي بَــابًـا فَـأُغـلِـقَهُ
ولــم تَــدَع لِــيَ تـحـت الـسَّـقفِ جُـدرانـا
تَـصَـاعَدَ الـخَـوفُ، وانـسَـلَّ الـدُّخَـانُ كـما
يَــنــسَـلُّ ســــارِقُ لَــيــلٍ عــــادَ كَـسـبَـانـا
وصـائِحٌ صَـاحَ: (لا غُـفرَاااانَ).. قُـلتُ لـهُ:
وهـــل وُلِــدنـا، لــكـي نَـحـتـاجَ غُـفـرانا؟!
نَـــحــنُ الـــذيــن دُفِـــنَّــا قَــبــلَ أَزمِــنــةٍ
مِـــن خَـلـقِـنا.. أَفَـنُـعطَى الـيَـومَ دَفَّـانـا؟!
وهـــل نَـخَـافُ عـلـى مــا سَــوف نَـفـقِدُهُ
وقـــد سُـلِـبـناهُ -قَــبـلَ الـفَـقـدِ- حِـرمـانا!
يــا كُـنـتَ مَــن كُـنـتَ.. هـذا يَـومُ مَـولِدِنا
فَــنَـحـنُ أَقــــدَمُ خَــلــقٍ عـــاشَ فُـقـدانـا
أَيــن اشـتِـعالُ رُؤُوسٍ فــي بَـيَاضِكَ مِـن
مَــــن لــــم يَــذُوقُـوهُ أَطــمـارًا وأكـفـانـا!
كُـــنَّــا بَـــنِــي سَـــكَــرَاتٍ غَــيــرِ كــافـيـةٍ
حـــتـــى لِــنَــعــرِفُ أُوْلَانــــــا وأُخـــرَانــا
لـــم نَـقـطَـعِ الـعُـمـرَ.. لا شَــكًّـا، ولا ثِــقَـةٍ
ولا كَـــفَـــافًــا، ولا كُــــفــــرًا وإيـــمـــانــا
إِن كــــان ذَنــــبٌ فــإِنَّــا لا ذُنُــــوبَ لــنــا
فَــنــحـنُ لـــــم نَــتَـعـدَّ الــعُـمـرَ صِـبـيـانـا
يـا كُـنتَ مَـن كُـنتَ.. مـاذا لـو رَجَـعتَ بِنا
حـــتــى نُــعِــدَّ لِــهــذا الــيَــومِ أَذقــانــا؟
مـــا دُمــتَ قَـبـلَ بُـلُـوغِ الـدَّفـقِ قـاطِـفَنا
فَـــــلا تَـــكُــن بِــبُــلُـوغِ الــفَــقـدِ مَــنَّــانـا
مَــن لــم يَـعِـش -مُـسـتَطِيبًا عَـيشَهُ- فَـلَهُ
أَن يَـقـبِضَ الـعَـيشَ بَـعـدَ الـمَـوتِ مَـجَّـانا
يــا كُـنتَ مَـن كُـنتَ.. لا تَـضرِب يَـدًا بِـيَدٍ
كـي تُـنصِفَ النَّاسَ كُن ما اسطَعتَ إِنسانا
وعُــدتُ أَســأَلُ نَـفسِي: مَـن أنـا؟! وعـلى
مــاذا أَنُــوحُ؟! ومــا لِــي زِدتُ نُـقـصانا؟!
وكَــيـف أَصـبَـحتُ طَـيـفًا لا يَــرَى أَحَــدًا
ولا يَـــــرَاهُ.. وعَـــمَّــن أَبــحَــثُ الآنــــا؟!
هــذا الـصُّـداعُ غَـريـبٌ.. كـيـف يَـحـمِلُنِي
(قَـوسًـا).. وأَحـمِـلُهُ (ثَــورًا) و(مِـيزانا)؟!
وكـيـف -دُونَ جَـمـيعِ الـنَّـاسِ- بِــتُّ عـلى
مَــصَــارِعِ الــخَـلـقِ والأَفــــلاكِ نَــدمـانـا!
أَعُــــوذُ بِاللهِ مِــــن سَــمــعٍ ومِـــن بَــصَـرٍ
لا يَـــعـــرِفـــانِ إِلَــــــــيَّ الآنَ عُـــنـــوَانــا
ومِــــن ثُــمَـالَـةِ أَشــعَــارٍ تَــقُــولُ: أَفِــــق
فَــــإِنَّ (عَــبــدَ يَــغُــوثٍ) مـــاتَ سَـكـرانـا
ومِــــن بَــقِـيَّـةِ نَــفــسٍ لا تُــزِيــحُ أَسَـــى
مُـــشَـــرَّدٍ، أَو فَــقِــيــرٍ بـــــاتَ جَــوعــانـا
أَعُـــوذُ بِاللهِ مِـــن لَــيـلٍ يَـصِـيـحُ مَــعـي:
أَيَّـــانَ -يـــا رَبِّ- يَـــومُ الــدِّيـنِ.. أَيَّـانـا؟!
(قُــل هَــل أُنَـبِّـئُكُمْ بِـالأَخْـسَرِين)؟؟ هُـمُو
مَـــن يَـمـنَـحُونَ دَنِــيءَ الأَصــلِ سُـلـطانا
ومَــــن يُــلَاقُـونَ مَـــن يَـسـطُـو مَـلائِـكـةً
ويَــســأَلُـونَ: لـــمــاذا صَـــــارَ شَـيـطـانـا!
