- موفق السلمي
من سوء حظنا ، أن يكون (حق الانتخاب ) هو المقرر دراسته كأحد مفردات القانون الدستوري في دبلوم التمهيدي لماجستير القانون العام ، في زمن كهذا ، وفي مدينة كتعز .وبما أن الانتخاب حق أصيل لكل مواطن ، وهو وسيلة إسناد السلطة إلى الشعب، في الحكومات الديمقراطية ، والشعوب المتمدنة ، فإننا في اليمن ، وفي عصر الانقلابات ، والنزاعات المسلحة ، لا يجدر بنا أن نتحدث عن الانتخاب كحق.
وفي محاضرة الأحد الفائت ، وأثناء ما كان زملائي يتناقشون حول حق الانتخاب الغائب عن الوطن ، والذي كنا نسمع بجزء منه حين كنا أطفالا ، كنت أشرد بخيالي بعيدا ، كنت أتذكر كيف كان دخولي إلى هذه المدينة ، هناك حيث جبل الأقروض الشاهق ، وقد أجتاح الخوف وقتها كياني، وانتاب جسدي رعشات ورعشات ، كنت أنظر إلى الأسفل ، وأنا بجوار أمتعة المسافرين ، في الشبك ، فأغمض عيني ، ولا أعلم حينها أأنا في كابوس حقا أم في ذلك الجبل!.
وإن سألتموني عن سبب قعودي بجوار الأمتعة في تلك السيارة ، فلأنها آخر سيارة تغادر دمنة خدير مع مغيب شمس يوم السبت ، فقد ركبتها مكرها ، وهكذا هي الطريق بين دمنتنا ومدينتنا ، وقد باعد الله بينهما ، وذلك بعدما كنا نقطعها في دقائق معدودة.
هنا في تعز ، وبعد أن تكسرت أقلامنا، وجف حبرها ، ظهر في المدينة أشباح إن خالفت أحدهم الرأي ، قال : سأذبحك ، وقد يذبحك دون مخالفة ، منطق الدم هو السائد ، وهو المنسكب بأرخص ثمن ، وبتواطئ حماة الوطن ، ويأتي مدرسونا في الكلية ليحدثونا عن الانتخابات ونزاهتها ، متناسين أننا في حرب ، وحصار ، وموت.
الإشراف على عملية الاقتراع ، هو موضوعي المكلف ببحثه ، وعرضه على الطلاب في الأحد القابل ، ولست أدري ماذا أكتب حول ذلك؟ وقد أمضيت سهرتي هذه ولم أكتب حرفا ،ويا ليت دكتور المقرر يعفيني من هذا ، وسأكتب بدلا عنه حول جنازة الأكحلي ، أو الإشراف على عملية قتل الشهيد الحسامي وتصفيته في حرم مستشفى الثورة العام .
سوء حظ أن ندرس قانون في زمن حرب ، وسوء حظ أن نعيش واقعا فوق واقع الحرب ، وسوء حظ أن يُقتل البعض بيد الجيش والأمن ، وسوء حظ الحب في الحرب.