- ضياف البراق
طوال فترة مراهقتي، كنتُ دومًا ألمّع صورتي أمام الناس، لا أمام نفسي، وأتنكّر لها في سِرّي أحيانًا. لم أكن أتوقّف ولا لحظة عن مواصلة وقاحتي التلميعية لصورتي، وتلميع صورة حياتي البشعة أيضًا. وحينها، جعلتُ صورتي مناقِضة كليًّا لذاتي الأصلية. كان هذا التناقض يُنهِكني من الداخل، ويجلب لي الكثير من الخيبات والنكسات الفظيعة. لشدة سذاجتي، كنتُ أينما ذهبتُ أقدِّم نفسي بأسلوبية إغرائية، تمجيدية، نرجسية، شديدة المثالية والمحافَظة والبلاغة. كنتُ أعتبرني كُلَّ شيءٍ، وفوق كل شيء، ولا أخجل من ذلك أبدًا. أصابني الخجلُ من ذلك، في مرحلة لاحقة، وهذا بالطبع تطوُّرٌ إيجابي جيد. لا أمزح، بالتأكيد كنتُ أحاول الطيران عاليًا، كالنسر، مع أنني لا أمتلك أجنحة، ولا رؤية، ولا فكرة، يا لغبائي!
كثيرًا ما تصنّعتُ العظمة بين الآخرين، حدَّ أنني شعرتُ بالغياب التام عن ذاتي. أكيدٌ، الغياب الجوهري عن الذات كارثة خطيرة جدًّا. وعدم نقد الذات، فهذا أكرث أنواع الجهل الهروبي الإخرابي.
أعود، كانت غايتي الوحيدة هي تحقيق «الشهرة!»، وكم لهثتُ، مرارًا وتكرارًا، وراء هذه الحالة المَرَضية البالغة في قبحها. لم أكن حُرًّا، ولا حقيقيًا، بل إنني كنتُ عديم أصالة، ونزاهة، إذ كنتُ أحاول باستمرار إرضاء الناس خلال محادثتي معهم، وفي تصرفاتي حيالهم، وقد أجهدتُ نفسيَ فوق طاقتها في السير على هذا المنوال المَرَضي الكارثي؛ فقط من أجل نيل احترامهم وحنانهم ومدحهم!
أوهامي كانت بلا حصر، وتفشُّلاتي وسقطاتي تتزايد يومًا بعد آخر. هكذا، كنتُ أصعد سُلَّمَ السقوط، وأُبلِّطُ البحرَ، وأضاجع الريحَ مُنتصِرًا عليها، أكثر من (دون كيشوت) بكثير، كنتُ أُزيّفُنِي، ظاهريًا وباطنيًا، فأتمزّق بغير شعور، تمامًا مثل قطعة قماشية مهترئة تتمزّق للتو من تلقاء نفسها. ومن هنا بالضبط، وبعد بطولات فضائحية كثيرة سطّرتُها على صفحات خيالي الخؤون، الكاذب، بدأ بلوغي مرحلة النضوج الحقيقي، وإعفافي الذاتي، (كذلك هذا تلميع مُقزِّز لصورتي، لكنه ضروري!)، وإنَّ إفراطي الشديد في الركض العبثي الطويل وراء السراب الخادع، ها قد أشعلَ نارَ الحريةِ بداخلي، والمرور بالفشل ضرورة أوليّة يتطلبها قانونُ النجاح، وأخيرًا اِستطعتُ إعتاقي من سجون أوهامي الفواتك، وتلافيتُ نفسي من الغرق النهائي في الجحيم، في آخر لحظة. عمومًا، تلك كانت بطولتي الخاسرة.