لَانُــــوا لِــمَـن عـــاثَ، أَجــسـادًا وأَفــئِـدَةً
والــنَّـارُ تَــأكُـلُ حــتـى الـصَّـخـرَ إِن لَانـــا
(لا تَـشـتَرِ الـعَـبدَ “حـتـى” والـعَـصَا مَـعَهُ)
فَــالـحُـرُّ أَرخَــــصُ مِــنـه الــيَـومَ أَثـمـانـا
يــــا بَــيـن قَـوسَـيـنِ إِنِّـــي بــيـن أَربَــعَـةٍ
ومـــــا أَزالُ غَـــريــقَ الـــمــاءِ عَـطـشـانـا
مــا أَطــوَلَ الـبَحثَ عـن شَـيءٍ بـلا صِـفَةٍ
ومــــا أَمَــــرَّ احــتِـمـالَ الــعَـجـزِ إِذعــانـا
هـل أُفـصِحُ الآنَ عـن شَوقِي إِلى وَطَنٍ؟!
لا أَســتَـطِـيـعُ لِـــهــذا الـــشَّــوقِ كِـتـمـانـا
وعُـدتُ اَسـأَلُ نَـفسِي عـن (سُهَيلَ)، وعن
بَــنِـيـهِ، كــيــف غَـــدَوا صُــمًّـا وعُـمـيـانا!
وكَـيـف لــم يَـتَـساءَل عَـنـهُ مَـن سَـجَدُوا
لِــوَجــهِــهِ، وحَـــبَـــوهُ الــــــزَّادَ قُــربــانـا
أَيــــن الــذيــن تَــسَـاقَـوا صَــفْــوَ غُــرَّتِـهِ
وأَيــــن مَــــن عَــهِـدُوا مَــسـرَاهُ سُـلـوانـا
مَــــن وَحَّــــدُوهُ، وقــالُـوا: أَنـــتَ كـالِـئُـنا
وعَــــــدَّدُوهُ، وصــــــارُوا عـــنــه كُــهَّــانـا
ومَــــن لِــوَمـضَـةِ طَــيـفٍ مِـــن جَـلالَـتِـهِ
كـــانــوا يَـــذُوبُــونَ أَرواحًـــــا وأَبـــدَانــا
تَـزَاحَـمِي يــا سُـمُـومَ الـقـاتِ فــي دَمِـهِم
وأَطــلِـعِـي الــوَعــيَ بِـالـمَـأساةِ أَغـصـانـا
مَـــن سَــوف يَـبـكِي سُـهَـيلًا أَو يُـسـامِرُهُ
إِن كــــان كُـــلُّ عَــزيـزٍ هـــانَ أَو خــانـا؟!
يــــا أَيُّــهــا الـيَـمـنـيُّونَ انــهَـضُـوا، فـــإذا
لـــم تَـنـهَـضُوا فَـسِـوَاكُـم لـيـس خَـسـرانا
إِنّــــا لَـنَـنـطِـقُ كُــفــرًا حِــيـن نَــبـرَأُ مِـــن
شَــقَــائِــنــا، ونَــــقــــولُ: اللهُ أَشـــقــانــا
لا تَــبـعَـثُـوا لِــسُـهَـيـلَ الـــيَــومَ تَــعــزِيَـةً
سُــهَـيـلُ لا يَـتَـقَـاضَـى الــحُــزنَ أحــزانـا
لَــــن تُـرجـعُـوهُ مُـنِـيـرًا قَــبـلَ أَن تَــئِـدُوا
ظَــلامَــكُـم، وتُــزِيــحُـوا الــنَّــارَ والــرَّانــا
لَـن تَـغلِبُوا الـمَوتَ بِـالمَوتَى، ولَـن تَـجِدُوا
سِــوَاكُـمُـو بــيــن أَهــــلِ الأَرضِ أَعــوانـا
أَنْ تَـكـبَحُوا الـنَّـارَ مَـغـلُوبِينَ أَشـرَفُ مِـن
أَنْ تَــربَـحُـوا الــعَــارَ هــــالاتٍ وتِـيـجـانـا
لا يَــبــلُــغُ الـــــذُّلُّ بِـــالأَوطَــانِ مَــبـلَـغَـهُ
إِن لـــــم يَــجِــد بِـبَـنِـيـها مِــنــه أَقــرانــا
ولا يَـــنَـــالُ عَــــــدُوٌّ مُــبــتَـغَـاهُ سِـــــوَى
مِـــن مَــوطِـنٍ نــالَ مِــن أَهـلِـيهِ عُـدوانـا
يــــا تــاركًــا شَــاتَــهُ لِــلـذِّئـبِ يَـحـرسُـهـا
لا يَــمـلِـكُ الــذِّئــبُ إِلَّا الــفَـتـكَ إِحـسـانـا
وعُـدتُ أَسـأَلُ نَـفسِي عَـن (سُـهَيلَ)، كـما
لــــو أَنَّــــهُ لِـــيَ وَحـــدِي كـــان هَـيـمـانا
حِــيـنٌ مِـــن الـقَـهرِ لــم يَـشـعُر بــهِ أَحَــدٌ
عــاصَـرتُـهُ، وعَــصَــرتُ الــقَـلـبَ ذَبــلانــا
ولــــم أَكُــــن بِـمَـصِـيـرِي عــابِـئًـا، فَـلَـقـد
رَضِـــيـــتُــهُ يَــمَــنِــيًّــا، زانَ، أَو شَــــانـــا
