- ضياف البراق
أشعر أن كل ما حدث حتى هذه اللحظة، كأنه حدث على غفلة تامة مِنّي. أبدو لي وكأني منذُ البدء (تقريبًا) لم أنتبه ولا لشيء، وقبل ذلك نفسي. والسعادة الوحيدة في الحياة، هي عدم الاِنتباه التام. السعادة الخالصة إمّا تكمن في أقصى الخيال، أو هي الحزن ذاته. أظنني، منذُ وأنا صغير لم ألتفت إلّا نحو الغياب المُطْلَق، متناسيًا كل حضوري أتمَّ النسيان، وكأن العدم وحده مَن يستحقني عن جدارة. ثُمَّ.. مَن قال إن العدم يساوي الصفر، أو العكس؟ العدم هو ذاته هذا الوجود، كُليًّا. والصفر، أيضًا، له كينونة ومعنى. للصفر قيمة كونية محورية ليس بمقدور أحد إهمالها. غير أن معظمنا يحتقر الصِّفْر، أو لا يعترف به أبدًا، وهو أصلًا، أي “معظمنا” هذا، ما زال دون الصفر بمراحل. ما علينا.
دائمًا، كنتُ وما زلتُ أعجز عن اِنتظار الأشياء، بالطبع أبغض اِنتظار جميع الأشياء، فالأسوأ باعتقادي هو أن ينتظِر الإنسانُ ما هو مستحيل على التحقُّق، أو ما ليس يستحق أي اِنتظار، مع أن الحياة كلها انتظار، نعم، الحياة كلها وجع واحد لا ينتهي، وجع قابل للانفجار في أيِّ وقت. غير أني، مع ذلك، لستُ أشعر بالندم تُجاه أي شيء، والندم بطبعه مرض فتّاك سريع القتل، مثله كمثل عذاب الانتظار. الحرية؟ أيضًا هذه مجرد كذبة، لكنها ضرورية، ورائعة جدًّا، ولذلك تستحق “اللا اهتمام» المُطْلَق. الحرية الحقيقية الكاملة، هي عدم المجيء إلى هذا العالم بالذات. أمّا الحرية الصادقة، هي القلب النظيف، الصافي أشد الصفاء، أي القلب الكبير المتواضع، لا غير. نَعم، حرية القلب أجمل وأصدق من حرية العقل. حرية العقل مُتكبِّرة في الغالب، وإذن، تدميرية كارثية.
أحيانًا، كحالي الآن، أنا على استعداد كامل لكي أخسر كل شيء، دون أن يعتريني أي ندم، أو إرهاق ذهني، أو اِنهزام بسيط على الإطلاق. لم أفقد فطرة الإحساس بعدُ، لم أكرهني أبدًا، يستحيل أن أفقد ضميري (ضميري هو أنا)، ولكني بلا شك فقدتُ الرغبة، بل جميع رغباتي، تُجَاه الواقع بأكمله، جملةً وتفصيلًا. هكذا.. هكذا يجب أن يعيش الجميع، فلْنعش الحياة بكل بساطة، بعيدًا عن الخوف المُسبِّب للألم والموت. هذا هو السلام الأبدي بجميع معانيه. عمومًا، أنا سعيد من صميم روحي، سعيدًا جدًّا لأنني أصبحتُ عديم اِنتباه، أو بالأصح عديم ذاكرة. إنه الحل الأنجع: علينا ألا ننتبه لشيء، دائمًا.
أسألني الآن: ماذا لو أصبحتُ عديم إحساس، أيضًا؟ لا مشكلة.