- عبدالباري طاهر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخاطبك؛ لأنك الأكثر حضوراً.. أحييك حياة الأبدية؛ لأنك ملء الأسماع والأبصار والأفئدة والقلوب.. حيٌّ في وجدان وعقول وضمائر الناس الطيبين، وهي المعاني العظيمة للآية (واجعل لي لسان صدق في الآخرين).
ذكرك خالد، وسيرتكم عطرة. عامان مرت على اغتيالك.. عامان يكتملان من الحرب على الوطن.. لاغتيالك دلالات فاجعة، ومعاني راعبة وخطرة.. عشت يا كريم داعية سلام، رمز حرية وديمقراطية وعدالة.. اغتيالك اغتيال لهذه القيم العظيمة .
حرب 94 ضد الجنوب، وضد الوحدة السلمية كانت مقدماتها الأولى البشعة اغتيال أكثر من مئة وخمسين من كوادر وقيادات الاشتراكي ومستقلين . اغتيالك، واغتيال الدكاترة : محمد عبد الملك المتوكل، وعبد الكريم جدبان، وأحمد شرف الدين كانت مقدمات فاجعة ومزلزلة للحرب المدمرة الهالكة. كنت أكبر نصير للسلام؛ فاغتالك أعداء الحياة. كنت رمز تسامح وتحرر؛ فاغتالك الفاشست أعداء الحرية. وقفت ببسالة ضد حرب 94 أم الحروب المتناسلة حتى الآن ..
الحرب أول ما تكون فتية
تسعى بزينتها لكل جهول وتعشقهُ
ِ
حتى إذا حميت وشبَّ ضرامها
عادت عجوزاً غير ذاتِ حليلِ
شمطاء جزت رأسها وتنكرت
مكروهة للشمِّ والتقبيلِ
كإبداع الشاعر المخضرم ابن قرية حيدان ( عمرو بن معد يكرب الزبيدي).
واجهت الحروب الستة ضد صعدة، ودفعت الثمن غالياً توجت باغتيالك. كنت الشاهد، وفضحت كل جرائم جنرالاتها. كنت الفادي الأشجع في المواجهة .
اغتيالك يا كريم ورفاقك البررة إيذان بفتح أبواب جهنم على اليمن كلها؛ فالعنف يولد العنف، والحروب ولادة .
بدقة متناهية تنبعث الحروب الصغيرة والكبيرة في طول اليمن وعرضها، ورصدت في مدونة (الشورى) الحروب التي أشعلها جنرالات الحرب في القرى والقبائل وداخل الأسر نفسها أحياناً .
كنت في الصدارة دائماً.. فتحت الملفات الأشد فساداً والأكثر خطورة.. الملفات التي كنا نخاف مجرد الاقتراب منها: ملفات الحروب المتناسلة، ملفات الفساد في كل مفاصل أجهزة الدولة، وبالأخص في الرأس منها، وفي الدفاع، وتجارة السلاح والإرهاب، ملفات المعتقلين، ملفات التعذيب، وكنت على استعداد دائم لدفع الثمن .
بعد حرب 94 كنت ضمن ثلة من الصحفيين الشباب الجدد أول من رفع سقف مطلب الحريات الصحفية، حرية الرأي والتعبير . أعدتم الاعتبار للكيان الصحفي والنقابي، وتصديتم لجنرالات الحروب وعتاولة الفساد والاستبداد. وقفتم ضد الانتهاكات ضد الحريات الصحفية، وأفشلت كل محاولة سن تشريعات قامعة لحرية الرأي. رفضتم عودة الرقابة على الصحافة والاعتداء على كرامة الصحفيين والأدباء والمثقفين. أسهمت في إشعال قتيل الاحتجاجات السلمية، وكنت عنوانا من عناوين الربيع العربي في اليمن .
الحرب التي نذرت نفسك لإطفائها في صعدة انتشرت كالوباء في اليمن كله من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب .الفساد الذي حاربته- والحرب أم الفساد كله- استشرى ليطال الآن عشرين مليون جائع، حسب تقارير دولية موثقة، ووقائع مشهودة تفقأ العين .
المشردون ثلاثة ملايين، القتلى أكثر من عشرة آلاف، المعاقون والجرحى مئات الآلاف، والعاطلون وفاقدو العمل والراتب ملايين .
رفاقك الذين دافعت عنهم وحموك إما قتلى أو معتقلون أو مشردون وما أكثرهم. اليمن التي نذرت نفسك لها متحاربة ممزقة ومفككة .
وطنك الذي فديته يعيش كأسوأ بلد على وجه الأرض في مختلف مناحي الحياة؛ فهو يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة ..
بلقيس يقتتلُ الأقيال فانتدبي
إليهم الهدهد الأوفى بما اؤتمنا
قولي لهم يا رجالاً ضيعوا وطناً
أما من امرأة تستنقذ الوطنا؟!
اختطف كريم أكثر من مرة، وأخفى قسرياً..
اعتقل أكثر من مرة ..
حوكم، وحكم عليه بالسجن بتهم تصل حد الخيانة العظمى .
اختطف، واعتدى عليه بالضرب، وحاولوا كسر أصبعه (الإبهام).
ميزة هذا الراحل العظيم أنه كان من المبتدى للمنتهى ضد الحروب والفتن والصراعات الكالحة .
كان ضد الفساد والاستبداد، والحرب أم الكبائر والجرائم كلها .
لم يهادن ، لم يساوم ، لم يركع .
استشهد نقي الضمير، برئ الذمة، نظيف الكف،صادق العزم؛ فسلام عليه يوم ولد، ويوم يموت، ويوم يبعث حيا.