خَـــمَّــارةً كـــانــت الــبَــلـوَى، وجَـــارِيَــةً
وكُـــنـــتُ أكـــثَـــرَ خَـــلــقِ اللهِ إِدمـــانــا
وكُــنـتُ عِــنـدَ بُـلُـوغِ الـبـابِ أَصـغَـرَ مِــن
يَــــدِي، وأَكــبَــرَ مِــــن دُنــيَــايَ فِـنـجـانا
لــم أَسـتَـعِر صَـوتَ غَـيري كَـي أَنُـوحَ بِـهِ
بَــــلِ اســتَـعَـرتُ بِــدَمــعٍ سَــــالَ نِـيـرانـا
واخـتَـرتُ أَن أَتَـخَـلَّى فـيـه عــن فَـرَحِـي
لا عِــشـتُ حَـيـثُ يَـسُـودُ الـقَـهرُ فَـرحـانا
لا شَــيءَ يَـقتُلُ مِـثل الـصَّمتِ فـي وَطَـنٍ
بِــأَهـلِـهِ ضَــــاقَ حــتــى صَــــارَ أَوطــانـا
وقِـيـلَ: مَـن أَنـتَ؟! قُـلتُ: اللهُ أَعـلَمُ مَـن
أَنـــــا.. فَـــكُــلُّ جَــــوابٍ صــــارَ بُـهـتـانـا
لا الـسَّـاعةُ الآنَ تَـدري مـا الـزَّمانُ، ولا الـ
ـزَّمـــانُ يُــــدرِكُ مَــعـنَـى الـسَّـاعـةِ الآنـــا
ودارَتِ الأَرضُ.. وانــشَـقَّ الـغَـمَـامُ عــلـى
غَـــيَـــابَــةٍ، أَنـــبَـــتَــت دُورًا وسُـــكَّـــانــا
وعــادَتِ الـشَّـمسُ تَـجـري فــي مَـجَـرَّتِها
والــبَـحـرُ عــــادَ عَــمِـيـقَ الــقَــاعِ، رَيَّــانـا
وعـــــادَ لِـــلأُفــقِ لَــــونٌ كــــان فــارَقَــهُ
وعــــادَتِ الــشُّـهـبُ قُـطـعـانًـا فَـقُـطـعـانا
وعــــادَ كُــــلُّ زَمَــــانٍ صَــــوبَ وِجـهَـتِـهِ
وعـــــادَ كُـــــلُّ مَـــكــانٍ حَــيـثُـمـا كــانــا
إِلَّا (سُـــهَــيــلُ).. وإِلَّا أَهـــلُـــهُ.. فَــلَــقَــد
تَـــأَرَّضُــوا، وغَـــــدَوا لِــلـنَّـمـلِ جِــيــرانـا
سُـهَـيـلُ هـــانَ عــلـى مَـــن كــان سَـيِّـدَهُ
فــكــيـف يَــرفَــعُ رَأسًــــا سَــيِّــدٌ هــانــا!
سُــهَـيـلُ كــــان بَــعـيـدًا عــــن قَـذَائِـفِـنـا
فــكــيـف أصـــبَــحَ قَــتـلانـا وجَــرحـانـا!
وكــيــف صــــار غَــريـبًـا وهــــو وَالِــدُنـا
وجَـــدُّنـــا، وهــــــو وَالِــيــنَـا، ومَـــولانــا
وكَــيــفَ بَــعــدَ نَــجَــاةِ الــكَـونِ أَجـمَـعِـهِ
سُــهَــيـلُ أصـــبَــحَ لِــلــبَـارُودِ خَـــزَّانــا؟!
سـهـيلُ أصـبَـحَ يَـمشِي حـافيًا، وعـلى الـ
ـدُّرُوبِ يَــعــطِــسُ أَضـــراسًــا وأَســنــانـا
وصَــــارَ يَــمـسَـحُ نَــعــلَ الـغَـاصِـبِيهِ، ولا
يُــريــدُ غَــيــرَ رِضَــاهُــم عَــنـهُ رِضــوانـا
وصــارَ يَـلـعَقُ (صَـحـنَ الـجِـنِّ) مُـخـتَلِسًا
وصــارَ يَـدخُـلُ (سُــوقَ الـطَّـلحِ) طَـحَّـانا
وصــارَ يَـبـرَأُ مِــن (صَـنعاءَ) فـي (عَـدَنٍ)
وصــارَ يُـنـكِرُ فــي (الـبَـيضاءِ) (عـمـرانا)
وصـــارَ بَــعـدَ أَذَانِ الـفَـجـرِ يَـخـجَلُ مِــن
خُـــرُوجِــهِ -بِــثِـيَـابِ الــمُـلـكِ- قُــرصـانـا
وصــــارَ يَــلـعَـنُ طَــيــفَ الــذِّكـريـاتِ إِذا
أَعَــــدنَــــهُ لِــــزَمــــانٍ كــــــــان رُبَّــــانـــا
وصَــارَ يَـشـحَذُ -حـتـى الـشَّـمعَ- مُـفتَخِرًا
بِــــأَنَّـــهُ كـــــــان أَقــــمـــارًا وشُــهــبــانـا
وأَنَّـــــــهُ كـــــــان لِـــلأَنــهــارِ مُــرضِــعَــةً
وأَنَّـــــــهُ كـــــــان لِــــلأَدهـــارِ خَـــتَّــانــا!
