- عبد الرحمن بجاش
تذكرته على الفور، كان يقف مرتزحا إلى ركن العمارة ….
أطلت النظر إليه ، مظهره حكى حاله فورا …قميص …وثمة فانيلة صوف نصفية …وسواد يكاد يخفي ملامح الوجه ….
أقتربت منه ، مددت يدي ، سلمت ، أهلا بك ، وأهلا بك أيضا ، كيف حالك ؟ ، ماتراه يغني عن السؤال …
جلس على الارض ، جلست بجانبه : أين أيامك ؟ ، هنا وهناك …
ماذا تفعل؟ ، لاشيئ ..أستلم بين الحين والاخر مرتبي التقاعدي وأعيش بالكاد وأسرتي عليه …، وأعود لسؤاله : والسيارة؟ ، أي سيارة !! خلاص ياصاحبي فلا سيارة ولا ولا …
وأعود ملحا أساله : مالك مالذي حصل ؟ ، لاشيئ ، أنا ادفع ضريبة الجهل والتخلف …لم أعد اطمح لشيئ ، وحتى اذا فلن أستطيع …كنت كما تعرف أحم بالكثير، لكنهم خذلوني …جميعا خذلوني …
طيب ، ماذا على الصعيد الشخصي ؟ ، نظر إلي مطولا : فقدت الحلم ، كان في رأسي الكثير، خسرت من جيبي الكثير، ووجدت في النهاية أنني لم أتزحزح من مكاني ….
ذلك الرجل النموذج كان مسئولا كبيرا، وبإمكانات كبيرة ، أخلص للوظيفة ، وصرف مافي الجيب على بيئته التي حاول بقدر الامكان أن يغيرها ، أن يعمل لها الكثير…
أكتشف أن الجهل والتخلف في بيئته كان اقوى منه ، فخذله …
وعلى المستوى العام ، خرج بحصيلة مشابهة ، هناك خذله الفساد ،والإفساد …حاول وحاول وحاول بلا جدوى ….،قال : كنت أسمعها إلى أذني : هذا طيب هذا مسكين ، أفهم أنهم يعنون أنني غبي ، حارس المؤسسة قالها لي يوما : أفعل مثل الأخرين ، هكذا ستتعب ، قلت له : لا أستطيع ….
داخله اليأس ، وحتى بدأ يجتاحه النسيان …لم يعد أحدا يسأل عنه ، لامن بيئته ، ولا حتى من الزملاء ، ولا ممن أستفادوا منه كثيرا أيام أن كان مسئولا كبيرا….
ودعته ،وفي الطريق رحت أستعرض شريط سيرة الرجل المهني الكبير الذي حمل شهادة عليا من أمريكا ، وكان هناك زميلا للشهيد الأستاذ عبدالعزيز عبد الغني …، وعندما عاد بحلمه الكبير، عمل مع د. الارياني رحمه الله في تهامة …
” أنا أدفع ضريبة الجهل والتخلف ” ماتزال تدوي في رأسي ..
ضريبة يدفعها كثيرون ،حلموا ، لم يسرقوا ، حاولوا ، هزمهم الفساد وجهل المجتمع وتخلفه …
لله الأمر من قبل ومن بعد .