- مبارك اليوسفي
في بداية الحرب كنا مع بعض وكنا نتحدث عن الحرب، قال لي ببراءة ترى بم يفكر المقاتل حينما يقتل الآخر؟ لم أجب عليه، لأنني لم أجد الإجابة الصحيحة، وبعد أن التحق صديقي بجبهة القتال هناك، حاولت التواصل به كثيرًا، وذات يوم سألته نفس السؤال وقلت له بم تفكر حينما تقتل خصمك؟ صمت ولم يجب، وأعتذر وأنهى المكالمة.
إنه صديقي الحميم وإن اختلفت عنه بأني لم أحمل وبأذن الله لن أحمل البندقية التي كنا سوينا كافرين بها لكن جوع الصغار قذفه في جحيم الكفر- الحرب- البندقية. صديقي هذا الذي غادرنا إلى مأرب أحاول الاتصال به مذ أيام ولكن دون جدوى، من أمسٍ الأول حتى الآن وهو مغلق، لقد تفقدت حسابته في مواقع التواصل الاجتماعي، والواتساب وكل مكان، كل الطرق إليه مغلقة، لم أستطع حتى الآن الوصول إليه، أو معرفة أخباره، أخشى أن يكن بين الضحايا، أو أن يضاف إلى أعداد الأموات هناك. لا أعلم الآن أين هو وما هو مصيره، ليس من عادته الاختفاء المفاجئ هذا، الأمر فعلًا مقلق للغاية، ترى هل قتل فعلًا أم أنه بين الجرحى.
صديقي هذا غادر صنعاء بداية الحرب. تواجه إلى مأرب بقصد العمل. إنه أكبر إخوانه وأبيه توفي منذُ زمن، وصار يعول إخوانه الصغار وأمه المسكينة. وصل إلى هناك وألتحق بالمجندين، لم أتخيل أنه سيلتحق بالجبهة ويدخل ساحة المعركة، لم يخبرني أيضًا، ولم أتصور يومًا أنه سيكون مقاتل، ذلك النبيل المسكين عرفته من فترة طويل، لم أره يومًا تشاجر مع أحد، ولم أرى ابتسامته تفارق محياه، فكيف له أن يقاتل، لم أصدق حينما علمت بالخبر قبل حوالي سنتين أو أكثر، وحتى الآن لا أصدق أنه يحمل بندقية.
في بداية الحرب كنا مع بعض وكنا نتحدث عن الحرب، قال لي ببراءة ترى بم يفكر المقاتل حينما يقتل الآخر؟ لم أجب عليه، لأنني لم أجد الإجابة الصحيحة، وبعد أن التحق صديقي بجبهة القتال هناك، حاولت التواصل به كثيرًا، وذات يوم سألته نفس السؤال وقلت له بم تفكر حينما تقتل خصمك؟ صمت ولم يجب، وأعتذر وأنهى المكالمة.
وهآنذا اليوم أتذكره بعد أن قرأت خبر استهداف معسكر في مأرب، أخذت هاتفي واتصلت به وجواله مغلق، كررت الاتصال أكثر من مرة ولكن دون فائدة، أنا قلقٌ بشأنه، ومستاء كثيرًا.
ترعبني فكرة القتل، الاقتتال يشتد يومًا بعد آخر، ونحن نخسر كل يوم، الضحية الذي يسقط في جبهة الموت هو رقم بالنسبة لهذا العالم، لكنه وطن بالنسبة لي، لا يهمني انتمائه بقدر ما يعنيني إنسانيته، كل الضحايا غرر بهم، وكلهم منا.
متى تنتهي هذه المهزلة اللعينة ومتى يعد لنا هذا الوطن وذاك الإنسان المنهك، تعبنا من أخبار الموت نريد أن نحيا أن نعش بسلام لا أكثر.
لا بأس أن قتل صديقي ذاك، ولكن ليكن آخر القتلى، ليكن النهاية لهذه الحرب المتعفنة، القتل بالرصاص مخزي جدًا، لا تصدقوا أن القتل بالرصاص شجاعة، إنها تعاسة وحماقة.
صديقي العزيز إن كنت لا تزل على قيد الحياة فأنا أرجوك ألا تعد إلى الموت مرة أخرى، وإن كانت روحك قد فارقت الحياة فلن أغفر للساسة، وسأظل العنهم ما حييت، فأنت ضحية وغيرك الكثيرون.
لا تذهبوا إلى الموت بأنفسكم، لا تذهبوا إلى الجبهات، لا تقاتلوا، أبقوا في منازلكم، موت هناك أفضل، الموت في الجبهات مرعب ومخيف، تقول الامم المتحدة أن عدد الضحايا في اليمن وصل لأكثر من 250 ألف قتيل، وهذه الإحصائية غير مؤكدة، فهناك الكثير غيرهم.
هآنذا أخسر صديق آخر وقد خسرت قبله كثير، ترى من هو التالي.؟ أكثر ما يحزنني هو موتهم في الجبهات، ماذا لو لم يذهبوا إليها ترى كيف كان سيكون حالهم الآن، اللعنة على من يفكر بالموت هناك.
الكل يحشد والحرب نارها مشتعلة ونحن الضعفاء وقودها، أكثر من 100 ألف مدني قتلوا في هذه الحرب حسب ما قالته الأمم المتحدة، ناهيك عن الجرحى والمشردون والمختفيين، والكثير ممن خسروا وظائفهم ومنازلهم وقوتهم.
ها نحن يا صديقي نبحث على موقع أمن لنا في رقعة الوطن الممزقة هذه، علنا نجده، ولكن دون جدوا، صديقي الميت الحي هناك وغيره الألف مرميين في خطوط النار تحت أصوات القذائف المخيفة ورائحة البارود الكريهة.
لقد أصبحت اليمن تعيش أسواء حال إنسانية في العالم، أكثر من 20 مليون يمني مهددون بخطر المجاعة، الرقم مخيف جدًا.