مـــــاذا يُـــرِيــدُ عَـــزيــزٌ بـــاسِــطٌ يَــــدَهُ
مِــن فَـخـرِهِ؟! أُيُـعِـيدُ الـفَـخرُ مــا بـانـا؟!
وَجـــهُ الـعَـزِيـزِ إِذا مـــا نـــاحَ مِــن عَــوَزٍ
لَــيــلٌ يُــنَـطِّـفُ مــــاءَ الــــرُّوحِ قَــطـرانـا
سُــهَــيـلُ كـــيــف تَــنَـاسَـى أَنــــه مَــلِــكٌ
لا ســـائِـــلٌ يَــتَـمـنَّـى الـــنَّــومَ شَــبـعـانـا
وكــيــف أَصــبَــحَ وَكــــرًا لا أَمَــــانَ بـــهِ
وكـــان تَــحـتَ ظِـــلالِ الــعَـرشِ بُـسـتانا
وكـــيــف صـــــار عُــبَـيـدًا لِـلـعَـبِـيدِ لــــه
وكـــــان أَكـــثَــرَ غـــــاراتٍ وفُــرســانـا؟!
سُـهَـيـلُ لــيـس سُـهَـيـلًا بـعـد أَن خَـلَـعُوا
بَــرِيــقَــهُ، وكَـــسَـــوهُ الـــعُـــريَ أَدرانـــــا
لا يَــبـلُـغُ الــسَّــوطُ بِـالـتَّـعـذِيبِ نَـشـوَتَـهُ
إِلَّا بِــظَــهــرِ سَــجِــيــنٍ كـــــان سَــجَّــانـا
سُــهَـيـلُ مُـــذ هَـــارَ لـــم يَــتـرُك لِآسِـــرِهِ
ولا لِــخَــاسِـرِهِ -فــــي الأَســــرِ- بُــرهـانـا
سُـهَـيلُ فــي الـقَـيدِ نَـبـضٌ غـيرُ مُـنضَبِطٍ
يُــصَــارِعُ الــمَــوتَ، تَـرحـابًـا، وعِـصـيـانا
وكُــلَّــمــا شـــــاءَ أَن يَــنــسَـاهُ.. عــانَــقَـهُ
عِـــنَــاقَ مُــنـتَـحِـرٍ لــــم يُــبــقِ شِــريـانـا
بِـهَـيـكَـلٍ لا تُــحِــسُّ الــرِّيــحُ إِن عَــبَـرَت
بِـــــهِ، أَكَــــانَ (عُــزَيــرًا) أَم (سُـلـيـمـانا)!
ولــم يَــزَل صـارخًـا بِـالـمَوتِ: يــا شَـبَـحًا
يُـحِـيطُ بــي.. لــم أُعُــد أَحـتـاجُ حِـيطانا
كُــلِّـي امَّــحَـى بــيـن سِــنـدانٍ ومِـطـرَقَةٍ
أُرِيــــــدُ مِــطــرَقَــةً أُخـــــرَى وسِــنــدانـا
أُريـــــدُ أَكـــثَــرَ مِـــــن رَأسٍ أَنـــــامُ بــــه
حــتــى أُلَاقِــــيَ مَــــا أَخــشــاهُ يَـقـظـانا
وكَـــي أُحِـــسَّ بِــأَنَّـي صِــرتُ أَكـبَـرَ مِــن
صَـــخـــرٍ يُــقَــسَّـمُ أَســـداسًــا وأَثــمــانـا
لــو كُـنتُ أَعـلَمُ أَنِّـي سـوف أُبـخَسُ.. مـا
تَــرَكــتُ -حِــيـن لَـمَـسـتُ الأَرضَ- دُكَّــانـا
مــا أَظـلَمَ الـنَّاسَ إِن غـابُوا وإِن حَـضَرُوا
وأَعـــدَلَ الــمَـوتَ فـــي الـحَـالَينِ إِن آنــا
مـــاذا أُسَـمِّـيـكَ يـــا حَــظًّـا وَقَــعـتُ بِــه
سَـهـوًا، وجَــاوَرتُ -بَـعدَ الـشُّهْبِ- جُـرذانا
مــــاذا أُسَــمِّـيـكَ يــــا هـــذا الــهَـوانُ إِذا
جُـعِـلـتُ لِاســمِـكَ بـيـن الـخَـلقِ جُـسـمانا
مـــاذا أُسَـمِّـيـكَ يـــا هـــذا الـزَّمَـانُ وقــد
غَــــدَا بِـــكَ الـبَـعـرُ يـاقُـوتًـا ومِـرجـانـا؟!
واااا غُـربَـتَـاهُ.. أَمَــا لِــي مَــن يُـقَـاسِمُني
شَــوقَ الـصُّـعُودِ كَـريـمًا، كــان مَــن كـانـا
لــم يُـنـسِنِي الـقَـيدُ مِـقدارِي ولا نَـزَعَ الـ
ـغُـــبَــارُ مِـــــن يَـــــدِيَ الـمُـلـقـاةِ إِيــوانــا
يـــــا مَــعــشَـرَ الـيـمـنـيـين الـــذيــن رَأوا
سُـهَـيـلَـهُـم، فَــأَشــاحُـوا عـــنــه نُــكـرانـا
لا بُــــدَّ لِــلـحُـرِّ مَـهـمـا هـــانَ مِـــن قَـــدَرٍ
يُــعِـيـدُهُ بَــعــدَ طُــــولِ الــيَــأسِ دَيَّــانــا
والــبُـؤسُ إِنْ طـــالَ أَعــوامًـا، فَـــإِنَّ لَـــهُ
يَــومًــا، يُـحِـيـلُ زُقَـــاقَ الــكُـوخِ إِيــوانـا
شَــتَّــانَ مــــا بــيـن طَــمَّـاحٍ يَــمُـجُّ دَمًـــا
وخـــانِـــعٍ حَـــرَّرَتــهُ الـــنَّــاسُ.. شَــتَّــانـا
يــــا يَــــومَ أَنْ أَلــقَــتِ الــدُّنـيـا بِـزِيـنَـتِها
واصَّــاعَــدَ الـلَّـيـلُ فـــي الآفَـــاقِ هَـتَّـانـا
لـــم يَـنـسَ قَــطُّ (سُـهَـيلٌ) فـيـكَ نَـكـبَتَهُ
لــكــنَّــهُ صَــــــارَ لا يَــســطِـيـعُ نِــسـيَـانـا
مــا بَـيـنَ أَكـبَـرِ مِــن صَـخـرٍ، وأَصـغَرِ مِـن
طَـــــودٍ، أَرَاهُ يَــحِــيـكُ الـــسِّــرَّ إِعـــلانــا
ويُـوقِـظُ الـحُـلمَ فــي عَـيـنَيهِ، عَــن ثِـقَـةٍ
أَنَّ الــطُّـمُـوحـاتِ لا يُــغـمِـضـنَ أَجــفــانـا
ويَــقــدَحُ الأَرضَ مُـشـتَـاقًـا إِلــــى سَــفَـرٍ
مُــجَــنِّــحٍ، وجَـــنَـــاحٍ لـــيــس عِــيــدانـا
سُـهَـيـلُ أَصــبَـحَ يَــدري مــا عَـلَـيهِ، ومــا
لَـــهُ، ويَــعـرِفُ مَــن عــادَى، ومَــن صَـانـا
وأَصــبَــحَ الــيَـومَ أَقـــوَى حُــجَّـةً ويَـــدًا
مِــمَّــن أَعَــاشُــوهُ واعــتَـاشُـوهُ طُـغـيـانـا
وصَــــــارَ يُــــــدرِكُ أَنَّ الأُفـــــقَ مَــنــزِلُـهُ
لا حَـيثُ يَـصحَبُ تَـحتَ الـشَّمسِ خِرفانا
وصَــــارَ يُـــدرِكُ أَنَّ الــمَـوتَ أَكـــرَمُ مِـــن
حَــيَــاةِ مَــــن يَـتَـعَـاطَى الـــذُّلَّ جَــذلانـا
سُــهَـيـلُ أَصــبَـحَ شَــوقًـا لا حُـــدُودَ لـــه
ووَثـــبَـــةً تَــتَـخَـطَّـى الـــكَــونَ أَكـــوانــا
لـــكــنَّــهُ دُونَ (رَأسٍ) يَــسـتَـطِـيـعُ بِــــــهِ
أَن يَــنــهَـضَ الآنَ حُــــرًّا، رافِــعًــا شــانــا
سُـهَيلُ كـم عـاشَ مَـسلُوبَ الـجَنَاحِ، وكم
أَحَـــالَــهُ الـــشَّــوقُ أَعــنــاقًـا وأَحــضَـانـا
كــم عــاشَ تَـحتَ رَمَـادِ الـحَربِ مُـفتَرِشًا
جُــرحًــا، ومُـلـتَـحِـفًا سُــوسًــا ودِيــدانــا
يُـسَـائِـلُ الـنَّـاسَ عَــن شَـعـبٍ وعــن بَـلَـدٍ
تَــنَــافَــرَا، وأَحَــــــالَا الــيُــمـنَ أَضــغــانـا
سُـهَـيلُ كــم طــافَ أَرضًــا كــان يَـرمُـقُها
مِــــن الــسَّـمَـاءِ، حِــبَـاءً، لــيـس سُــؤلانـا
فـــــي كَـــفِّــهِ صُــــرَّةٌ غَــبــرَاءُ يَـحـمِـلُـها
حــيـنًـا، وتَــحـمِـلُ عــنـه الــكَـفَّ أَحـيـانـا
كـــم عـــاشَ بــائِـعَ وَردٍ فــي (طُـلَـيطِلَةٍ)
يُــحَــاوِرُ (ابــــنُ زِيَـــادٍ) فــيـه (أَسـبـانـا)
ويَـسـتَـبِـيـنُ رَعَــايــا (تـاشـفِـيـنَ) وقــــد
تَــجَــوَّلُــوا بِــــــدُرُوعِ الــفَــتـحِ رُهــبــانـا
وعَاشَ سائِقَ (باصٍ) في (السُّوَيدِ)، وفي
أَطـــــرافِ (لَـــنــدَنَ) حُـــوذِيًّــا، وفَــرَّانــا
ومَـاسِـحًـا لِــزُجَـاجِ الـمَـركَـبَاتِ، عـلـى الـ
ـحُــدُودِ، مــا بـين (هـانجتشو) و(هُـونانا)
وعــــاشَ تــاجِــرَ مِــلـحٍ، لا “جَـــوَازَ” لَـــهُ
مِـن (سـاحِلِ الـعاجِ) مَـطرُودًا إِلـى (غانا)
وكَـم قَـضَى فـي (جـنوبِ الشَّرقِ) داعِيَةً
حِــيــنًــا، ونــائِــحَــةً حِــينًــا، وفَــنَّــانــا!
وفـي (الـخَليجِ) عُقُودًا عاشَ، ليس سِوى
إِلــــى “الـكَـفَـالَـةِ” يُـلـقِـي الــمَـالَ تَـعـبـانا
وطـاهِـيًـا فـــي بِـــلادِ (الـتُّـركِ)، مُـجـتَلِبًا
مَــوَاشِــيًـا، بــيــن (سُــوريَّــا) و(لـبـنـانـا)
وطــــــاف كُـــــلَّ بِـــــلادِ اللهِ مُــحـتَـمِـلًا
إِهَـــانَـــةَ الـــنَّـــاسِ، مَــلــعُـونًـا ولَــعَّــانــا
شَـــوقُ الـبـيُـوتِ إِذا مــا أَهـلُـها افـتَـرَقُوا
شَــــوقُ الـقَـصـائِدِ أَن يُـصـبِـحنَ دِيــوَانـا
(يــا رَبَّــةَ الـبَـيتِ قُـومِـي غَـيـرَ صـاغِرةٍ)
كـي تَـذبَحِي الـجُوعَ.. إِنَّي شِمتُ ضِيفانا
لا تُــشـعِـرِيـهِـم بِـــأَنَّـــا مُـــنـــذُ أَزمِـــنـــةٍ
لا نَـــرفَــعُ الــلَّــحـمَ إِلَّا عــــن ضَـحـايـانـا
أَو نَــعــرِفُ الــعَـيـشَ إِلَّا فـــي ضَـمَـائِـرِنا
أَو نُــبــصِـرُ الـــمَــوتَ إِلَّا فــــي مَــرَايـانـا
لا تُـشـعِـرِيـهِـم بِـــأَنَّــا جــائِــعُـونَ، ومــــا
فــــي دَارِنــــا لِــلـقِـرَى فَـــأرًا، ولا ضَــانـا
قُـومِي اطـبُخِي الـجُوعَ مَـندِيًّا، ولا تَقِفِي
وُقُـــوفَ مَـــن يُـشـبِـعُ الأَضـيـافَ أَيـمـانا
قَــولُ ابـنِ مَـحكَانَ: (أَخـوَالِي بَـنُو مَـطَرٍ)
لَـــن يُــحـدِقَ الــيَـومَ إِلَّا بِــابـنِ مَـحـكَـانَا
قُـولِـي لَـهُـم: إِنَّ دَعــوَى (مُــرَّةَ) انـقَـلَبَت
مَـــــرَارَةً، أَو فَــقُــولِـي: مــــاتَ خَــزيـانـا
لا عُـــذرَ كـالـمَوتِ يُـنـجِي مِــن نِـكَـايَتِهِم
أَو قَـولِـهِـم: كـــان يُــقـرِي الــفَـردَ ثِـيـرانا
(سُـبـحـانَ مَــن أفـقَـرَ الأَغـنَـى، وعَـلَّـقَنا)
بَـينَ (ابـنِ مَـروانَ) جَـوعَى، و(ابنِ مَرَّانا)
(يــا رَبَّــةَ الـبَـيتِ) نُـوحِـي، إِنَّــهُ زَمَـنُ الـ
ـنــــوَاحِ، أَو فَـلـتُـعِـيدِي الــطِّـيـنَ كِـيـزانـا
أَمَّـــــا (سُــهَـيـلُ) فَــإِنــي غَــيــرُ تــارِكِــهِ
تَــــركُ الـيَـمَـانِـيِّ مــــا لا يَـنـبـغِـي الآنــــا
سُـهـيـلُ يَـبـحـثُ عَـــن رَأسٍ يَـطِـيـرُ بِـــهِ
لا زَاحِــــفٍ يَــتَـحَـدَّى الــمَــوتَ نَـعـسـانـا
سُــهَـيـلُ لــيــس مَــجَــازًا.. إِنَّــــهُ يَــمَــنٌ
بَـيـنَ (ابــنِ زايِـدَ) مُـلقًى، و(ابـنِ سَـلمانا)
يـــا مَـعـشَـرَ الــجِـنِّ إِنَّـــا لائِـــذُونَ بِــكُـم
مِـــن عــالَـمٍ صـــارَ فــيـه الـنَّـاسُ ذُؤبـانـا
إِخــوَانُـنـا فــيــهِ جَـــارُوا فـــي مَـحَـبَّـتِنا
فَـضَـاعَفُوا الـبُـؤسُ -بَـعدَ الـرّطلِ- أَطـنانا
وصَـيَّـرُوا الـخَـوفَ مَـأوَانـا، وأَصـبَـحَ مــا
يُـخِـيـفُهُم: أَن يَـصِـيـرَ الــخَـوفُ مَـأوَانـا!
وحَـــرَّرُونـــا.. ولـــكـــنْ مِـــــن مِــنـازِلِـنـا
وأَهــلِــنـا، وغَـــــدَوا لِـلـخَـصـمِ أَخــدانــا!
والآنَ خَــمــسَــةُ أَعـــــوامٍ.. ونَــجـدَتُـهُـم
تُـــمَـــزِّقُ الـــصَّـــفَّ إِنــسَــانًــا وبُــنــيَـانـا
والآنَ خَــمـسَـةُ أَعـــوامٍ.. ونَــحـنُ عــلـى
فَــــرشِ الـخِـيَـاناتِ “أَنــصَـارًا وإِخــوانـا”
لــــم نَـقـتَـنِـع بَــعـدُ أَنَّـــا زَاحِــفُـونَ إِلـــى
هَــلَاكِــنــا، لا إِلــــــى إِحـــيـــاءِ قَــتــلانـا
يــا بَـانِـيَ الـوَهـمِ مِــن طِـينٍ ومِـن حَـجَرٍ
مـــا زِلــتَ فــي الـوَهـمِ حَـجَّـارًا وطَـيَّـانا
بِـالـرَّأسِ يُـعـرَفُ قَــدرُ الـقَـومِ، لـيس بِـما
أَحَـــالَــهُ الــعَــجـزُ أَعـــجــازًا وسِــيـقـانـا
لا بَـــأسَ إِن كـــان هـــذا الـــرَّاسُ قُـنـبُلةً
لــكـنـه بَـــانَ بــعـد الـفَـحـصِ “جِـعـنـانا”!
وأَصــبَـحَ الــيَـومَ ذَيـــلًا لِـلـذّيـولِ، وصَــا
رَ الـــذَّيـــلُ لِــلــذَّيــلِ حَــنَّــانًـا وطَــنَّــانـا
مَـــــن ذا يُــعِــيـدُ سُــهَــيـلًا لِـلـسَّـمـاءِ إذا
بَــنُــوهُ صَــــارُوا خـفـافـيـشًا وفِــئـرانـا؟!
(يــــا حِـمـيَـريُّونَ يَـسـتَـغشُونَ كـاظِـمـةً)
الــحِــمــيَـرِيَّـاتُ لا يُــنــجِــبـنَ عُـــبــدانــا
تَـعِـبـتُ مِـــن سَــردِ فَـصـلٍ لا انـتِـهاءَ لــهُ
ومـــــــا أَزَالُ بِـــسِــفــرٍ مِـــنـــه مَـــلآنـــا
أُشَــاغِـلُ الـنَّـجـمَ عـــن ظِـــلٍّ يُـشَـاغِـلُهُ..
فَـالـظِّـلُّ يُـصـبِـحُ عِــنـدَ الـخَـوفِ غِـيـلانا
وأَقــطِـفُ الـفَـجـرَ بَــعـدَ الـفَـجرِ مُـنـتَظِرًا
سُـهَـيلَ، وهــو بِـصَـدرِي يَـغـرِسُ “الـدَّانا”
مـا أَقـرَبَ الـحُلمَ مِـن سَمعِي ومِن بَصَرِي
لا تَـهـجُـرُوا الـحُـلـمَ هَــجـرَ الـبَـانَةِ الـبَـانا
ولْـتَـسـأَلُـوا إِن سَــأَلـتُـم عَــنــهُ (عَـبـهَـلَةً)
لا تَـسـأَلُـوا عَــنـهُ (بـــاذَانَ بْـــنَ سـاسَـانا)
وإِن أَرَدتُــــــم بَــيَــانًــا عـــنـــه ذا ثِـــقَــةٍ
فَـلـتَـسمَعُوا عــنـه (حَـسَّـانًـا) و(نَـشـوانا)
لا تَـرتَـضُوا الـحُـكمَ مَـحكُومًا، ولا تَـضَعُوا
مِــــن بَــأسِـكُـم فــيــه إِعــــوالًا وإِرنــانــا
لا يُـرتَـجَى الـرُّشـدُ مِــن (رَأسٍ) لـه ذَنَـبٌ
حــتـى ولـــو كــان رَبُّ الــرَّأسِ (لُـقـمانا)
كُــــلُّ الــعَـمَـالاتِ أَذيــــالٌ، وإِن حَــمَـلَـت
غَــيـرَ اسـمِـهـا، أَو تَـخَـلَّـت عــنـه أَحـيـانا
مــا كُــلُّ مَــن قــال: إِنِّــي رَبُّـكُم، هَـطَلَت
أَرزاقُـــهُ.. فـاكـتُـبُوا (فِـرعَـونَ) (هـامـانا)
يـا حِـميَرِيُّونَ.. مـا فـي الأَرضِ مِـن أَحَـدٍ
كــالـحِـمـيَـرِيِّـيـنَ إِعــــجــــازًا وإِتـــقــانــا
كُـــنَّــا حُــــدَاةَ الــثُّـرَيَّـا والــثَّــرَى، ولــنــا
بَــيـنَ الـسِّـمَاكَينِ قُـطـبٌ كــان (رَحـمـانا)
وقَــبــلِ أَن تَـسـتَـدِيرَ الـشَّـمـسُ سَـاخِـنَـةً
كُــنَّـا بـِ(شَـمـسَـانَ) نَـغـلِـيها، و(غَـيـمـانا)
وقَـــبــلَ أَن يَـتَـقَـصَّـى الــرَّمــلُ قَــامَـتَـهُ
ونَـــحـــنُ نَـــغـــزِلُ لِــلــمِـرِّيـخِ فُــسـتَـانـا
وقَـــبــلَ أَن يَــتَـهَـادَى الــبَـحـرُ مُـعـتَـكِـزًا
ونَــحـنُ نَــبـرِي عَــمُـودَ الـصُّـبـحِ غُـدرانـا
لا نَــدَّعِـي الـفَـخـرَ.. إِنَّــا مَــن إِذا ذُكِــرُوا
رَنَـــــا إِلــــى الأُفــــقِ مَــزهُــوًّا وحَــيَّـانـا
نـحـن الـذيـن اجـتَـذَبنا الـعَـيشَ، لا صَـلَفًا
ولا أَذًى، واجـتَـذَبـنـا الــمَــوتَ شُـجـعـانـا
مــا بَـالُـنا الـيَـومَ خَـلـفَ (الـرَّسِّ) مَـوكِبُنا
مُــعَــطَّـلٌ، وهُدانــــا خَــلــفَ (خَـلـفـانـا)!
مــــا بَــالُـنـا نَـتَـسَـاقَـى مِــــن جَـمَـاجِـمِنا
فِــــدَاءَ مَــــن بِــغُــرابِ الــبَـيـنِ داوَانــــا!
شَــــيءٌ عَــــن الــحُـلـمِ أَلــهَـانـا وأَخَّــرَنـا
والــحُـلـمُ إِن طَـــالَ يَــومًـا زادَ هِـجـرانـا
يــا حِـمـيَرِيُّونَ.. لا ذِكـرَى لِــ( حِـميَرَ) فـي
أَبــنــائِـهِ، إِن أَنَـــالُــوا الــحُــكـمَ زُعــرانــا
دُوسُـــوا الـخِـلافَـاتِ إِن تُـقـتُم إِلــى بَـلَـدٍ
إِنَّ الـــخِــلافــاتِ لا يُــبــقِــيـنَ بُـــلــدانــا
لا تَـطـمَـعُـوا أَن تُـعِـيـشُـوا آمِـنِـيـنَ وقـــد
نَــاصَـرتُـمُ الــخُـلـفَ إِغــضَـابًـا وتَـحـنـانـا
هـــذا سُـهَـيـلٌ يُــنـادِي: يـــا بَــنِـيَّ قِـفُـوا
كـــي تُـبـصِـرُوا كَـــم مُـــرادًا زادَ إِمـعـانـا
كــــادَ الــظَّـلامُ عَـلـيـكُم أَن يَــثُـورَ، ومـــا
زِلــتُـم تَـقُـولُـونَ: شَـــوقُ الـفَـجرِ أَعـمـانا!
مَــن غَـيرُكُم مَـن يَـقُودُ الـفَجرَ إِن فُـقِئَت
عــيــونُــهُ، وغَـــــدَا لِــلــشَّـوقِ عَــجَّــانـا!
مَـن غَـيرُكُم مَـن سَـيُعطِي الـنَّجمَ أَجنِحَةً
خَـفَّـاقَةً؟ مَــن سَـيُـعطِي الـرِّيشَ أَلـوانا؟!
مَـن غَـيرُكُم مَـن سَـيُنهِي الشَّوطَ، مُكتَنِزًا
فــي صَــدرِهِ مِـن عُـيُونِ الـقَهرِ طُـوفانا؟!
لا تُـؤمِـنُوا بِـاعتِسَافِ الـيَأسِ، واحـتَرِسُوا
أَن تُـمـنَـحُـوا الــوَهــمَ جُــدرانًـا وأَركــانـا
غَـــــدًا يَــعُــودُ سُــهَـيـلٌ زَاهِــيًــا نَــضِــرًا
يُــعــانِــقُ الأَهـــــلَ أَشــيــاخًـا وفِــتـيـانـا
ولَــــن يَــظَــلَّ أَسِــيــرًا لِــلـتُّـرابِ، ولَــــن
يُــهَــادِنَ الــلَّـيـلَ مَــهـمـا جَـــارَ واخـتَـانـا
سَـنَـلـتَـقِـي ذاتَ فَــجــرٍ تَــحــتَ رَايَــتِـنـا
مُــوَحَّــدِيــنَ، كِـــبَـــارًا، رُغــــــمَ بَــلــوانـا
لا يَــغــلِـبَ الـــيَــأسُ إِلَّا مُــؤمِـنِـيـنَ بِــــهِ
ونَــحـنُ بِـالـحُـلمِ أَقـــوَى الــنَّـاسِ إِيـمـانا
هــــذا بَــيَـانِـي إِلَــيـكُـم، صُــغـتُـهُ جُــمَـلًا
مــــا لُــحــنَ لِـلـعَـيـنِ إِلَّا فُــحــنَ أَلــحـانـا
هَــاجَـرتُ فَـيـهِـنَّ، حـتـى صِــرتُ مُـطَّـلِعًا
وكــاشِـفًـا مــــا سَــيَـأتـي بِــالــذي كــانــا
وقُـلتُ؛ والـشِّعرُ يَـحسُو مِـن فَمِي ودَمِي:
مــا دُمــتُ أَمـلِـكُ نَـفـسِي لَـستُ خَـسرانا
لا أَشــتَــهِـي الآنَ لا حُـــزنًــا ولا فَـــرَحًــا
ولا أُرِيــــدُ عــلــى مــــا قُــلــتُ شُـكـرانـا
إِذا صَــدَقــتُ.. فَــقَـولِـي تِــلــكَ عــادَتُــهُ
وإِن كَـــذَبــتُ.. فَــقَـولِـي لــيــس قُــرآنــا
وإِن يَــكُـن لِـــيَ عَــيـشٌ بِـالـهَـوَانِ يُـــرَى
فَــالـحَـمـدُ لـــلــهِ أَنِّـــــي مِــــتُّ إِنــسـانـا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يحيى الحمادي